مدارس الموصل... اكتظاظ في الصفوف بعد الحرب

23 سبتمبر 2018
إلى المدرسة مروراً بأحد شوارع المدينة المنكوبة (كريس ماكغراث/Getty)
+ الخط -

ما زالت مدينة الموصل تلملم أشلاءها، بعد كلّ ما عانته في خلال الأعوام الأخيرة. وتحاول النهوض بمدارسها، على الرغم من المعوّقات الكثيرة التي تواجهها. مع موسم العودة إلى المدرسة، هذه هي الحال.

قبل أربعة أعوام، اضطرت لبنى التي تبلغ من العمر 11 عاماً اليوم، إلى ترك مدرستها، عقب سقوط مدينتها الموصل الواقعة شماليّ العراق في أيدي تنظيم داعش. فهي نزحت وعائلتها إلى إقليم كردستان العراق، قبل أن تعود إلى ديارها في صيف هذا العام. وتبدو الصغيرة متحمسة للعودة إلى مقاعد الدراسة، على الرغم من أنّ مدرستها هُدمت بالكامل.

تقول والدة لبنى إنّ "أبنائي تركوا الدراسة منذ نزوحنا. قبل ذلك، كانت لبنى في المرحلة الابتدائية وعبد المعين في المرحلة المتوسطة، أمّا مريم ومحمد فقد صار أقرانهما في الجامعة". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "حين عودتنا إلى مدينتنا، وجدنا حجم الدمار هائلاً على الرغم من كل الجهود المحلية التي بذلها متطوّعون لإعادة الحياة إلى الساحل الأيمن". لكنّها تشير إلى أنّه "في الإمكان القول إنّ قطاع التعليم تعافى بشكل أفضل من المرافق الأخرى والبنى التحتية المختلفة التي تضررت في كل أنحاء المدينة". وتشرح أنّ "منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قامت بتأهيل مدارس عدّة هي الفضلى لجهة النظافة ووسائل التعليم والترفيه، لذلك قمت بتسجيل لبنى في إحدى تلك المدارس".

عمر الموصلي موظف في القطاع الخاص ووالد أحد التلاميذ في الموصل، يقول إنّ "ثمّة إهمالاً حكومياً واضحاً لجهة استعادة المؤسسات المتضررة في المدينة، خصوصاً في الموصل القديمة حيث نسبة الدمار نحو 90 في المائة". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "مدارس كثيرة تعرضت إلى الدمار في هذا الجانب، الأمر الذي انعكس سلباً على التلاميذ. وقد حُرم عدد كبير منهم من التعليم، في حين أنّ آخرين يتلقون تعليمهم في مدارس وصفوف مكتظة وسط الضجيج". ويؤكد أنّ "عدد التلاميذ يتخطّى في بعض الصفوف 75 تلميذاً، الأمر الذي يصعّب تلقّي المواد بالطريقة الصحيحة".



في السياق، يفيد مصدر في مديرية تربية محافظة نينوى "العربي الجديد" بأنّ "عدد مدارس المحافظة يتخطّى 954 مدرسة، تهدّمت منها نتيجة الحرب نحو 60 مدرسة، معظمها في الساحل الأيمن، وقد بدأت المنظمات بإعادة بناء ستّ مدارس. أمّا المدارس الأهلية، فكان عددها 40 بحسب آخر إحصائية تعود إلى عام 2017، قبل أن تزيد نحو تسع مدارس هذا العام". يضيف المصدر نفسه، في شعبة الأبنية المدرسية في المديرية، أنّ "عدد التلاميذ في كل واحدة من المدارس لا يقل عن 400 تلميذ، كذلك فإنّ أبواب المدارس مشرّعة أمام التلاميذ، باستثناء تلك التي تعرّضت إلى الحرق أو السرقة وهي ليست كثيرة".

من جهته، يقول مدير ثانوية "الموهوبين" في الموصل، عبد المالك سالم خضر، إنّ "ثمّة نقصاً كبيراً جداً في عدد المدرّسين، خصوصاً في الاختصاصات العلمية واللغة الإنكليزية. كذلك فإنّ توزيع الفرق التعليمية المتوفّرة في الوقت الحالي يختلف بين منطقة وأخرى، ويعاني الجانب الأيمن من جرّاء ذلك أكثر من الأيسر". يضيف لـ"العربي الجديد": "أمّا القرطاسية، فإنّ ما يتوفّر منها قليل (دفتران أو ثلاثة دفاتر فقط)، ويحتاج التلميذ إلى استكمال احتياجاته من دفاتر وأقلام ولوازم مدرسية مختلفة، عبر شرائها من الأسواق. وهذا ما يضيف عبئاً على ذوي التلاميذ. إلى ذلك، فإنّ المدارس تفتقر إلى أجهزة التعليم الإلكترونية الحديثة، من قبيل الأجهزة اللوحية وأجهزة العرض وغيرها".

ويتحدث خضر عن "عقبات كثيرة يواجهها التعليم في الموصل، منها عدم توفّر بيئة تعليمية صحية ومناسبة للتلاميذ، إذ إنّ كثافة التلاميذ الكبيرة في داخل غرفة الصف الواحدة هي من أكبر العقبات التي تواجهنا. كذلك لا تتوفّر مختبرات مجهّزة بالوسائل التعليمية الحديثة". ويتابع أنّ "الحرب الأخيرة أدّت إلى تراجع المستوى العلمي للتلميذ، لأنّ كثيرين من التلاميذ كانوا قد اضطروا إلى ترك المدرسة ويحاولون اليوم مواصلة تعليمهم بأيّ شكل من الأشكال. وثمّة تلاميذ التزموا بأعمال حرّة بهدف إعالة أسرهم، ومع ذلك يرغبون في مواصلة تعليمهم".




وإذ يلفت خضر إلى "ضعف في تدريب المدرّسين على المناهج الحديثة وضعف في المجال الإداري"، يتابع أنّ "المدارس لا توفّر مساحات كافية للترفيه واللعب. كذلك ما زال النظام التعليمي يركّز على حشو أدمغة التلاميذ بالمعلومات من دون إكسابهم المهارات الحياتية والتعليمية اللازمة. إلى ذلك، لا يتوفّر هامش من الحرية للمدرّس يمكّنه من إضافة ما يراه مناسباً لتلاميذه في خلال عملية التعليم".

وما يزيد الأمر تعقيداً هو وجود ما بين 50 و80 تلميذاً في الصف الواحد، علماً أنّ المعايير العالمية تشدد على ضرورة ألا يزيد عدد التلاميذ في الصف الواحد عن 25 تلميذاً، وهو ما يسبب خللاً كبيراً في العملية التعليمية والتربوية. وقد لجأت مديرية التربية في نينوى إلى نظام الدوام الثنائي أو الثلاثي في المدارس، وهذا بالتأكيد على حساب عدد ساعات الدوام والإرهاق الذي يصيب المدرّسين على حد سواء.

ويرى خضر أنّ "ثمّة حلولاً سريعة يمكنها أن تعالج مشكلات التعليم في الموصل، منها التنسيق مع المنظمات الدولية لتطوير التعليم وبناء مدارس كرفانية، وإعادة تأهيل المدارس المتضررة من أثر الحروب، وإعداد دورات سريعة للمدرّسين في التعلّم النشط والدعم النفسي والاجتماعي للتلاميذ، خصوصاً أنّ كثيرين منهم تركت فيهم تلك الحروب آثاراً نفسية يصعب محوها بسرعة. كذلك، يمكن توفير وسائل تعليمية أساسية، وتزويد المدارس ببعض الألعاب، وفتح باب التعاقد مدفوع الأجر لسدّ النقص في التخصصات المطلوبة". يضيف: "وعلى الرغم من صعوبة الواقع وقسوته، فإنّني متفائل في هذا العام وذلك نظراً إلى الاندفاع الذي رأيته في عيون تلاميذي والشغف الذي يملأ قلوبهم على خلفية عودتهم إلى مقاعد الدراسة".



يعاني الأطفال النازحون بحسب الناشط المدني إبراهيم عباس، "من جرّاء فقدانهم التعليم أو من تلقيهم التعليم في داخل خيام أو كرفانات، في حين أنّ كثيرين منهم هم خارج العملية التعليمية". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "في عملنا في المنظمات المحلية وبالتعاون مع المنظمات العالمية، نحاول قدر المستطاع جعل الأطفال ممّن هم في سنّ الدراسة يحصلون على التعليم. وفي مخيمات منطقة حمام العليل الواقعة إلى جنوب الموصل، ثمّة أكثر من 20 ألف تلميذ، يتلقّى بعضهم التعليم في حين أنّ بعضاً آخر ترك المدرسة ولجأ إلى العمل".

في سياق متصل، كانت القائمة بأعمال السفارة الهولندية في العراق، مارييل خيريتس، قد زارت في منتصف شهر مايو/ أيار الماضي المدارس في مخيّمات النازحين في مناطق العودة في الموصل وفي المجتمعات المضيفة في دهوك، وصرّحت: "لقد رأيت بأمّ عيني حجم العبء التي تتحمله المدارس. تلك المدارس تعمل في أحيان كثيرة بضعف طاقتها من أجل توفير التعليم للأطفال العائدين أو النازحين. لقد أضرّ النزاع المدمّر في العراق بالبنية التحتية للتعليم وأضعف القدرة المحلية على تقديم خدمات تعليم عالية الجودة، الأمر الذي أدّى إلى نقص حاد في الأبنية المدرسية والمدرّسين المؤهلين والمستلزمات التعليمية، وضاعف من حرمان الأطفال، الأمر الذي جعل الحقّ في التعليم حلماً بالنسبة إلى كثيرين".




من جهته، أكد ممثل منظمة "يونيسف" في العراق، بيتر هوكينز، أنّ مساعدة الأطفال في الحصول على تعليم جيّد لن يؤدّي إلى تحقيق الانتعاش والتعافي في الوقت الحاضر فحسب، بل سوف يضمن كذلك مستقبلاً أفضل لجميع الأطفال". تجدر الإشارة إلى أنّ العنف في المنطقة كان قد تسبب في تعليق تعليم أكثر من ثلاثة ملايين و500 ألف طفل، وهؤلاء إمّا أنّهم خارج المدرسة وإما أنّهم لا يواظبون عليها بشكل منتظم أو خسروا سنوات من التعليم.
دلالات