بعد صلاة يوم الجمعة الماضي، دُفن الشاب عمر الحسين (22 عاماً)، منفذ هجومي كوبنهاغن (اعتداء على كنيس يهودي أدى إلى مقتل شخصين، وآخر على ندوة حول حرية التعبير أدى إلى مقتل شخص). ولد وكبر في هذه المدينة وضواحيها. لم يعرف عنه أن لديه أي انتماء سياسي أو ديني. بعض خبراء علم الاجتماع قالوا إن الأمر لا يتعلق بكونه متشدداً، بينما أصر خبراء آخرون في الأمن والسياسة على أن الأمر كذلك. إلا أن دفنه لم يوقف الجدل حوله.
ركزت كثير من وسائل الإعلام على تشدد الشاب، الذي عاش فترة مراهقة يسودها التخبط في الهوية، حاله حال غيره من المراهقين. اعتبر متشدداً في فترة قضاء محكومية، بسبب ارتكابه مخالفات قانونية. ويرى بعض الشباب المسلمين أن "الأمر بمثابة إصرار على الهروب من الإجابة على سؤال حول فشل الحكومة في تحمل مسؤوليات حماية هؤلاء الشباب، الذين رفضوا من قبل المجتمع الذي يعيشون فيه".
من جهته، يرفض والد عمر التحدث إلى وسائل الإعلام، ويصر على البقاء في الظل. فيما يقول بعض المقربين من العائلة إن "عائلة الحسين تعيش ظروفاً صعبة جداً، بسبب تحوير وسائل الإعلام لحياة ابنهم". فقد كان الشاب رياضياً وناجحاً في دراسته، إلى أن "حدث تحول في حياته".
في العادة، حين يتعلق الأمر بشاب دنماركي من أصول مهاجرة، تهرع وسائل الإعلام إلى "البحث عن تفاصيل تعفي المجتمع من مسؤولية ما وصل إليه هؤلاء المواطنون"، كما يقول أحد الذين عرفوا الحسين لـ"العربي الجديد". يضيف "أعلن على الفور أن ما جرى هو إرهاب إسلامي، وراحوا يخترعون قصصاً عن ميوله نحو التشدد. لكن الحقيقة في مكان آخر. كانت حياة هذا الشاب صعبة جداً. مثل أي مراهق، تورط في أشياء عدة. لكن شعوره بالرفض، في مجتمع يميز بحسب الاسم ولون البشرة والمعتقد، زاد من مشاكله".
من جهته، بدا محمود غاضباً. يشرح لـ"العربي الجديد" ما يشعر به هؤلاء الشباب. يقول: "ولدنا هنا. لا نعرف وطناً لنا غير هذا البلد. مع ذلك، ليس مرحّبا بنا. يجب أن تتخلى عن اسمك ولون بشرتك. في كثير من الأحيان، لم يكن يسمح لنا بدخول النوادي الليلية. يحكي السياسيون كثيراً ولا يعرفون ما يدور في أعماقنا. وحين يقلع أحدنا عن حياة الليل، على سبيل المثال، يصير متشدداً".
وفي معلومات خاصة حصلت عليها "العربي الجديد"، فقد جرى تشكيل "مجموعات حماية ذاتية" في المدن الدنماركية التي يتواجد فيها مسلمون بكثافة. وعلى الرغم من الرقابة الأمنية المشددة، وصل عدد هؤلاء الشباب إلى نحو 1500، بهدف حماية الفتيات والنساء المسلمات من الاعتداءات التي قد تطالهم. ويعد تشكيل هذه المجموعات مخالفاً للقانون، علماً أن لهؤلاء الشباب رأيا آخر.
في هذا الإطار، يقول الشاب زين لـ"العربي الجديد": "بعد هجمات باريس، كثرت محاولات الاعتداءات اللفظية والجسدية في الدنمارك. لم تكن الشرطة تهتم بالشكاوى المقدمة. بدا واضحاً أنهم لا يأبهون بما نقول. هل يريدون موت إحداهن أو أحدهم حتى يقتنعوا بجدية التهديدات التي يطلقها النازيون ضدنا؟".
يخشى بعض المسلمين من استغلال قضية مواجهة العنصرية في الإعلام. في السياق، يروي شاب عراقي لـ"العربي الجديد" ما حدث له ولابنته. يقول: "كنت أسير على مقربة من مركز تجاري، قبل أن يصرخ أحدهم في وجهي: سنقتل جميع المسلمين. وعلى الرغم من أنني لست مسلماً، فقد شعرت بمدى جهل هؤلاء المتطرفين".
في مدينة أرهوس، ثاني المدن الدنماركية، يحكي عايش عبدي، وهو صومالي، عن حادثة مماثلة؛ فقد هدده أحدهم بالقتل حين كان يتنزه وابنته. يقول البعض إنهم سئموا التقدم بشكاوى "لأنها لا تؤخذ على محمل الجد". من جهته، يتساءل عبدالمحسن: "أستغرب غياب وسائل الإعلام عن إثارة ما نتعرض له. هؤلاء كانوا سيصرخون ويرفعون أصواتهم لو كان أوروبيون يتعرضون لأمر مماثل في المدن العربية. أما أن يتعرض عشرات آلاف العرب لهذه العنصرية، فهذا يعني خلق جيل محبط".
ولا تختلف مواقف أئمة بعض المساجد في الدنمارك عن هؤلاء الشباب. يقول مسؤول المركز الإسلامي الدنماركي، فاتح علييف: "أستغرب حقاً من أن الحكومة ذاتها التي أقصت الأئمة قبل فترة عن مشاريعها تعود لتبحث عنهم اليوم". يرى علماء الاجتماع أن الحل يكمن في خلق فرص متساوية بين الشباب، ومنع التمييز بحقهم.
التخبط الحكومي يرتبط بخلافات تتعلق بالموازنة، التي تذهب معظمها للرقابة الأمنية والعمل الوقائي الاستخباراتي، من دون التركيز على الأحياء التي تعاني من التهميش.