في قلْبِ ميدان العتبة، أعْرَق ميادين القاهرة، وأكثرها ازدحاماً، وفي مواجهة العديد من معالم القاهرة الخديوية؛ يقعُ متحَف البريد الذي أنشِئ في أوائل القرن العشرين في عهد الملك، فؤاد الأول، والذي كان، كعادة ملوك أسرة محمد علي، مُهتمّاً بوضع القاهرة في مصاف العواصم العالميَّة، وقد تزامَن افتتاحُ المتحفِ مع إقامة مؤتمر البريد العالمي العاشر بالعاصمة المصرية سنة 1943.
كانت مصر (السلطنة المصرية آنذاك) أول من أصدر الطوابع في المنطقة العربية في عام 1855، وقد أصدرتها باللغة العربية، رغم أن البريد كان أوروبياً في البداية، ويملكه أوروبيَّان في مصر. كانت الطوابع، في البداية، تحمل صور الملوك والأمراء والولاة والحكام، ثم تطوَّرت لتحمل صور المعالم التاريخيَّة والأثريَّة والدينيَّة، والمناسبات القومية والشعبية.
المتحف، حالياً، مؤلف من قاعة واحدة مساحتها 543 متراً مربعاً تقع بالطابق الأول من مبنى البريد الإداري، ويلاحظ خلوُّ المكان من الزائرين. لعل ذلك يرجع إلى ضيق القاعة بالمعروضات التي يبلغ عددها حوالى 1254 قطعة، وعدم وجود مساحة كافية للمرور بينها، ورغم الأهمية التاريخية للمقتنيات التي مر على معظمها أكثر من مئة وخمسين عاماً مثل الملابس والأختام البريدية والطوابع القديمة.
يحكي المتحف ما دخل على كتابة الرسائل الشخصية والرسمية من تطور، منذ عهد الفراعنة حتى الآن، كما يحمل صور مؤسسي اتحاد البريد العام وصور مؤتمرات البريد الدولي ما بين عامي 1827 وحتى 1924. ويوجد بالمتحف، أيضاً، نماذج من المكاتبات الرسمية على الورق القديم السميك، وذي اللون الكابي بسبب مرور الزمن عليه.
في نهاية قاعة معروضات المتحف، توجد لوحة للهرم وأبي الهول مصنوعة من طوابع بريدية مختومة من أوقات مختلفة من مقتنيات الملك فاروق الخاصة من الطوابع. وبلغ عددها على اللوح حوالى 15 ألف طابع، واللوحة نفسها تم تصميمها على شكل طابع ضخم.
كان الملك فاروق الأول يهوى جمع الطوابع، وكانت كل إصدارات الطوابع الجديدة التي تخرج من المطابع كتجارب يؤخذ منها واحد يتم إهداؤه للملك فاروق. وبلغ شغف الملك بهوايته، أنه كان يحضر طباعة الطوابع بنفسه في كثير من الأحيان، وعندما غادر مصر منفياً من الضباط حرص على أن يأخذ معه مجموعة الطوابع الأقرب لقلبه.
كان البريد، أو "البوستة" كما يطلق عليها المصريون، ملكاً لبعض الأوربيين في مصر، وهما موتسي وتيتو كيني، وعندما مات الأخير اشترى الخديوي إسماعيل من موتسي البوستة. عرض الخديوي على موتسي وظيفة مدير عام البريد للاستفادة من خبرته في تسيير الشركة في البداية، ثم تم نقل ملكية البوستة الأوروبية إلى الحكومة المصرية يوم 2 يناير 1865 واعتبر هذا اليوم عيداً للبريد المصري وتاريخاً له.
في أوَّل عملها، ألحقت البوستة المصرية بوزارة الأشغال، ثم تنقَّلت بين عدد من الوزارات حتى انتهى بها المطاف إلى وزارة المالية. وفي عام 1867، صدر مرسوم وزع على جميع مكاتب البريد بجعل كسوة العاملين (اليونيفورم) إجبارياً، ولكل عامل كسوة للعمل وأخرى للحفلات الرسمية والتشريفات الملكية.