إثر ذلك، يفترض أن يصوّت المجلس على قرار "لإبلاغ مجلس الشيوخ" بقرار الإدانة. ليتولى هذا الأخير القيام بدور المحكمة العليا وإصدار الحكم النهائي بتأكيد الإدانة أو برفضها. لكن تبليغ مجلس الشيوخ ليس خطوة دستورية إلزامية. في المرتين السابقتين، ضد الرئيسين أندرو جونسون 1868 وبيل كلينتون في 1998، جرى التبليغ لاستكمال المحاكمة.
هذه المرة قد يختار مجلس النواب ترك المحاكمة معلقة، لتبتّ بأمرها محكمة الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني القادم. بذلك يتيسر للديمقراطيين حسب هذا التصور، ضرب عصفورين بحجر: حرمان ترامب من مكسب إلغاء الإدانة في مجلس الشيوخ، وهي نتيجة شبه مضمونة بحكم سيطرة الجمهوريين على المجلس. ومن جهة ثانية، فإن تعليق الحكم يلطخ حملة الرئيس لتجديد رئاسته، بحيث يبقى شبح الإدانة حائماً فوق معركته. وهذا سيناريو مطروح وإن على نطاق ضيق في أوساط خصوم ترامب.
وكان جون دين مساعد الرئيس نيكسون وأحد الذين ساهموا في إسقاطه، أول من رمى هذه الفكرة في التداول. وحتى الآن، لم يسقطها الديمقرطيون من حساباتهم؛ مما يعني أنها واردة ولو كانت غير مسبوقة ولا تخلو من المجازفة، إذ قد ترتد عليهم سلباً بتهمة أنهم هربوا وتراجعوا عن استكمال العملية التي زعموا أنها ترتكز على حيثيات موجبة.
مع ذلك، ثمة ما يجعل هذا الاحتمال غير مستبعد. فبالنسبة للديمقراطي لا أمل له في عزل الرئيس في الكونغرس. المحاكمة في مجلس الشيوخ معروفة نتيجتها سلفاً. زعيم الأغلبية في هذا الأخير السيناتور ميتش ماكونيل، كشف عن ذلك مسبقاً قبل يومين عندما أكد أن عزل الرئيس غير وارد بالنسبة للمجلس. إسقاط الإدانة من شأنه أن يطفئ سيرتها بعد أشهر ويلغي مفعول القضية في عزّ الحملة الانتخابية خلال الصيف المقبل، بحيث قد لا تعود عبئاً على الرئيس. وبالتالي، فإن تركها عالقة قد يعطي خصومه وفق هذه الحسابات، ورقة انتخابية لا يستهان بها.
التخوف الآخر الذي قد يحفز نحو خيار التعليق، هو أن المحاكمة في مجلس الشيوخ قد تجرّ إلى استدعاء شهود وفتح ملفات من الممكن أن تنعكس سلباً على حملة جو بايدن، المرشح الديمقراطي الأقوى حتى الآن ضد ترامب. فالبيت الأبيض لم يخف رغبته في استحضار بايدن ونجله هانتر الذي سبق وعمل في شركة أوكرانية للطاقة أغرقها الفساد، للمثول أمام مجلس الشيوخ والإدلاء بإفادتهما ولو أن لا علاقة لهما بقضية المقايضة مع أوكرانيا المتهم بها ترامب.
أوساط مجلس الشيوخ تستبعد التوسع في جلسات المحاكمة إلى هذا الحد. السيناتور ماكونيل الذي يتمتع بصلاحية وضع الترتيبات، لمّح إلى نيته اختصار الإجراءات واستصدار الحكم بسرعة. لكنه قبل يومين، عاد وشدد على أن يعمل في هذا الخصوص بالتنسيق مع البيت الأبيض.
ويذكر أن محامي الرئيس رودي جولياني قد عاد لتوّه من زيارة لأوكرانيا، يقال إنه جمع خلالها معلومات مؤذية عن قصة بايدن الابن واستطراداً الأب.
وبصرف النظر عن مدى الأذى فيها، إلا أن مجرد طرحها قد ينطوي على خطر اهتزاز صورة بايدن الذي تركت علاقة نجله مع الشركة الأوكرانية علامات استفهام حول ما إذا كان وصوله إلى مجلس إدارتها قد حصل على خلفية كونه ابن نائب الرئيس في ذلك الوقت. وهو اهتزاز لا يحتمله الحزب الديمقراطي، الذي بدأت نخبه وقياداته تتحرك على أساس أن بايدن هو حصانها في السباق.
ليس فقط لأنه ما زال حتى الآن أقوى المرشحين الديمقراطيين حسب آخر الاستطلاعات، بل أيضاً لأن المخاوف بدأت تتزايد من تكرار السيناريو البريطاني لو حل مكانه أحد الاثنين الأكثر قوة بعده، السناتور بيرني ساندرز والسيناتور إليزابيت وورن المحسوبين بسبب نزعتهما "الاشتراكية" في خانة المهزوم جارامي كوربين. الاعتقاد أن هناك تشابهاً بل تقارباً بين الجسم الانتخابي في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، لجهة رفض الطروحات الجذرية حتى ولو كانت منصفة كما لجهة الانشداد نحو مرشح الخيار القومي الشعبوي الذي يمثله ترامب كما جونسون.
بالتأكيد تلعب الحسابات الانتخابية دورها في تحديد وجهة محاكمة الرئيس ترامب. والمؤكد أيضاً أن الصورة الكاملة لم تنكشف بعد عن هذه القضية الثالثة من نوعها في تاريخ الرئاسة الأميركية. ثمة مساحة ما زالت موجودة للمفاجآت وخفايا كثيرة لن تظهر قبل مرور أشهر وصدور قرارات قضائية في مسائل عالقة أمام المحاكم. وبكل حال لن يكون المشهد السياسي بعد نهار الأربعاء كما كان قبله، بل أكثر شراسة في خصوماته.