مخاطر الفرز التناحري في مصر

06 يوليو 2015
+ الخط -
ما يحصل اليوم في مصر، وخصوصاً في سيناء، يبدو وكأنه ينطوي على مخاطر جرّ مصر إلى دائرة العنف المتفاقم، المشابه لما يجري في المحيط، في حين يتوقع المواطن العربي من مصر أن تكون عامل استقرار يصحح، أو يكون بمثابة دليل نحو الخلاص من الفوضى الضاربة في المنطقة. بمعنى أن مصر بدت وكأنها فقدت دور المرجعية التي كانت ميزتها التاريخية، فهي ليست حاضرة في اليمن ولا في العراق ولا سورية إلى حدّ كبير، ما يعطي الانطباع بأن مصر تقلص دورها في المنطقة.
ويعكس الصراع الدائر، والذي تجلى في مواجهات سيناء، حالة من الهوس العبثي الذي ينسف احتمالات الحوار الناجع بين الأطراف المتصارعة التي تحول التباين ما بينها إلى معادلة عدائية، وأحياناً دموية مع الأسف، وبما يهدد لا أمن مصر فحسب، بل لحمة المجتمع المدني المصري العريق في تماسكه وعطاءاته الثقافية والفنية والسياسية والقومية.
فما أوصل الأمور إلى الحالة الراهنة تضافر عدة عوامل سلبية، ساهم فيها الطرفان، حكم عبد الفتاح السيسي والحركات الإسلامية. فالقضاء المصري كان تاريخياً من أرقى الأنظمة القضائية، لكن الانطباع السائد الآن يتباين، إلى حد كبير، مع هذه الصورة، ويعطي الانطباع بأنه يصدر أحكامه بصورة متسرعة. وهذا مؤسف، واستولد ردود فعل وإداناتٍ، ليس في مصر فحسب، بل في المجتمع الدولي. ثم هناك مناخ من الإملاء بدل محاولات الإقناع على قاعدة المشاركة واحترام الرأي الآخر، لعله تلاقح الأفكار يؤدي إلى إثراء مسيرة الحكم في هذه المرحلة الدقيقة.
في المقابل، لجأ الطرف الآخر إلى أسلوب الرد الذي كثيراً ما تميز بالعنف الذي لا يستولد غير العنف المضاد. وهكذا، دخل الوضع المصري في دوامةٍ هو في غنى عنها، ومنافية لتقاليد وتراث الشعب المصري، الغنية تجربته بالانفتاح والسلام الأهلي والاعتدال السلوكي والسياسي. فهذا العنف لا يعبر عن نقمة، بل رغبة في الانتقام المؤذي لمصر وحضارتها، ووحدة شعبها المعروفة والمتميزة في المنطقة. فبالنهاية، لا خاسر إلا مصر المشهود لها بكياسة شعبها، وسلاسة عيشه ورحابته. فهذه الميزات وما أنتجته جعلها بمثابة الركن المؤسس لحياة عربية متقدمة.
إزاء هذا التردي المفجع، والذي نرجو أن يكون استثناء، فإن التحدي يكمن في القدرة على استرجاع الوحدة الوطنية المصرية، ووقف النزف العبثي القاتل، لئلا تنزلق مصر إلى ما هو حاصل في عدد من أقطارنا العربية. وبالتالي، أن تتحول من جديد إلى خميرة التصحيح، وجسر التواصل بين المشرق والمغرب العربي.
مصر أساسية للوطن العربي. هي أكبر دولة وساحة التلاقح والتعارف العربي، وهي المؤهلة لأن تكون العنصر الرئيسي في إخراج المنطقة من الحالة البائسة الراهنة، وتمكينها من استعادة التنسيق الملزم بين أقطارها. وعلى الرغم من قيد المعاهدة مع إسرائيل، لا مفر من استعادة مصر دورها الرادع لتمادي إسرائيل في استباحة حقوق الشعب الفلسطيني.
تستدعي التحديات الراهنة التي تواجهها مصر، والمنطقة عموماً، استرجاع مصر مسؤوليتها لا الوطنية فحسب، بل أيضاً مسؤوليتها القومية الرائدة. فمصر اليوم لا ينبغي أن تكون جزءاً من المشكلة، بل جزءاً أساسياً من الحل. ولذلك، من المأمول أن تستعيد نوعاً من القدرة على استيعاب التعقيدات الحاصلة في المنطقة، لأنها مؤهلة لتصويب أو المساهمة الرئيسية في تصويب التوجهات نحو استدراك الأمور، لاستعادة الاستقرار الممهد للتكامل العربي الهادف إلى وضع المعالجات الجذرية الكفيلة بإحياء الشعور بوحدة المصير العربي. وبالتالي، تحقيق الطموحات المشروعة للإنسان العربي في الحرية والتنمية وضمان حقوقه الأساسية كمواطن، آن أوان فسح المجالات أمامه ليشارك في صناعة مستقبله.
نتوقع من مصر اعتماد معالجة ناجعة للأزمة الراهنة، قبل أن تصبح مستعصية على الحلّ.