وأخرجت المحاكمات الأخيرة أعدادا أكبر من الجزائريين إلى مظاهرات الجمعة الـ42 من الحراك الشعبي، وانقلبت هذه المحاكمات عكس هوى السلطة التي كانت تتوخى استغلالها لإقناع الجزائريين بالذهاب إلى مكاتب التصويت، الخميس المقبل.
وفي العاصمة الجزائرية، بدا المتظاهرون في الحراك أكثر غضبا وتصميما على رفض الانتخابات الرئاسية وإحباط تنظيمها ورفض مخرجاتها، والتمسك بالمطلب المركزي المتعلق برحيل النظام وتفكيك مجموعاته السياسية والمدنية التي كانت توفر الدعم له. وكان لافتا التأثير الذي خلفته المحاكمات الأخيرة على قطاع واسع من المشاركين في المظاهرات، حيث عززت الحقائق التي تم الكشف عنها من موقف الحراك الشعبي الداعي إلى تغيير سياسي جذري للنظام القائم.
وتجمع الآلاف قرب مسجد الرحمة وسط العاصمة الجزائرية، بانتظار فراغ المصلين من صلاة الجمعة لبدء المظاهرات، فيما كانت كتلة ثانية من المتظاهرين قد تجمعت قرب ساحة أودان وساحة البريد المركزي لبدء مظاهرات، كان عنوانها الأبرز رفض الانتخابات الرئاسية وإدانة الفساد الذي انتهى إليه النظام السياسي في البلاد، والدعوة إلى إقامة دولة مدنية واستبعاد الجيش.
وقال الناشط في الحراك، نور الدين خذير، لـ"العربي الجديد" إن "ما تم الكشف عنه من خبايا صادمة وتلاعب بالمال العام والقرار السياسي في البلاد، يؤكد أن موقف الحراكيين بشأن ضرورة تغيير النظام السياسي هو الأحق، وأن الانتخابات القسرية التي يفرضها الجيش لا يمكن أن تكون ممرا باتجاه مسار ديمقراطي حقيقي".
واعترض المشاركون في مظاهرات الجمعة على إصرار السلطة على تنظيم انتخابات الخميس المقبل، ورفع متظاهرون لافتات كتب عليها "لا انتخابات مع العصابات"، و"مرشحو الفساد والفاسدين"، ولافتات عليها صور المرشحين الخمسة وعليها علامات رفض حمراء.
وحمل متظاهر كبير في السن لافتة أخرى بها طفل يشير بيده إلى المرشحين الخمسة، كتب عليها "لا أريد أن يكون مستقبلي في يد هؤلاء"، كما رفعت لافتات تتضمن صور رئيس الحكومة السابق والمرشح الرئاسي عبد المجيد تبون، كتب عليها "ابنك في السجن بسبب الفساد وأنت تريد أن تكون رئيسا للجزائريين".
وقال الناشط في الحراك، سعيد مرسي، لـ"العربي الجديد"، "كيف يمكن إقناع أي جزائري بالذهاب إلى الانتخابات للتصويت على رئيس حكومة يقبع نجله في السجن وعرض على الشاشات كمتهم في قضايا فساد وعلى صلة ببارون مخدرات".
وتابع قائلا: "كيف يمكن إقناع الناخبين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع للتصويت على مرشح حزب، كان وزيرا للثقافة حتى مارس/ آذار 2019، وينتمي إلى حزب أمينه العام في السجن بتهم فساد واختلاس أموال طائلة"، في إشارة إلى أحمد أويحيى.
وبشكل لافت أيضا، تفاعل المتظاهرون بالتعبير عن رفضهم لعودة السلطة لاستعمال فزاعة الإرهاب والأمن، بعد نشرها، مساء الخميس، لقصة أمنية وزعت تفاصيلها بشكل متزامن على القنوات التلفزيونية الرسمية والمستقلة الواقعة تحت ضغط السلطة والجيش. وتتعلق بمزاعم عن "مخطط تخريبي" تم كشفه بعد توقيف طالب جامعي كان يرصد ويصور خريطة انتشار الشرطة في العاصمة، وشخص ثان من حملة المترشح علي بن فليس. وزعمت هذه المعلومات أن المخطط تقف وراءه حركة "الماك" والتي مقرها في باريس ويقودها المغني الأمازيغي السابق فرحات مهني، وتتبنى المطالبة بانفصال منطقة القبائل.
وفي سياق القصة الأمنية هذه، رفع المتظاهرون شعارات "ما تخوفوناش بالعشرية، نجن اولا الميزيرية" (لا تخيفوننا بالعشرية السوداء للإرهاب في التسعينات، نحن عشنا وولدنا في ظروف صعبة)، في رسالة شعبية تحمل مضمونا سياسيا برفض استدعاء الإرهاب لتخويف الجزائريين، ورفع أحد المتظاهرين لافتة كتب عليها "لا تخيفوننا انتهى وقت التخويف بالإرهاب"، ولافتة ثانية كتب عليها "السلطة هي التي صنعت الإرهاب".
وحضرت صور الناشطين الموقوفين في السجون، أبرزهم المناضل الثوري لخضر بورقعة وكريم طابو وسمير بلعربي، وطالب المتظاهرون بالإفراج عنهم ووقف حملة الاعتقالات. كما رد المتظاهرون على تصريحات وزير الداخلية، صلاح الدين دحمون، والتي وصف فيها ناشطي الحراك بالمرتزقة والشواذ، كما استمرت هتافات المتظاهرين طويلا بشعار الدولة المدنية ورفض استمرار هيمنة الجيش على المشهد والقرار السياسي، وطالبوا قائد الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، بالرحيل ورفع يده عن المسار الديمقراطي.
وسأل مراسل "العربي الجديد" متظاهرين عن سبب المطالبة برحيل قائد الجيش في هذا التوقيت الحرج، ليؤكد أغلبهم أنه هو المسؤول عن السياسات التي انتهجتها السلطة منذ أشهر، وهي سياسات، قال عنها بلعمري محمد الذي غاب أربع مرات فقط عن المشاركة في مسيرات الجمعة، إنها السبب في التمسك بالحكومة الفاسدة وفي المأزق الحالي للبلاد.
ونشرت السلطات أعدادا كبيرة لقوات الشرطة في شوارع العاصمة الجزائرية والساحات التي تحتضن المظاهرات في الغالب لمراقبتها، ولمنع وصول أعداد أكبر من المتظاهرين أغلقت السلطات مداخل العاصمة، وشددت مراقبة المدخل الشرقي الذي يربط العاصمة بمدن الشرق وبمنطقة القبائل.
وعلى غرار العاصمة، شهدت مدن أخرى مظاهرات صاخبة، ففي تيزي وزو وبجاية والبويرة خرج الآلاف في مسيرات حاشدة رفضا للانتخابات، بشعار كتب بالأمازيغية "اولاش الفوط اولاش" (لا توجد انتخابات)، كما خرجت مسيرات مماثلة في سطيف وقسنطينة وعنابة شرقي البلاد، رفعت خلالها صور الناشطين الموقوفين في السجون، كما شهدت تلمسان ووهران ومستغانم غربي البلاد، وورقلة وأدرار والوادي، جنوبي البلاد، مظاهرات حاشدة.