تبنى مجلس الأمن الدولي في نيويورك، أخيرا، قرارا تونسيا فرنسيا، حول جائحة كورونا، يدعم مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، التي أطلقها وسط مارس/ آذار الداعية لوقف إطلاق نار دولي، والتصدي لفيروس كورونا الجديد. وجاء ذلك بعد محادثات طويلة وخلافات بين كل من الولايات المتحدة والصين أخرّت تبني القرار نحو ثلاثة أشهر.
وقال السفير التونسي، قيس قبطني، عقب تبني المجلس للقرار بالإجماع، في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد" في نيويورك: "اعتماد هذا القرار تاريخي بكل معنى الكلمة ولأسباب عديدة. من بينها أن هذا أول قرار يصدر عن مجلس الأمن لمواجهة آثار جائحة كورونا، وهذه أول مرة يعترف فيها مجلس الأمن بأن الجائحة تهدد الأمن والسلم في العالم". كما أشار إلى أن "القرار تاريخي لأنه تم التوافق بين كل الدول الأعضاء الخمسة عشر، وخاصة الدول دائمة العضوية، على رد موحد (بعد خلافات كثيرة بين الصين والولايات المتحدة)، وهذا كان هدف تونس في المشاورات، أي أن يتم الاعتماد بالإجماع، وحققنا هذه النتيجة، حيث أن توحد الجهود لمكافحة الجائحة هو هدفنا الأخير".
يطالب القرار بالوقف العام والفوري للأعمال العدائية حول العالم، ويؤيد الجهود التي يبذلها في هذا الصدد الأمين العام للأمم المتحدة وممثلوه الخاصون
ومضى قائلا: "اعتقد الكثيرون أن مهمتنا شبه مستحيلة بالنظر إلى الخلافات المعروفة. المفاوضات أخذت حيزا ووقتا كبيرا بالفعل وعدم استعجال الأمور كان هدفنا. حولنا كل الصعوبات إلى إمكانيات للتفاوض وبالفعل توفقنا باللحظات الأخيرة".
ولا يذكر القرار منظمة الصحة العالمية بالاسم أو يشيد بمجهوداتها ودورها الضروري لتوحيد الجهود الدولية لمكافحة الجائحة، ولكنه يحيل إلى قرار آخر تبنته الجمعية العامة. وينص القرار في هذا السياق على أن مجلس الأمن قد نظر في القرار 270/74 المعنون "التضامن العالمي لمكافحة مرض فيروس كورونا لعام 2019". وحول ما إذا كانت هذه نقطة ضعف في القرار الذي تم تبنيه أم لا، رد السفير التونسي قائلا: "الحل التوافقي الأخير أفضل من الحلول المقترحة السابقة. في مسودات مشاريع القرار السابقة كنا نتعامل مع وكالات. اليوم نحن اشتركنا في الإشارة إلى قرار الجمعية العامة والذي تم اعتماده من 185 دولة وهو مهم جدا حول كيفية التعاطي مع آثار جائحة كوفيد،
وأوضح قبطني أن القرار "يتحدث في جوهره عن الدور الريادي لمنظمة الصحة العالمية وهي مسألة ليست بالهينة. نحن لم نهمش دور منظمة الصحة وهي موجودة بالإشارة في قرار يخصها تحديدا".
ومن جهته، رحب السفير الألماني للأمم المتحدة، كريستوف هويسينغ، والذي ترأس بلاده مجلس الأمن لهذا الشهر، بتبني المجلس للقرار، وقال في تصريح خاص لـ "العربي الجديد" حول الانتقادات المتعلقة بعدم ذكر القرار لمنظمة الصحة العالمية بالاسم وعدم طلب القرار من الأمين العام تقديم تقرير دوري حول التزام الدول بوقف إطلاق النار ومكافحة الفيروس: "علينا أن ننظر إلى خلاصة القرار. الفكرة منذ البداية، والتي كانت مهمة بالنسبة لنا أن الأمين العام أطلق مبادرته لإطار العمل الإنساني، ومن الضروري أن يدعم مجلس الأمن مبادرته، وهذا ما طلبه الأمين العام للأمم المتحدة".
وأضاف: "تعود أهمية ذلك إلى أن النداء الدولي حول وقف إطلاق النار الذي طالب به الأمين العام الآن تم تدعيمه ودعمه بهذا القرار الملزم. وبهذا يتم ممارسة ضغط على أطراف النزاع للامتثال لوقف إطلاق النار وهذه قضية جوهرية في القرار".
وفيما يخص منظمة الصحة العالمية، قال السفير الألماني: "تلعب منظمة الصحة العالمية بالنسبة لألمانيا دورا جوهريا لمحاربة الجائحة، ولكن ليست أساسية لدعم نداء وقف إطلاق النار. وإذا نظرنا إلى الحل الوسط الذي تم التوصل إليه في هذا القرار فإنه من ناحية يلبي طلب الدول التي أرادت ذكر منظمة الصحة العالمية عن طريق ذكره لقرار آخر للجمعية العامة".
أما فيما يخص الأمين العام للأمم المتحدة وتقديمه تقريرا دوريا على مدى التزام الدول بالقرار، فقال "علينا أن نتذكر أن الأمين العام يقوم بذلك وبشكل دوري في تقاريره العادية حول الأوضاع المختلفة بحسب البلد، ومجلس الأمن يطلب منه أن تشمل تقاريره إحاطة حول وضع كورونا ومكافحته في الدول المختلفة".
إلى ذلك، يطالب القرار بالوقف العام والفوري للأعمال العدائية حول العالم، ويؤيد الجهود التي يبذلها في هذا الصدد الأمين العام للأمم المتحدة وممثلوه الخاصون. كما يهيب القرار "بجميع الأطراف في النزاعات المسلحة إلى الدخول الفوري في هدنة إنسانية تستمر تسعين يوما متتالية على الأقل، لكي يتسنى إيصال المساعدات الإنسانية في ظروف آمنة ودون عوائق وبشكل مستمر، ولتقوم الجهات المحايدة العاملة في المجال الإنساني بتقديم الخدمات المناسبة...ولتنفيذ عمليات الإجلاء الطبي وفقا للقانون الدولي".
ولا ينطبق الوقف العام والفوري للأعمال العدائية والهدنة الإنسانية على العمليات العسكرية التي تنفذ ضد تنظيم "داعش"، وتنظيم "القاعدة"، و"جبهة النصرة"، وبقية الأفراد والجماعات والكيانات المرتبطة بـ "القاعدة" أو "داعش" وأي من تلك الجماعات المدرجة على قائمة مجلس الأمن كتنظيمات إرهابية.
ويطلب القرار من الأمين العام "أن يساعد على التأكد من قيام جميع الجهات ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة، بما في ذلك أفرقة الأمم المتحدة القطرية، كل ضمن الولاية المنوطة به، بتسريع عملها في التصدي لجائحة كوفيد 19، مع التركيز بوجه خاص على البلدان المحتاجة، بما في ذلك البلدان التي توجد في حالات نزاعات مسلحة أو المتضررة من أزمات إنسانية".
ويطلب القرار من الأمين العام كذلك أن يوافي مجلس الأمن بمستجدات الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة للتصدي لجائحة كورونا في البلدان التي فيها صراعات ونزاعات مسلحة أو تلك المتضررة من أزمات إنسانية. كما يطلب منه أن يرصد كذلك أثر كورونا على قدرة عمليات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة على إنجاز مهامها. ومن المثير أن القرار لا يحدد فترة زمنية معينة، كما هي العادة بقرارات مشابهة، يقدم من خلالها الأمين العام تقريرا دوريا حول الموضوع. وهذا يعني أن تقارير فريقه حول مناطق مختلفة ستشمل رصدا لجهود الأمم المتحدة في هذا الصدد لكن لن تركز عليها لوحدها، وهو ما يقوم الأمين العام به أصلا قبل تبني القرار. واتباع هذه الآلية يجعل عملية الرصد والمتابعة من قبل المجلس "ضعيفة"، لأنه لا يوجد تركيز عليها لوحدها ولا توجد أموال مخصصة فقط للقيام بذلك.
ويطالب القرار الأمين العام بأن "يوعز إلى علميات حفظ السلام بأن تقدم الدعم، في حدود قدرتها والولايات المنوطة بها، إلى سلطات البلدان المضيفة، فيما تبذله من جهود لاحتواء الجائحة، ولا سيما لتيسير وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك إلى المشردين داخليا ومخيمات اللاجئين". كما "يعترف بالدور الحاسم الذي تقوم به المرأة في جهود التصدي لجائحة كوفيد ـ 19، وكذلك بالأثر السلبي غير المتناسب الناجم عن الجائحة ولا سيما أثر الجائحة الاجتماعي والاقتصادي على النساء والفتيات والأطفال واللاجئين والنازحين وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة".