مجاز سيزيف

02 اغسطس 2015
"عود ثقاب"، مصطفى يعقوب/ سورية
+ الخط -

يحتاج المرء كل صباح إلى معجزة صغيرة، كي لا يسقط عن الحافة. الحافة هي لعبة الرأسمالية المفضّلة. اللعبة الأربح لها، والطريق الأقصر بالطبع، ليصل قراصنة الدم والـ "بنكنوت"، إلى مرتبة إله الكون. نقول الكون ولا نقصد الأرض، بل الكون بكل شساعته التي لا تُتَصور.

سيجعل هذا رقعة أرضنا المتناهية الصغر مكاناً خطِراً للإقامة البشرية. (هذا إذا ارتكبنا الخطيئة، وجارينا نمط التفكير الإمبريالي، فأقصينا شركاءنا في الكوكب، من جميع الكائنات الأخرى).

لقد أَعلت الإمبريالية، كطريقة في التفكير والسلوك معاً، من مركزية الإنسان على حساب الطبيعة وكائناتها. ثم ذهبت إلى حقول الاختصاص، فقسّمت البشر والشعوب إلى مراتب، سيّدُها وأسماها هو نسْلها الأبيض.

قبل ذلك، قسّمت هذا النسل ذاته إلى طبقات، وأقامت بينهم وبين الآخرين حواجز هائلة من الباطون المسلح. حواجز، تبدو الآن قمةُ سيزيف القديمة بجوارها مجازاً مُستحقّاً.

قرون واللعبة/ الجريمة مستمرة، وفقط من أجل "الجديد" الذي هو إحدى تقنيات الإلهاء المعتمدة، يُجرى تلبيس الجسم، بين الحين والحين، بإكسسوارات براقة، تحت اسم تعديلات وتحسينات. فترِدنا هذه وتلك في طبعات مزيدة، لكن غير منقحة، كونها لا تمسّ الأصل والجوهر.

نحن قرّاء "الهوامش"، نقرأ، وهم قراء "المتروبول" يقرؤون، ولا تغيير حقيقي تحت الشمس.
هل هو قدر إغريقي إذن؟ سيقول بعض أحفاد ماركس كلا ويكتفون بها، بينما جدّهم رأى الأخطبوط ونبّه إلى همجيته وهو جنين في البيضة.

يكتفون لأن التغيير الجذري يحتاج إلى عمل دؤوب، بل قل اجتراح ملاحم، تحرص الإمبريالية ألا تحصل أصلاً، وإذا حصلت، سرعان ما تمتطي ظهرها، ليبقى الحال كما هو عليه. مع أنّ "كما هو عليه" تعني خلاصة وحيدة لا غير: - تأبيد الاستحواذ والإقصاء.

وحيدة لا غير: ـ أمام كل إمبريالي نهر من دماء الآخرين.

سيأتي شاعر ما، في هذا السياق، ويكتب في ليل مدينته الحارّ، بعد نفاد مشروبه وتبغه، عن "النتيجة" لا "السبب"، لا شكّاً بمهنيّته كشاعر، بل بداهةً لأنّ السبب هو شغل المفكّر لا الشاعر.

ربما يكون اسمه محمد أو ماريا أو بو أو فرناندو أو أشينوا. المهم النص لا الشخص.
سيشدّ أنفاساً يتسوّلها من أعقاب سجائره في المنفضة، ويكتب عن المتسولين، ثم يبصق بصقته الشعرية: "إنه كون رخيص"*.

سنغفر له إنزال الجليل إلى هذا الدرك، ونستدرك:
أجل، رخيص بفعل فاعل يا عزيزنا، بيد أننا سنكون أرخص لو بصقنا عليه!


* أحد الشعراء البرتغاليين، أخبرني بقصة فرناندو بيسّوا، عندما كتب هذا البيت من قصيدة صغيرة، قال: "كان مفلساً، وحين نقل البيت من المخطوطة، إلى آلته الكاتبة، بصَق". وقد قرأت في ما بعد القصيدة، ضمن قصائد أخرى، مترجمة عن الإسبانية، للشاعر المصري أحمد يماني.

المساهمون