محاولة أخيرة لاكتشاف الأرض

03 اغسطس 2016
خالد حافظ/ مصر (مقطع من لوحة)
+ الخط -

مبهوراً بقدرتي على اليأس
ماذا اعتراني،
هناك،
في أعلى الطفولة العوسجية
إذ شبّت عن سياج الأرض مخيّلتي
وأنشبت في البياض قلبها الزعفراني، فانتثر

ولمَ أخافني الحب
والتبست عليّ سماؤه الواقعية
حين حطّت طائعةً
كحمام المدن السعيدة على يدي
ولمستني لمساً خفيفاً بين أصابعي الشبقة
فآلمتني

ما أشقاني
كنت أغذّ السير الغنائي
في طريق آمنة
لا تسلكها القصائد إلاّ مهاجرةً إلى جمالها العابر
أتجشّم مشاق الشعر
العاري من غبار أي كلام أو سفر
وأهمي
كما الحروف الآفلة
خارج سرب المعاني الأليفة
منحدراً نحو الشتاء العاطفي الأوّل
مبهوراً بقدرتي على اليأس
زاهداً فيما تغدقه عليّ الغيوم
من رذاذ ليلٍ وارف المجاز
ومن نجوم لا يضيئُها سوى الرمز
أو ما يفيض من قمر الكناية.

في فمي مذاق حامض لفاكهة الندم التي لم تكن قد نضجت بعد.


كنت أركض بمحاذاة النهر
كنت أركض بمحاذاة نهر أجنبي
موصدةٌ مياهُه في وجهي
كبيوتٍ مضاءة بالوحشة
جثثٌ كثيرة كانت تشاركني رياضة الوحيدين بنفَسٍ مقطوع
وأخرى تركض معي بأعضاء مبتورة
مُنتعلةً قلبي
الذي رغم اهترائه بفعل عقود من النبض المزمن
ما زال يمتلك تقنيّات كرٍّ وفرٍّ متقدّمة
تصلُحُ لحروبٍ خاطفة
(قلت في سرّي: عليّ أن استبدله،
في أقرب وقت ممكن،
بماكينة هروب أقلّ خراباً واحتياجاً للصيانة)
كنث ألهث كقذيفة من حياة طائشة أخطأت الهدف
وكان عليها قياس احتمالات انفجارها من جديد
مع الأخذ بالحسبان ما قد يترتّب على ذلك
من أضرار للبيئة و للشعر
فجأةً اشتدّ القصف من كلّ الجهات والأزمنة
لذتُ بجدار روماني قديم
تناوب على بنائه عبيدٌ وقياصرةٌ ومؤرّخون
هالني أنه مصنوعٌ من دموعٍ هرمة متحجّرة
ومن رؤوس أينعت وقُطِفت وزُرعت في أحشائه قبل أكثر من ألفَي عام

لذا
عندما سقطت قنبلة على رأسي
ورأيته يتدحرج، ككرة من نار، بأسلوب سينمائي ساذج
لأفلام حربٍ من الدرجة الثانية
أحزنني أن أودّعَه بهذه السرعة ودون ألمٍ يذكر
إلاّ أنني تركته فوق العشب مشتعلاً
واستأنفت ركضي
برشاقةٍ لم أعهدْها في
جسمي الذي أنهكه السلام
ممسكاً بواحدٍ من تلك النهارات الخلاّقة
في بدايات آب
التي تكون فيها عضلاتُ الروح في أوج ليونتها
بحيث أن بوسعها أن تزحف في الأنفاق والندوب
التي يحفرها القنوطُ في جلد الكون
وأن تقفز فوق الجدران والأنهار
في طريق عودتها
إلى البيت.


اكتشاف الفضاء
الكون خفيفٌ في يديك، خفيفٌ وبدون ذاكرة
أضعه على عتبتك كلّ مساء
أنتظر أن ترفعيه إليك،
وأنسلّ إليك من ثوبي الأرضيّ كما ينسلّ الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود
وأتوسّل الضوءَ المقيمَ في جلدك
أن يكون رحيماً، كما الموتُ، أو كما الظلام
لكي أنام.

الكونُ هو ما تصيرُهُ يداك عندما
تفرطان خيوط قماشة اللوحة البيضاء التي تشرب ألواني المائيّة
وتُصفّران بلا اكتراث
لحناً بصريّاً يؤلّف سيرة أعضائي منمنمةً غزيرة التفاصيل
ثم ينساها على مقعد انطباعي مشتعل
في حدائق تجريدية لا تسيّجها النظرات

جسدي مركبةٌ فضائيةٌ خرجت من مداراتها المألوفة
وجنحَتْ إلى يديك
في محاولةٍ أخيرة
لاكتشاف الأرض.


المساهمون