محمد النمري يحتفظ بأحلامه.. رغم الاعتقال

26 يناير 2015
يريد النمري أن يصير محامياً (العربي الجديد)
+ الخط -
يتردّد كثير من الأطفال الفلسطينيين الذين يعتقلون لدى سلطات الاحتلال قبل سرد مجريات التحقيق معهم. كأنهم بذلك يهربون من تذكر تفاصيل تلك التجربة الأليمة، على أمل نسيانها. يتجلى ذلك في كلمات الطفل المقدسي محمد علاء النمري (17 عاماً) المتقطعة، وهو يروي ما حدث معه. "ضغط أعصاب"، هكذا يبدأ وصفه التحقيق. يتابع "يدخل عليك ثلاثة محققين، يحاولون أن يفقدوك تركيزك. كلُّ واحد منهم ينال منك بأسئلته وتهديداته".

لم يتعرّض النمري للضرب المبرح لدى اعتقاله والتحقيق معه. لكنه لم يفلت من الضغط النفسي. مُنِع الأب من حضور التحقيق مع ابنه، وحاول المحققون توتير العلاقة بينهما وإخافته. يقول: "كانوا يرددون أن والدي سيتبرأ مني، وأنه تخلى عني، وسأبقى لديهم عشرين عاماً، وأنه رجل طيب بعكسي".

في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني الجاري، أصدرت المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس المحتلة حكماً بالسجن على النمري مدة 16 شهراً، وغرامة مالية قدرها 15 ألف شيكل. وفي حال رفضت المحكمة طلب الاستئناف، سيُسلّم النمري نفسه لإدارة سجن الرملة في نهاية شهر فبراير/شباط المقبل. تتهمه شرطة الاحتلال الإسرائيلية بأنه يشكل خطراً على حياة الناس في الشارع، وأنه "ضرب سيارة تابعة لمستوطنين بدوافع عنصرية". يرى والده أن شرطة الاحتلال تتعمد تضخيم أي فعل يقوم به الفلسطينيون وصياغة ذلك في تهم كبيرة ملفقة، لافتاً إلى أن المحققين يعمدون في بعض الأحيان إلى تحريف إفادات الأطفال وتحميلها معاني لم يقصدوها. الهدف من ذلك، برأيه، هو تضييع مستقبل الشباب الفلسطينيين ومحاولة ردعهم وردع عائلاتهم وأصدقائهم ومعاقبتهم.

قصة الاعتقال
اعتقل النمري في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، حين كان عائداً من مدرسته الواقعة في حي وادي الشيخ جراح في القدس إلى البيت. يقول والده لـ "العربي الجديد": "اتصلت بي المدرسة لتخبرني أن ابني اختطف"، وأنهم قاموا بتصوير رقم السيارة التي "اختطفته". تبيّن بعد ذلك أن "الخاطفين" هم شرطة الاحتلال، وقد اعتقل على يد مجموعة من المستعربين الذين يتجولون بين الفلسطينيين بملابس مدنية، وبمساعدة من مستوطنين كانوا قد استولوا عام 2008 على منزلين فلسطينيين بالقرب من المدرسة.

خرج محمد من مركز التوقيف في القدس بعد عشرة أيام إلى الحبس المنزلي، الذي قضى فيه 13 شهراً، منع خلالها من الخروج من البيت إلا بشروط وبمرافقة أحد والديه. والحبس المنزلي هو إجراء قانوني، تسمح وفقه محاكم الاحتلال بالإفراج عن المعتقل بشروط، إلى حين انتهاء الاجراءات القضائية بحقّه. ولا تُحتسب فترة الحبس المنزلي من فترة الحكم الفعلي الذي تصدره المحكمة فور انتهاء اجراءتها القضائية، ما يعني بشكل أو بآخر أن الطفل يعاقب أو يُسجن مرتين.

حبس منزلي
للحبس المنزلي شروطه، كأن يمنع الطفل من الوصول إلى أماكن معينة. وفي حالة النمري، فقد كان حبسه يقضي بمنع وصوله إلى محيط البلدة القديمة من القدس المحتلة، ومنع دخوله المسجد الأقصى. وعندما سمحت له المحكمة بالخروج من البيت للالتحاق بالمدرسة، اشترطت أن يرافقه والده في طريق الذهاب والعودة من المدرسة. يقول الوالد: "كان يعني ذلك ارباكاً لعملي وإنتاجيتي، فقد أصبح مرتبطاً بمواعيد تنقل ابني من وإلى المدرسة".

منع النمري أيضاً من العودة إلى المدرسة نفسها، على اعتبار أنها تقع في المكان نفسه الذي تدعي شرطة الاحتلال أنه ألقى فيه الحجارة على مستوطنين. لذلك اضطر والده للبحث عن مدرسة أخرى تقبل انضمامه إليها في منتصف العام الدراسي، ما أثر بشكل كبير عليه.

كذلك، فرضت محكمة الاحتلال على العائلة التوقيع على كفالتين بقيمة عشرة آلاف شيكل، تدفع في حال تمت مخالفة أي شرط من شروط الحبس المنزلي، كأن يخرج النمري لوحده من البيت. يقول الوالد: "لم يكن لدينا مجال للمغامرة أو مخالفة أي شرط، فالكفالة المالية المرتبطة بذلك مكلفة للغاية، كما أن محمد ابني الوحيد بعد 12 عاماً من الزواج".

من جهته، يقول النمري إن "الحبس المنزلي صعب جداً. ربما من الأفضل البقاء في السجن وانتظار الحكم". تشاطره والدته الرأي. الحبس المنزلي برأيها "عذاب". تضيف "أصبح جدول أيامي مرتبطاً بموعد المحكمة. إنها ببساطة فترة عصيبة جداً".

في مثل هذا الوقت من العام، كان من المفترض أن يحضر محمد نفسه لامتحانات الثانوية العامّة، لكنه يحضّر نفسه الآن لدخول المعتقل. أجّل الاعتقال أحلامه لكنه لم يلغِها، يقول: "سأكمل دراسة الثانوية داخل السجن، وعندي أمل أن التحق بالجامعة لدراسة المحاماة بعد قضاء محكوميتي".
المساهمون