مذنّب فولكس فاغن

28 أكتوبر 2015
شارع البحر الأبيض المتوسّط في بيروت (تصوير: تيري فينشر)
+ الخط -

أن أكون خارج البيت، فعل يعدل الإيمان عندي. أظن المؤمن يعيش حياته باعتبارها تشرّده عن البيت. على عكسه، أعيش التشرّد على أنه البيت. مستسلمة لهذه الثقة العمياء بمغادرة المنزل والتطلع إلى الطريق.

أنا مولعة بالطريق، ومجنونة بالسيارات، بأي شيء له محرك يجعل الابتعاد أسرع. كانت فولكس فاغن، تمر كل خميس أمام البيت، في السيارة رجل وامرأة، وطفلة بينهما تأكل البسكويت.

هذا كل ما أذكره الآن، عائلة الفولكس فاغن، ثم رأسي الذي يظل يلاحق البيت الطيب حتى يختفي. أفكّر بعدة طرق عثرت عليها في الكتب، نافرة كأصحابها، تقرّبهم من البيوت وهي تبعدهم عنها، تقرّبهم من الشيء القديم الذي كانوا يرفضونه، طرق أوكونور وكيرواك ونابوكوف.

طرق صحراوية متقطّعة بمحطات الوقود والاستراحات المتربة، الصورة الآن تذكرني بفيلم Bagdad Café والولع بالمائة ألف صدفة على الطريق. وأتذكّر أيضاً طريق فروست الذي لم يُسلك.

وأنا في الطريق يحدث لي مثلما يحدث للبطل هيز في Wise Blood، تتجاوزه شاحنة فيها سرير حديدي وكرسي وطاولة. تمر سيارة فيها عائلة تصفق. وتمر فولكس فاغن سعيدة مرة أخرى. أتسابق بسيارتي مع القطار فيسبقني، أتسابق مع البسكليت وأسبقه.

أتوقف في الليل وأراقب السماء، يمر مذنّب فولكس فاغن، وتتأرجح آلاف السقالات المعلقة بين عيني والظلام، أسقط منها ببطء شديد وأظل مكان ما وقعت، خارج البيت.


اقرأ أيضاً: ألفة الاغتراب

دلالات
المساهمون