مخاطر إلغاء الدولار الجمركي الثابت في مصر

02 ديسمبر 2018
يشير القرار إلى احتمال ارتفاع سعر الدولار (Getty)
+ الخط -
رغم كل المؤشرات السلبية للاقتصاد المصري عام 2018، فقد كان عندي كثير من الأمل في تحسن هذه المؤشرات خلال عام 2019، وأن تبدأ ثمار ما أطلق عليه الإصلاح الاقتصادي في النضج بما يعود بالخير على الناس والوطن.

وبعد تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية من 88 دولاراً إلى نحو 60 دولاراً خلال شهرين ارتفعت درجة التفاؤل في قلبي بأن يقفز الاقتصاد المصري قفزات كبيرة في مسار التنمية الشاملة.

وقد تقدمت بأكثر من اقتراح بأن تستورد مصر النفط الخام لتكريره وإعادة تصديره، والحصول على قيمة مضافة نتيجة هذا التكرير.

وكان عندي أمل في أن تتحقق وعود تحويل مصر إلى أكبر مركز لتصدير الغاز الطبيعي والمحروقات إلى كافة دول العالم.

وكان عندي أمل أيضاً في أن يتم الإعلان عن تشغيل أكبر مركز لوجيستي لتداول الحبوب في ميناء دمياط.

وكان عندي كثير من الأمل في أن تجتذب المنطقة على ضفاف قناة السويس ما يزيد على 200 مليار دولار في شكل استثمارات مباشرة، تدر عائداً قيمته 40 مليار دولار سنوياً، وفجأة أتت تصريحات وزير المالية المصري محمد معيط لتبدد هذه الآمال، إذ أعلنت وزارة المالية إلغاء التعامل بسعر الدولار الجمركي على السلع الترفيهية، مع تثبيته عند 16 جنيهاً، طوال شهر ديسمبر/ كانون الاول الجاري، للسلع الاستراتيجية فقط.

وقد أرجعت الوزارة السبب في هذا القرار إلى إيمانها بأن من يستهلك سلعة مستوردة عليه أن يدفع ثمنها الحقيقي بسعر السوق، كما أن الوزارة تسعى إلى زيادة الحصيلة الجمركية، رغم اعترافها أن هذه السلع يتم استيرادها بكميات قليلة.

وتأتي خطورة قرار وزير المالية بوقف العمل بالدولار الجمركي الثابت والتحول إلى اعتماد سعر البنك المركزي من النقاط التالية:

1- يعد هذا القرار بمثابة تأكيد واعتراف من الحكومة باستمرار سعر الجنيه المصري عند مستواه المنخفض.

2- يشير القرار إلى احتمال ارتفاع سعر الدولار وعدم انخفاضه خلال عام 2019.

ورغم كل ما يقال عن أن تخفيض سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار يزيد من تنافسية الإنتاج المصري، وزيادة جاذبية قطاع السياحة، وغيرها، فإن المؤكد أن استمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري سيجعل مصر مصنفة ضمن الدول الفقيرة، وتصنيف مصر كبلد فقير يؤدي إلى عزوف الاستثمار الأجنبي المباشر للقدوم إليها، أو التمركز فيها.

وبذلك تضيع كافة جهود تمهيد التربة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر للتوطين داخل مصر، فضلاً عن جهود حث الاستثمار المحلي للمساهمة بفاعلية في خطط التنمية الاقتصادية الشاملة.

وفي ظل عدم زيادة الاستثمار، وعدم رفع الإنتاجية، سوف تظل الأسعار بعيدة عن متناول المصريين، وهذا سيؤدي إلى انخفاض الطلب الفعال على السلع والخدمات من جهة، وانخفاض الاستهلاك النهائي للمصريين من جهة أخرى.

ورغم التخوف مما قد يسببه ذلك من مشاكل تؤدي إلى حرمان المصريين من الحصول على احتياجاتهم الضرورية، وعدم قدرتهم على تحمل أعباء الحياة، فإن الاستهلاك كما هو معلوم هو المحفز الأساسي لزيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة الاستثمارات، وإنشاء المشروعات الجديدة، ولا شك في أن تراجع الاستهلاك سيؤدي حتماً إلى فقدان الرغبة في إنشاء مشروعات جديدة.

وما يزيد الأمر سوءاً أن المؤشرات العالمية، سواء كان مؤشر Big Mac Index، أو مؤشر تعادل القوة الشرائية للجنيه مقابل الدولار، تشير بوضوح إلى أن القيمة الحقيقية للدولار في مصر تراوح ما بين 8 إلى 10 جنيهات لكل دولار.
وتشير النظرية الاقتصادية أيضاً إلى أن الاقتصادات الفقيرة لا تجذب الاستثمار، ولا تشجع على التنمية، وأن أحد أهم مؤشرات الفقر هو انخفاض قيمة العملة المحلية، وكان من الأفضل لوزارة المالية أن تعلن انتهاء العمل بالدولار الجمركي لكافة الواردات، واعتماد سعر البنك المركزي عند حساب الجمارك على كافة السلع المستوردة دون تمييز، ففي هذه الحالة ربما توقع البعض انخفاض قيمة الدولار.


وهذا التوقع كان سيدفع عدداً كبيراً من حائزي الدولار إلى تحويله إلى عملة مصرية حتى لا يتعرض للخسارة المحتملة، أما وجود التمييز فهو إشارة إلى احتمال ارتفاع سعر الدولار من جديد، وهذا يدفع حائزي العملة الأميركية إلى اكتنازه كمخزن للقيمة، ويدفع المستوردين لزيادة وارداتهم الحالية، على أمل جني أرباح أكثر عندما يرتفع سعر الدولار من جديد.
ولا شك في أن هذه التصرفات تخلق طلباً فعالاً على الدولار، وزيادة الطلب يمكن أن تعود بالاقتصاد المصري إلى حيازة النقد الأجنبي "الدولرة" من جديد.



المساهمون