مدينة إدلب... فشل ما بعد التحرير

02 اغسطس 2015
عدم توافق الفصائل يعطل المشاريع الخدماتية(فرانس برس)
+ الخط -
واجهت مدينة إدلب بعد تمكّن فصائل المعارضة المسلحة من طرد قوات النظام منها، مجموعة من التحديات، لعلّ أبرزها كان ولا يزال تحدي إدارة شؤون السكان داخل المدينة لناحية تقديم الخدمات من مياه وكهرباء وهاتف، ولناحية تشكيل وإدارة الهيئات التي تتولى شؤون التعليم والقضاء والشؤون الشرطية والخدمات العامة. كل هذه التحديات وسط انعدام الإمكانيات وعدم سماح الفصائل التي حررت المدينة، بتسليم الشؤون المدنية إلى خبرات مدنية قد لا تتوافق معها في التوجه الإيديولوجي، ورفضها السماح للجهات السياسية التمثيلية في المعارضة أن تشكل مجالس محلية وهيئات مدنية.

كما سعى النظام الذي خرج من المدينة مرغماً، بكل الوسائل المتاحة بين يديه إلى إفشال أية إدارة ناجحة في إدلب التي تبلغ مساحتها 23 كيلومتراً مربعاً، خوفاً من أن تحقّق المعارضة أي إنجاز من خلال تقديم خدمات حكومية يُكسبها شرعية ضمن المناطق التي تسيطر عليها. فالخدمات الحكومية هي إحدى أهم الأوراق التي يحارب النظام من خلالها المعارضة، فعمل على تدمير معظم المراكز الحيوية في المدينة والبنى التحتية من خلال إمطارها بمئات البراميل المتفجرة.

لا يزال الفشل هو الطابع العام في طريقة إدارة المدينة، الذي ينعكس سلباً على السكان الذين باشروا بالعودة إلى بيوتهم من المناطق التي نزحوا إليها أثناء وبعد معركة السيطرة على المدينة. فالفصائل المنضوية ضمن غرفة عمليات "جيش الفتح" التي تسيطر على مدينة إدلب، هي فصائل ذات توجه سلفي جهادي عموماً، الأمر الذي يجعل معظم الإجراءات التي تخص شؤون الناس وخصوصاً في مجال القضاء والتعليم، لا تتناسب مع طبيعة سكان المدينة ذوي التوجه المحافظ لكن المعتدل، ممن يرغبون بمؤسسات دولة مدنية تدير شؤونهم لا هيئات ومدارس شرعية. كما أن الفصائل ليست متوافقة فيما بينها، الأمر الذي يؤجل، وفي أغلب الأحيان، يعطل الكثير من المشاريع الخدماتية، بالإضافة إلى القرارات الفردية نتيجة تولي العسكر للشؤون المدنية.

يقول المواطن أحمد عبود من سكان إدلب لـ"العربي الجديد": "تتقاسم فصائل جيش الفتح إدارة شؤون المدينة من دون أن نعلم آلية التقسيم، والوضع يسير وفق قدرة كل طرف على فرض نفوذه بالقوة". ويضيف أن كل الخدمات سيئة، كما أنّ معظم المؤسسات سُرقت، ولا تزال حتى الآن تحدث سرقات للمحال والبيوت لكن بنسبة منخفضة. وبالنسبة للكهرباء، يشير عبود إلى أنّ الجهة المسؤولة عن تركيب المولدات تبيع الناس الأمبير الواحد بسعر 1500 ليرة سورية (5 دولارات)، وهو سعر مرتفع جداً، في حين أنّهم خفّضوا سعر المازوت. وتعمل المولدات بين ست إلى سبع ساعات يومياً فقط، وموجودة في أحياء معيّنة". أما بالنسبة لخدمة الهاتف، يلفت عبود إلى أنّ خدمة الهواتف الأرضية تعمل ضمن نطاق المنطقة فقط. أمّا خدمة الانترنت فبطيئة وغالية. ويرى عبود أنه على الرغم من المشاكل الكثيرة التي تعاني منها المدينة، وخصوصاً انقطاع المياه بشكل تام، إلا أن أهمها تكمن في غارات الطيران، علماً أن الإدارة المدنية لم تركّب لغاية الآن، أي جهاز إنذار يعلم بوجودها.

اقرأ أيضاً: جبهة "النصرة" تداهم مراكز الشرطة الحرّة في إدلب

الناطق الرسمي باسم حركة "أحرار الشام"، أحمد قرة علي، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن شؤون الناس الخدماتية في المدينة تديرها إدارة منبثقة عن "جيش الفتح"، مبيناً أنّه تم تشكيل إدارات يعمل فيها مدنيون ومنتسبون للفصائل، فيما الإدارة العامة للمدينة تتألف من مندوبين عن الفصائل المشكلة لـ"جيش الفتح". ويضيف أحمد أنّ الإدارات الفرعية للهيئات الخدماتية كالمياه والكهرباء والبلدية وغيرها، هي توافقية.

وعن آلية إدارة مدينة إدلب مدنياً، يؤكد مصدر مقرّب من غرفة عمليات "جيش الفتح" لـ"العربي الجديد"، أنّه بعد سيطرة "جيش الفتح" على المدينة، شكّلت الفصائل ما عرف بـ"مجلس الأمناء"، تتمثل فيه فصائل "جيش الفتح" ببعض أعضائها. كما يمثّل كل فصيل بعدد من الأعضاء بحسب أهميته، مبيناً أنّ حركة "أحرار الشام" تملك العدد الأكبر من الممثلين بسبعة أعضاء، تليها "جبهة النصرة" بخمسة أعضاء، وألوية "أجناد الشام" بثلاثة أعضاء، فيما يمثل لواء "جند الأقصى" بعضوين، و"فيلق الشام" بعضو واحد. ويؤكد المصدر أنّ هناك توازناً بين "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" بسبب ولاء لواء "جند الأقصى" لـ"جبهة النصرة".

ويشير المصدر إلى أنّ أي قرار يتعلق بمدينة إدلب التي كان يقطنها حوالي 600 ألف سوري قبل سقوطها بيد المعارضة المسلحة، يجب أن يأخذ موافقة مجلس الأمناء، مبيناً أن معظم القرارات يتم تأجيلها بسبب عدم التوافق عليها من قبل هذا المجلس. ويلفت المصدر إلى أن الأخير شكّل إدارة مدنية تكون المسؤولة عن تشكيل دوائر الخدمات، وهي بمثابة المحافظة، يترأسها فرد من حركة "أحرار الشام" ويدعوه السكان بالمحافظ. أما فيما يتعلق بتعيين الدوائر الخدماتية، يشرح المصدر أنّ لكل دائرة خدماتية مجلس أمناء خاصاً بها، يتم تعيينهم عن طريق ترشيحهم من قبل الفصائل، أي أن كل الخبرات التي ليس لديها علاقات مع الفصائل، لا يمكن أن تكون ضمن تلك اللجان، التي تتبع بدورها لرئيس الإدارة المدنية. وتقوم اللجان بتعيين موظفين ضمن القطاعات الخدماتية المختلفة كل لجنة بحسب اختصاصها، الأمر الذي يجبر تعيين حتى عامل تنظيفات، أن يخضع لرضا الفصائل المسيطرة على المدينة.

ويؤكد مهندس مدني من سكان إدلب لـ"العربي الجديد"، (فضل عدم ذكر اسمه)، أنّ أعداد العائدين إلى المدينة بدأت تتضاعف، والأسواق بدأت تشهد حركة في البيع والشراء، لكن هناك انعدام لبعض الخدمات كالنظافة والكهرباء والماء والهاتف، بالإضافة إلى عدم الرضا عن آلية إدارة بعض المؤسسات كالقضاء والتعليم، ما يشير إلى أنّ فصائل "جيش الفتح" لم تتمكن حتى الآن من تقديم نفسها كبديل حقيقي للنظام في إدارة الشؤون الخدماتية والمدنية للمواطنين.

ويوضح المهندس أنّه على الرغم من الصعوبات المالية وتدمير البنى التحتية، إلّا أنّ استئثار الفصائل العسكرية بإدارة المرافق والمؤسسات المدنية من دون معرفة كافية بمتطلبات هذه الإدارة، بالإضافة إلى تعطيل الكثير من الإجراءات بسبب تعنّت بعض الفصائل وعدم اتخاذ إجراءات مناسبة، ينذر بتحوّل إدلب إلى مدينة أشبه ما تكون بمدينة الرقة، لناحية القمع ومنع الحريات وانعدام الخدمات في المدينة.

أما فيما يخص الجانب القضائي، فيرى بعض المحامين والقضاة أن إدارة شؤون القضاء في مدينة إدلب تسير بشكل تعسفي، وتتبع الأحكام التي تصدر في المدينة للآراء الشخصية، ويحاسب الكثير من الأشخاص حتى من دون محاكم. ويوضح هؤلاء، أنّ "مجلس القضاء السوري الحر المستقل" أصدر، قبل أسبوعين، بياناً استنكر فيه قيام "جند الأقصى" إحدى فصائل "جيش الفتح" التي تتبع عسكرياً لـ"جبهة النصرة" بخطف ثلاثة من قضاة إدلب، هم، محمد زياد رجب، محمد جمال سفلو، واسماعيل الأسعد. وأكّد البيان أن المجلس علم لاحقاً أنه تمت تصفيتهم بموجب محاكمة هزلية. وأضاف البيان: "قتلوهم فقط لأنهم قضاة، فقط لأنهم كانوا يعملون وفق القانون، من دون محاكمة حقيقية، من دون أن يسمحوا لهم بالدفاع عن أنفسهم، وحتى من دون أن يسمحوا لذويهم باستلام جثثهم". وطالب البيان "جيش الفتح" الذي أعطى الأمان للمدنيين بتوضيح موقفه من هذا الجرم وكشف الحقائق المتعلقة به.

وبالنسبة لدور "الائتلاف الوطني السوري" في إدارة شؤون مدينة إدلب، يقول مصدر من الائتلاف لـ"العربي الجديد"، إن الائتلاف قام بتشكيل غرفة عمليات لإدارة مدينة إدلب بعد طرد النظام منها، وضمت الغرفة عدداً من أعضاء الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة وممثلين عن مديريات الحكومة إضافة إلى بعض ناشطي مدينة إدلب". ويضيف المصدر، أنّه في الأيام الأولى من سيطرة المعارضة على المدينة، قام مدير التربية في الحكومة السورية المؤقتة باستلام مبنى المديرية داخل المدينة، ونشر الخبر على العديد من الصحف، وهذا ما لم تقبله الفصائل العسكرية. وقامت في اليوم التالي بطرد المدير، وعلى الرغم من ذلك أشرفت المديرية على امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية وفق منهج وزارة التربية في الحكومة المؤقتة.

ويتابع المصدر، "كما زار وفد من الائتلاف مدينة إدلب من أجل العمل على ملف الإدارة المدنية في المناطق المحررة، وضمّ رئيس المجلس الأعلى للإدارة المحلية، جلال الدين خانجي ورئيس اللجنة الصحية جواد أبو حطب ومدير المعاهد المتوسطة في وزارة التربية للحكومة السورية المؤقتة، وتم من خلالها بحث أهمية نجاح الإدارة المدنية في إدلب ومميزات وصفات الحكومة المحلية الرشيدة". ويبيّن المصدر أنّ الهيئة العامة للائتلاف الوطني أقرت بعد الاطلاع على تقرير الزيارة، خارطة طريق لاستئناف التعليم في محافظة إدلب، بعد أن قام وفد الائتلاف بالتوافق مع الكوادر الإدارية والتعليمية الموجودة في المدينة على رؤية مشتركة.

اقرأ أيضاً: قتلى بغارات للنظام على ريف إدلب والتحالف يستهدف "النصرة"