محبة سودانية خالصة.. كالعادة

09 اغسطس 2014
غرافيتي لمجموعة "أهل الكهف" / تونس
+ الخط -

لم يكن الشاعر السوري نوري الجرّاح على علمٍ بالمكانة التي يحتلّها محمود درويش في قلوب كثير من المثقفين السودانيين، لذا فوجئ عندما أبدى ملاحظة عابرة عن قصيدة "محمد الدرة"؛ بعدم الرضا يظهر على وجوه أكثر الحضور في "ورشة قصيدة النثر" التي كان يتحدث فيها الجراح، قبل أن يعبّر الناقد عصام أبو القاسم، عن عدم الرضا ذاك، بنقاش طويل معه حول شاعرية درويش.

كان ذلك في الثامن من فبراير 2006، وبعدها بأسبوعين كان صاحب "أحد عشر كوكباً" في الخرطوم بعد عشرين عاماً من زيارته الأولى، بدعوة من مركز الدراسات السودانية، في احتفاله بالعيد الخمسين لاستقلال السودان، وهي زيارة أظهرت كيف أن محبة الشاعر وشعره ما تزال راسخة في قلوب الأدباء والمثقفين السودانيين، إذ حملت الأسئلة التي انهالت عليه في جلسة حوار مفتوح بينه والمثقفين السودانيين؛ طابعاً استقصائياً، أكثر منه نقدياً لتجربته. فسئل يومها عن قصيدة النثر، وغسان كنفاني، والتجريب، وإدوارد سعيد، ووعيه بذاته كفلسطيني وكإنسان، وعن مفاجأته الدائمة للقارئ، وأجاب درويش بأريحية وبلا تحفّظ. 

حسناً، لماذا يولع الأدباء السودانيون بدرويش أكثر من غيره؟ هل سبب هذا الحب أن شعره "مطربٌ ويحرك فكر القارئ في ذات الوقت" كما يقول الشاعر حاتم الكناني؟ أم سببه "تشابه الهوس بسؤال الهوية" بين درويش والسودانيين، كما يظن الشاعر أحمد النشادر؟ أم هي "الغنائية" التي أشار إليها الشاعر مأمون التلب؟ أم لأنه حقاً يجيد التعبير عن "خيباتنا وهزائمنا" مثلما يؤكد الشاعر المغيرة حسين؟

لقد ظلت قصائد درويش - طوال سنوات - الأكثر تداولاً وترداداً في مجالس الخرطوم الأدبية، يتم تلقيها بلا تحفّظ، كما يلاحظ التلب، قبل أن تصبح النظرة إليها أكثر نقدية في مرحلة ما بعد "سرير الغريبة" في رأيه، وهو ما يرجعه التلب إلى "التحول من الغنائية العالية إلى تجريد أكثر حفراً في الذاتي"، وإن كان ذلك لم يلغِ المحبة التي التصقت بالشاعر، وربما ذلك لاتساع "المعرفة" التي يقول الكناني إنها "تتسع كلما قُرئ شعر درويش".

مهما يكن، فثمة افتتان بصاحب "ذاكرة للنسيان" لم يَخْبُ بعد، ربما يحتاج أدباء السودان للحفر وراءه علّهم يمتلكون، بتفسيره، فهماً أعمق للشخصية السودانية.

المساهمون