محمية "حوض آركين"

28 ديسمبر 2016
تشكِّل المحميَّة وسيلة لحماية البيئة من الصيد الجائر (Getty)
+ الخط -
تعد منطقة "حوض آركين" (وتنطق أحياناً: آرغين) الموريتانية أحد أهم مواقع التراث العالمي الواقعة في غرب أفريقيا؛ نظراً لما تمتاز به من تجمع أسراب الطيور المهاجرة وتكاثرها؛ بما فيها طيور الفلامنغو والخطاف الملكي والنحام الوردي. إذ تتجاوز أعدادها الملايين، ويمثل حوض آركين محطتها الرئيسية أثناء هجرتها السنوية ما بين شتاء بارد في أوروبا وأميركا الشمالية إلى دفء أفريقيا وشمسها الساطعة. لذلك تم إدراجها محميةً طبيعية للحفاظ على ثروتها وطبيعتها الخلابة.

تقع المحمية في منطقة غير مأهولة بالسكان تقريباً، بين العاصمة نواكشوط ومدينة نواذيبو، وتمتد لمسافة 200 كلم من الشمال إلى الجنوب. وتمتاز بالرمال الذهبية على شواطئ تمتلئ بأشجار المانغروف، وهي أيضاً من أغنى مناطق العالم بالأسماك، ومصايد الأسماك بالمنطقة تمثل جانباً كبيراً من الاقتصاد الوطني الموريتاني. كما توجد بالمنطقة كذلك مواقع جيولوجية قيّمة علميّاً، ومساحات شاسعة من السهول الطينية تمثل بيئة ملائمة للطيور الآتية من شمال أوروبا وسيبيريا وغرينلاند إلى المناخ المعتدل في المنطقة، إضافة إلى حوالي 40 ألف زوج من خمسة عشر نوعاً من الطيور التي تقيم بالمكان بصفة دائمة، مما يشكل أكبر مستعمرة للطيور المائية في غرب أفريقيا حسب تقييم اليونيسكو.

وبالرغم من أن المحميّة تشكّل وسيلة لحماية البيئة البحرية من الصيد الجائر من جانب الأساطيل الدولية في المياه المواجهة للمحمية؛ فإن الصيد غير المنظم خارج المحمية بات يهدد ويستنزف الموارد السمكيّة داخلها، مما قد يسبب ارتحال بعض الطيور منها، وانخفاض أعداد المستعمرات التي تتغذى على الأسماك. وكانت موريتانيا قد باعت حقوق الصيد بالمنطقة للاتحاد الأوروبي مقابل بعض ديونها مما شجع على ازدياد الصيد الجائر المستمر، وتشكيل نوع من الاستعمار الجديد للمنطقة.

لا يزيد سكان تلك المنطقة المعزولة عن 500 شخص من رجال قبائل الإيمارغن الذين يحتفظون بنمط حياتهم وتراثهم وأساليبهم القديمة في الصيد، إذ يعتمدون على قوارب شراعية بدون محركات، ويعملون عليها منذ الصباح وحتى الليل. ويستغل الصيادون الدلافين البحرية التي تكثر في المنطقة، ويعتقدون أنها صديقتهم التي تساعدهم في الصيد، فالدلافين تسوق أسراب الأسماك من عمق المحيط إلى الشاطئ حيث ينتظرها الصيادون بشباكهم.

يضرب الصيادون البحر بمجاذيفهم وعصيهم وينشدون أغانيهم السحرية التي يتوارثونها، ويعتقدون أن الدلافين تفهمها فتدفع السمك ناحية الشباك فتمتلئ. وبالرغم من مكانة المرأة عند الإيمارغن؛ فإنهم يحظرون قدومها للبحر عند الصيد؛ لأنهم يعتقدون أن البحر سوف يغضب لذلك غضباً شديداً ويحطم زوارقهم ويبخل عليهم بخيراته. لكن جميع أعمال معالجة الأسماك من تنظيف وتجفيف وتشريح تقوم بها النساء على الشاطئ، حيث يتميّزن بالخبرة الكبيرة في تصنيف الأسماك حسب قيمتها الغذائية، ومدى الاحتفاظ بلحمها فترة أطول بعد التجفيف، واستخلاص الدهون من الأسماك، وبيض السمك ذي القيمة الغذائية العالية.

وتشير الدراسات والدلائل الأثرية، إلى أن المنطقة شهدت عدة حضارات على مدى آلاف السنين. وتوجد بقايا معدات وأدوات من مختلف تلك الحضارات، كما مرَّ عليها الكثير من الغزاة والمستعمرين من برتغاليين وإسبان وفرنسيين وهولنديين وبريطانيين؛ لكنهم لم يستطيعوا أن يغيروا من ثقافة أهلها وتراثهم.


دلالات
المساهمون