مشاكل كثيرة جداً يعاني منها قطاع التعليم في اليمن كلّها تؤدي إلى تجهيل التلاميذ وتدمير مستقبلهم. للمعلمين مشاكل رواتبهم التي لا تصل، وللمناهج أزماتها المتصلة بتغيير وعي أجيال المستقبل
تأخر العام الدراسي الجاري في اليمن شهراً كاملاً بسبب إضراب 173 ألفاً من المعلمين في 13 محافظة واقعة تحت سلطة أنصار الله (الحوثيون)، وهم الذين انقطعت رواتبهم منذ سبتمبر/ أيلول 2016، عدا استثناءات قليلة تمثلت في حصولهم على نصف راتب أو قسائم غذائية بالنصف الآخر بين فترة وأخرى، وهي التي توقفت بدورها بعد مآخذ كبيرة عليها تمثلت في ممارسات فساد أفقدتها جزءاً من قيمتها الحقيقية. يمثل المعلمون في المناطق الواقعة تحت سلطة الحوثيين نسبة 73 في المائة من المعلمين، ويمثل التلاميذ 78 في المائة من تلاميذ اليمن.
فقر المعلمين
افتتح المعلمون العام الدراسي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بعد اتفاق بين نقابة المهن التعليمية وحكومة عبد العزيز بن حبتور بانتظام دفع الحكومة نصف راتب شهري وقسائم شرائية بالنصف الآخر، لكنّ ثلاثة أشهر مرت على الاتفاق ولم يتسلم المعلمون سوى نصف راتب لمرة واحدة بعد إتمام الاتفاق، من دون قسائم شرائية. وهو ما جعل المعلمين يعانون من أزمة معيشية حادة، وعجز كثيرون منهم عن توفير بدل مواصلات للحضور إلى مدارسهم. بدورها، استبدلت وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة الإنقاذ بصنعاء من استطاعت منهم بمتطوعين لا خبرة لهم في التعليم، لتستمر العملية التعليمية اسمياً، لكنّها في الواقع مختلة بقوة، ولا يحصل التلاميذ في أغلب المدارس إلّا على أقل من نصف الحصص اليومية، ويقضون ما تبقى من الوقت في حالة فراغ مطبق. وهو ما يدفع باتجاه التسجيل في مدارس التعليم الأهلي (الخاص) المستقر نسبياً مقارنة بالمدارس الحكومية.
يشير تقرير صادر عن وزارة التخطيط بصنعاء إلى أنّ متوسط نصيب الفرد داخل أسر المعلمين من الدخل وصل إلى 1.2 دولار أميركي في اليوم الواحد، وهو أدنى من مستوى خط الفقر (1.9 دولار). ومع انقطاع الرواتب طوال هذه الفترة أصبح هذا الدخل المتدني غير متاح، فلجأ كثير من المعلمين إلى ممارسة أعمال يدوية لكسب لقمة العيش لأطفالهم، كالعمل في البناء بأجر يومي، أو باتوا باعة متجولين، بعدما نفدت مدخراتهم، مع العلم أنّ ضعف الراتب الحكومي لا يسمح بالادخار أساساً.
أثر الحرب
انقطاع رواتب المعلمين ليس المشكلة الوحيدة أمام انتظام عملية التعليم في اليمن، فتقرير الوضع الإنساني في اليمن لشهر سبتمبر 2017 أوضح أن 2.3 مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة للحصول على التعليم، من أصل 5.8 ملايين طفل في سنّ الدراسة، مع اضطرار بعض الأطفال لممارسة العمل لمساعدة أسرهم على توفير متطلبات المعيشة الضرورية، وارتفاع نسبة الزواج المبكر للفتيات لتصل إلى 72.2 في المائة من الفتيات تزوجن قبل سن 18 عاماً، و44.5 في المائة تزوجن بسن 15 عاماً، ومن النادر أن تتمكن الفتيات من مواصلة التعليم بعد الزواج.
وبحسب تقارير حديثة لوزارة التخطيط بصنعاء ومنظمة "يونيسف"، فإنّ هناك 2 مليون طفل خارج المدارس من إجمالي 7.3 ملايين طفل في سن التعليم. وحتى أغسطس/ آب الماضي كان هناك 513 ألف طفل من هؤلاء في عداد النازحين الذين يعتبرون أقل الفئات قدرة على الحصول على فرصة تعليم.
وبحسب المسح الوطني لرصد الحماية الاجتماعية 2013 (أي قبل انقطاع الرواتب الحكومية عن 1.25 مليون موظف)، منع الفقر 37 في المائة من إجمالي الأطفال خارج المدارس من مواصلة التعليم. وكان هناك تفاوت كبير في حصول الأطفال اليمنيين على التعليم، إذ بلغت نسبة الملتحقين بالمدارس بين أغنى 20 في المائة من السكان نحو 98 في المائة مقابل 53 في المائة فقط بين أفقر 20 في المائة من السكان.
وبحسب تقرير منظمة اليونسكو حول التعليم للجميع 2017، فإنّ 2 في المائة فقط من تلاميذ الشريحة الأفقر في اليمن واصلوا تعليمهم بعد الثانوية، مقابل 20 في المائة من تلاميذ الشريحة الأغنى. وبلغت نسبة الأمية في البلاد 34 في المائة، بينما ترتفع في أوساط الإناث إلى 74 في المائة، ما يعكس التفاوت الكبير في فرص التعليم بين الجنسين.
كذلك، يقول تقرير لمنظمة "يونيسف" بعنوان "أطفال اليمن... السقوط في دائرة النسيان"، مرفق بوسم #أطفال_تحت_القصف، إنّ 350 ألف طفل يمني فقدوا فرصهم التعليمية بسبب الحرب، فيما نسبة سوء التغذية الحاد/ الوخيم ارتفعت في أوساط الأطفال بنسبة 200 في المائة عن العام 2014، و1812 مدرسة (10 في المائة تقريباً من إجمالي مدارس البلاد) خرجت عن الاستخدام بسبب التدمير الكلي لـ246 منها، والجزئي لـ1396 مدرسة، واستخدام 147 مدرسة لإيواء النازحين في بعض المناطق، وسيطرة المسلحين على 23 مدرسة في مناطق أخرى. لكن مؤتمراً صحافياً لوزارة التربية بصنعاء عقد أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال إنّ عدد المدارس التي تعرضت لقصف التحالف بلغ 2621 مدرسة، منها 260 مدرسة دمرت كلياً.
تقرير "يونيسف" يذكر أيضاً أنّ هناك 1.6 مليون طفل نازح من إجمالي 3 ملايين نازح بسبب الحرب، وأنّ 1246 طفلاً قتلوا في الحرب الجارية، وأنّ هناك 235 طفلاً اختطفوا أو أخفوا قسرياً، مع ارتفاع في معدلات عمالة الأطفال.
من جانب آخر، تحول تلاميذ المدارس إلى هدف للتجنيد من أطراف الصراع في اليمن. وتقول الأمم المتحدة إنّها تحققت بشكل مؤكد من تجنيد 1572 طفلاً في العام 2017، مقابل 850 طفلاً في العام 2016. وهذا الرقم يبدو متواضعاً أمام الرقم الحقيقي الذي لم يتسنَّ للمنظمة الأممية التحقق منه.
اقــرأ أيضاً
مناهج
يبدو أنّ التعليم حقل تجاذب وتصارع أساسي بين حكومتي الحوثيين والرئيس عبد ربه منصور هادي، إلا أنّ سبب ذلك هو الحصول على فرصة تأثير أكبر في الأجيال وليس خدمتهم. وقد شهد اليمن لأول مرة منذ توحيده في مايو/ أيار 1990، امتحانات الشهادة العامة بتقويم ومضمون مختلفين للعام الدراسي 2015/ 2016، إذ أجرت كلّ سلطة امتحانات مستقلة للتلاميذ في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، وأعلنت قائمة مختلفة لأسماء أوائل الجمهورية، مع تبادل اتهامات بين الجانبين، إذ تتهم حكومة هادي حكومة الحوثيين بإحداث تعديلات (طائفية) على المناهج الدراسية. وتوقفت منظمة "يونيسف" عن توفير مستلزمات الطباعة العام الماضي لوزارة صنعاء بسبب تلك الاتهامات. وبنتيجة ذلك، يعاني التلاميذ في مدارس الشمال من أزمة حادة في الحصول على المنهج المدرسي إلى جانب غياب المعلمين.
كذلك، تشهد المدارس موجة عارمة من تغيير المفاهيم القديمة ونشر مفاهيم جديدة تشكل وعياً جديداً للجيل الناشئ. فمناطق سيطرة الحوثيين تشهد تعميماً لشعارات الجماعة، وتحشد لإحياء مناسباتها الدينية وتعزيز مواقفها السياسية الرافضة للشرعية وتدخّل دول التحالف في اليمن، وتقوم بتغيير كثير من القيادات غير الموالية لها. في المقابل، تنتشر أعلام دولة الإمارات في المحافظات الجنوبية على جدران وألواح المدارس، مع شعارات الشكر للتحالف وقياداته التي تغيب عنها حتى قيادات الشرعية، وتضخ ثقافة معادية للحوثيين باعتبارهم خصماً مذهبياً ومناطقياً أكثر من كونهم خصماً سياسياً، ما يثير المخاوف بشأن مستقبل التعايش بين الأجيال الناتجة عن هذا الصراع على المستوى الثقافي والوطني.
ابتعاث متوقف
أمام التهافت على السيطرة الفكرية على ملايين التلاميذ من الجانبين، لم تستطع حكومة أحمد عبيد بن دغر باعتبارها الحكومة المعترف بها دولياً والمسيطرة على البنك المركزي، توفير نفقات الطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج، لتشهد أغلب عواصم الدول التي يدرس فيها مبتعثون يمنيون تظاهرات احتجاجية ضد السفارات اليمنية فيها. وبدلاً من معالجة تلك القضايا استدعت بعض السفارات الأمن لتفريق الطلاب، بعدما لجأ بعضهم إلى السكن في مباني السفارات اليمنية بسبب طردهم من مساكنهم لأسباب مالية. كذلك، فإنّ حكومة بن دغر أقرت قبل نحو شهرين وقف الابتعاث إلى الخارج ووقف منح التبادل الثقافي، باستثناء أوائل الجمهورية، وبشرط أن يجري الابتعاث عبرها، إلا أنّ أوائل الجمهورية في الشهادة الثانوية (2015 - 2016) من مناطق سيطرة الحوثيين ما زالوا عالقين في مدينة عدن لمتابعة منحهم الدراسية من دون أن تفعل الحكومة أبعد من الوعود المتكررة لهم، بلا حلّ لمشكلتهم. من جانب آخر، ينشر كثير من الناشطين والصحافيين فضائح فساد مستمرة في هذا الشأن تتعلق باستحواذ المسؤولين في بلدان الابتعاث على فرص الطلاب المستحقين وتمكين أقاربهم منها من دون استحقاق قانوني.
اقــرأ أيضاً
تأخر العام الدراسي الجاري في اليمن شهراً كاملاً بسبب إضراب 173 ألفاً من المعلمين في 13 محافظة واقعة تحت سلطة أنصار الله (الحوثيون)، وهم الذين انقطعت رواتبهم منذ سبتمبر/ أيلول 2016، عدا استثناءات قليلة تمثلت في حصولهم على نصف راتب أو قسائم غذائية بالنصف الآخر بين فترة وأخرى، وهي التي توقفت بدورها بعد مآخذ كبيرة عليها تمثلت في ممارسات فساد أفقدتها جزءاً من قيمتها الحقيقية. يمثل المعلمون في المناطق الواقعة تحت سلطة الحوثيين نسبة 73 في المائة من المعلمين، ويمثل التلاميذ 78 في المائة من تلاميذ اليمن.
فقر المعلمين
افتتح المعلمون العام الدراسي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بعد اتفاق بين نقابة المهن التعليمية وحكومة عبد العزيز بن حبتور بانتظام دفع الحكومة نصف راتب شهري وقسائم شرائية بالنصف الآخر، لكنّ ثلاثة أشهر مرت على الاتفاق ولم يتسلم المعلمون سوى نصف راتب لمرة واحدة بعد إتمام الاتفاق، من دون قسائم شرائية. وهو ما جعل المعلمين يعانون من أزمة معيشية حادة، وعجز كثيرون منهم عن توفير بدل مواصلات للحضور إلى مدارسهم. بدورها، استبدلت وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة الإنقاذ بصنعاء من استطاعت منهم بمتطوعين لا خبرة لهم في التعليم، لتستمر العملية التعليمية اسمياً، لكنّها في الواقع مختلة بقوة، ولا يحصل التلاميذ في أغلب المدارس إلّا على أقل من نصف الحصص اليومية، ويقضون ما تبقى من الوقت في حالة فراغ مطبق. وهو ما يدفع باتجاه التسجيل في مدارس التعليم الأهلي (الخاص) المستقر نسبياً مقارنة بالمدارس الحكومية.
يشير تقرير صادر عن وزارة التخطيط بصنعاء إلى أنّ متوسط نصيب الفرد داخل أسر المعلمين من الدخل وصل إلى 1.2 دولار أميركي في اليوم الواحد، وهو أدنى من مستوى خط الفقر (1.9 دولار). ومع انقطاع الرواتب طوال هذه الفترة أصبح هذا الدخل المتدني غير متاح، فلجأ كثير من المعلمين إلى ممارسة أعمال يدوية لكسب لقمة العيش لأطفالهم، كالعمل في البناء بأجر يومي، أو باتوا باعة متجولين، بعدما نفدت مدخراتهم، مع العلم أنّ ضعف الراتب الحكومي لا يسمح بالادخار أساساً.
أثر الحرب
انقطاع رواتب المعلمين ليس المشكلة الوحيدة أمام انتظام عملية التعليم في اليمن، فتقرير الوضع الإنساني في اليمن لشهر سبتمبر 2017 أوضح أن 2.3 مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة للحصول على التعليم، من أصل 5.8 ملايين طفل في سنّ الدراسة، مع اضطرار بعض الأطفال لممارسة العمل لمساعدة أسرهم على توفير متطلبات المعيشة الضرورية، وارتفاع نسبة الزواج المبكر للفتيات لتصل إلى 72.2 في المائة من الفتيات تزوجن قبل سن 18 عاماً، و44.5 في المائة تزوجن بسن 15 عاماً، ومن النادر أن تتمكن الفتيات من مواصلة التعليم بعد الزواج.
وبحسب تقارير حديثة لوزارة التخطيط بصنعاء ومنظمة "يونيسف"، فإنّ هناك 2 مليون طفل خارج المدارس من إجمالي 7.3 ملايين طفل في سن التعليم. وحتى أغسطس/ آب الماضي كان هناك 513 ألف طفل من هؤلاء في عداد النازحين الذين يعتبرون أقل الفئات قدرة على الحصول على فرصة تعليم.
وبحسب المسح الوطني لرصد الحماية الاجتماعية 2013 (أي قبل انقطاع الرواتب الحكومية عن 1.25 مليون موظف)، منع الفقر 37 في المائة من إجمالي الأطفال خارج المدارس من مواصلة التعليم. وكان هناك تفاوت كبير في حصول الأطفال اليمنيين على التعليم، إذ بلغت نسبة الملتحقين بالمدارس بين أغنى 20 في المائة من السكان نحو 98 في المائة مقابل 53 في المائة فقط بين أفقر 20 في المائة من السكان.
وبحسب تقرير منظمة اليونسكو حول التعليم للجميع 2017، فإنّ 2 في المائة فقط من تلاميذ الشريحة الأفقر في اليمن واصلوا تعليمهم بعد الثانوية، مقابل 20 في المائة من تلاميذ الشريحة الأغنى. وبلغت نسبة الأمية في البلاد 34 في المائة، بينما ترتفع في أوساط الإناث إلى 74 في المائة، ما يعكس التفاوت الكبير في فرص التعليم بين الجنسين.
كذلك، يقول تقرير لمنظمة "يونيسف" بعنوان "أطفال اليمن... السقوط في دائرة النسيان"، مرفق بوسم #أطفال_تحت_القصف، إنّ 350 ألف طفل يمني فقدوا فرصهم التعليمية بسبب الحرب، فيما نسبة سوء التغذية الحاد/ الوخيم ارتفعت في أوساط الأطفال بنسبة 200 في المائة عن العام 2014، و1812 مدرسة (10 في المائة تقريباً من إجمالي مدارس البلاد) خرجت عن الاستخدام بسبب التدمير الكلي لـ246 منها، والجزئي لـ1396 مدرسة، واستخدام 147 مدرسة لإيواء النازحين في بعض المناطق، وسيطرة المسلحين على 23 مدرسة في مناطق أخرى. لكن مؤتمراً صحافياً لوزارة التربية بصنعاء عقد أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال إنّ عدد المدارس التي تعرضت لقصف التحالف بلغ 2621 مدرسة، منها 260 مدرسة دمرت كلياً.
تقرير "يونيسف" يذكر أيضاً أنّ هناك 1.6 مليون طفل نازح من إجمالي 3 ملايين نازح بسبب الحرب، وأنّ 1246 طفلاً قتلوا في الحرب الجارية، وأنّ هناك 235 طفلاً اختطفوا أو أخفوا قسرياً، مع ارتفاع في معدلات عمالة الأطفال.
من جانب آخر، تحول تلاميذ المدارس إلى هدف للتجنيد من أطراف الصراع في اليمن. وتقول الأمم المتحدة إنّها تحققت بشكل مؤكد من تجنيد 1572 طفلاً في العام 2017، مقابل 850 طفلاً في العام 2016. وهذا الرقم يبدو متواضعاً أمام الرقم الحقيقي الذي لم يتسنَّ للمنظمة الأممية التحقق منه.
يبدو أنّ التعليم حقل تجاذب وتصارع أساسي بين حكومتي الحوثيين والرئيس عبد ربه منصور هادي، إلا أنّ سبب ذلك هو الحصول على فرصة تأثير أكبر في الأجيال وليس خدمتهم. وقد شهد اليمن لأول مرة منذ توحيده في مايو/ أيار 1990، امتحانات الشهادة العامة بتقويم ومضمون مختلفين للعام الدراسي 2015/ 2016، إذ أجرت كلّ سلطة امتحانات مستقلة للتلاميذ في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، وأعلنت قائمة مختلفة لأسماء أوائل الجمهورية، مع تبادل اتهامات بين الجانبين، إذ تتهم حكومة هادي حكومة الحوثيين بإحداث تعديلات (طائفية) على المناهج الدراسية. وتوقفت منظمة "يونيسف" عن توفير مستلزمات الطباعة العام الماضي لوزارة صنعاء بسبب تلك الاتهامات. وبنتيجة ذلك، يعاني التلاميذ في مدارس الشمال من أزمة حادة في الحصول على المنهج المدرسي إلى جانب غياب المعلمين.
كذلك، تشهد المدارس موجة عارمة من تغيير المفاهيم القديمة ونشر مفاهيم جديدة تشكل وعياً جديداً للجيل الناشئ. فمناطق سيطرة الحوثيين تشهد تعميماً لشعارات الجماعة، وتحشد لإحياء مناسباتها الدينية وتعزيز مواقفها السياسية الرافضة للشرعية وتدخّل دول التحالف في اليمن، وتقوم بتغيير كثير من القيادات غير الموالية لها. في المقابل، تنتشر أعلام دولة الإمارات في المحافظات الجنوبية على جدران وألواح المدارس، مع شعارات الشكر للتحالف وقياداته التي تغيب عنها حتى قيادات الشرعية، وتضخ ثقافة معادية للحوثيين باعتبارهم خصماً مذهبياً ومناطقياً أكثر من كونهم خصماً سياسياً، ما يثير المخاوف بشأن مستقبل التعايش بين الأجيال الناتجة عن هذا الصراع على المستوى الثقافي والوطني.
ابتعاث متوقف
أمام التهافت على السيطرة الفكرية على ملايين التلاميذ من الجانبين، لم تستطع حكومة أحمد عبيد بن دغر باعتبارها الحكومة المعترف بها دولياً والمسيطرة على البنك المركزي، توفير نفقات الطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج، لتشهد أغلب عواصم الدول التي يدرس فيها مبتعثون يمنيون تظاهرات احتجاجية ضد السفارات اليمنية فيها. وبدلاً من معالجة تلك القضايا استدعت بعض السفارات الأمن لتفريق الطلاب، بعدما لجأ بعضهم إلى السكن في مباني السفارات اليمنية بسبب طردهم من مساكنهم لأسباب مالية. كذلك، فإنّ حكومة بن دغر أقرت قبل نحو شهرين وقف الابتعاث إلى الخارج ووقف منح التبادل الثقافي، باستثناء أوائل الجمهورية، وبشرط أن يجري الابتعاث عبرها، إلا أنّ أوائل الجمهورية في الشهادة الثانوية (2015 - 2016) من مناطق سيطرة الحوثيين ما زالوا عالقين في مدينة عدن لمتابعة منحهم الدراسية من دون أن تفعل الحكومة أبعد من الوعود المتكررة لهم، بلا حلّ لمشكلتهم. من جانب آخر، ينشر كثير من الناشطين والصحافيين فضائح فساد مستمرة في هذا الشأن تتعلق باستحواذ المسؤولين في بلدان الابتعاث على فرص الطلاب المستحقين وتمكين أقاربهم منها من دون استحقاق قانوني.