محمد صلاح.. بعيدًا عن التقليد المصري

10 يوليو 2017
أصبح صلاح أغلى لاعب في تاريخ ليفربول (Getty)
+ الخط -

أغلى لاعب في تاريخ ليفربول. أغلى لاعب في تاريخ أفريقيا والعرب. وأغلى لاعب باعه روما. هذا هو محور الحديث كلما ذكرت صفقة انتقال المصري محمد صلاح إلى ليفربول. حديث عن الأموال. عن المجد المنتظر داخل "انفيلد" ملعب الفريق الإنكليزي، لكنّ هناك محورًا آخر يتجاوز حدود صلاح نفسه إلى رحاب أوسع.

في أغسطس/ آب 2013، خلال مقابلة مع الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم، قال صلاح: "أتمنى خلال وجودي في أوروبا أن أساهم في تغيير نظرة كثيرين للاعب المصري".

كان صلاح يعي منذ خطواته الأولى في أوروبا أن أحد أهم العقبات التي ستواجهه تتمثل في الإرث الذي تركه بعض اللاعبين المصريين الذين سبق لهم الاحتراف الخارجي. وعلى الرغم من أن هؤلاء الذين تجاوزوا دائرة المحلية معدودون إلا أن إرثهم يُثقل الوافدين الجدد ويُقيدهم.


العودة المبكرة
بعدما قضى صلاح 18 شهرًا مع بازل بطل سويسرا، قدم خلالها أداءً مميزًا، خاصة في مشاركات الفريق الأوروبية في دوري الأبطال والدوري الأوروبي، كان اللاعب على موعد مع انتقال كبير لتشيلسي الإنكليزي. هناك في لندن لم يحظَ صلاح بفرصة كافية لإثبات قدراته. الفريق ممتلئ بالنجوم والمدرب لا يعتمد على البدلاء إلا نادرًا.

يمكن هنا أن نراجع شريطًا طويلًا يضم أسماء كثير من اللاعبين المصريين الذين انتهت مسيرتهم الأوروبية بعد أول تعثّر. فاللاعب المصري نفسه قصير، إذا تعثر، أيّ تعثّر، يحزم أمتعته ويعلن العودة للديار. لكن في حالة صلاح كان الوضع مختلفًا. بحث عن منفذ جديد. عن فرصة لإنعاش مسيرته. ونجح في ذلك مع فيورنتينا. فريق أضعف من تشيلسي لكنّ فرصة المشاركة أساسيًا معه تبدو أسهل من البلوز.


العُزلة
لا يحب صلاح الإعلام. صرّح بهذا عند تتويجه بجائزة أفضل لاعب في السويسري بعد موسمه الأول في بازل. صرح غير مكترث بما قد يجنيه عليه تصريح كهذا. خلافًا لكثير من اللاعبين المصريين المحترفين الذين يتسابقون لإطلاق التصريحات الصحافية كلما تألق أحدهم أو سجل هدفًا، فإن صلاح كان حريصًا على العزلة. عزلة حَسِبها بعضهم غرورًا، وقال بعضهم إن الفتى بدأ يتعامل كنجمٍ مُدلل يصعب الوصول إليه إلا بعد معاناة.

وأيًا كان سبب العزلة، والتي لا يخرج منها صلاح إلا نادرًا، فقد جعلت اللاعب بعيدًا عن الأعين. وصانته عن الخوض في قضايا كثيرة. خاصة حين التهب الوضع سياسيًا في مصر وتسابق أبرز اللاعبين على إعلان مواقفهم السياسية وانحيازاتهم. حتى حين استفزه بعضهم؛ كأن يتحدث أحدهم عنه ويقول إنه لاعب لا يمتلك كاريزما، وأن يقول آخر إن صلاح لا يقدم مع المنتخب أداءً مشابهًا لما يقدمه في أوروبا... كل هذا وغيره لم يدفعه للخروج من هذه العزلة. كان صلاح بعيدًا عن كل ذلك. لا يظهر إلا بحساب ولا يقول إلا ما يريده.


الانضباط
يُعد الانضباط أحد أبرز العقبات التي تواجه اللاعبين المصريين في أوروبا. الخضوع لقواعد صارمة داخل الملعب وخارجه أمر لا يطيقه من اعتاد الفوضى بصفتها مُلازمة للنجومية في بلاده.

ترك السابقون إرثًا ثقيلاً في ما يخص قلة الانضباط والرضوخ للقواعد والقوانين. وبين لاعب يعتدي على امرأة في حانة ويعاقب بالحبس مع إيقاف التنفيذ، وآخر لا يكف عن استفزاز خصومه والتشاجر داخل أرض الملعب والحصول على البطاقات الحمراء واحدة تلو الأخرى. كانت مهمة صلاح لتجاوز تلك الصورة والعمل على محوها صعبة.

وطوال خمسة مواسم في أوروبا، لم يعرف عن صلاح إثارته الأزمات داخل الملعب أو خارجه. لم يدخل في أزمات مع زملائه بالفريق أو المدير الفني أو المنافسين أو الحكام. حتى المواقف الصعبة التي تعرض لها مثل ذهابه لإسرائيل مع بازل في إحدى المشاركات الأوروبية وما صاحبها من تصريحات وضغوط مرت من دون خسائر تذكر.

وحين انتقده مدربه سباليتي في وسائل الإعلام لم يخرج اللاعب ليرد عليه علانية بل كان حريصًا على شكر مدربه والثناء عليه في كل مناسبة يظهر فيها.


التطور
ماذا تَعَلّم في أوروبا؟ سؤال استنكاري يتكرر كثيرًا في سياق انتقاد عدم قدرة كثير من اللاعبين الذين خاضوا تجربة الاحتراف على تطوير قدراتهم. يتكرر حين يشاركون مع المنتخب أو حين يعودون للدوري المحلي ويظهرون بأداء مشابه لما كانوا عليه قبل الاحتراف. في حالة صلاح، الوضع مختلف تمامًا. كل موسم يضيف صلاح إلى نفسه الكثير. كانت الإشادات تنهال عليه بسبب سرعته فقط في البداية مع انتقادات لتحركات في الملعب وانتقادات أخرى أكثر بسبب لمسته الأخيرة.

طوّر صلاح أسلحته الهجومية. وبات يسجل كثيرًا من الأهداف سواءً من اختراقات أو من تصويبات. بدأ يتحرك بصورة أفضل داخل الملعب خاصة حين يفقد فريقه الكرة ويكون مُطالبًا بالدفاع.

ومع انطلاق الموسم الماضي اكتسب مهارات أخرى كالقدرة على اللعب بين الخطوط في قلب الملعب بدلًا من التمركز طول المباراة على الجانب الأيمن. أصبح أيضًا قادرًا على استلام الكرة وظهره لمرمى المنافس دون أن يفقدها مهما كانت الضغوط التي يتعرض لها. وهذا ساعده على اللعب كمهاجم صريح في مباريات كثيرة. كذلك أسند إليه تنفيذ الضربات الثابتة والركنيات في أحيان كثيرة.

وهناك تطور آخر خارج الملعب. فصلاح، على الرغم من عزلته الاختيارية، إلا أنه حريص على تطوير قدراته على التواصل مع اللاعبين والإعلام. ما دفعه مثلاً لتعلم اللغة الإيطالية وإتقانها في فترة قصيرة. خلافًا لكثير ممن تركوا مصر وعادوا إليها من دون أن يتعلموا أبجديات الإنكليزية.

نجاح صلاح في تجربته الاحترافية، حتى الآن، لا يصب فقط في خانة الإنجازات الفردية للاعب "المقاولون العرب" السابق؛ لكنه يساهم كذلك في محو كثير من التفاصيل السلبية عن اللاعب المصري. هذا الذي خلّف وراءه في أوروبا إرثًا لا يرغب أحد في حمله أو حتى الاقتراب منه.

المساهمون