16 سبتمبر 2024
ما الجديد في تصريحات عبّاس؟
أنيس فوزي قاسم
خبير فلسطيني في القانون الدولي، دكتوراة من جامعة جورج واشنطن، رئيس مجلس إدارة صندوق العون القانوني للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين
ردّاً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن عزمه على ضم منطقة الأغوار والمستوطنات المقامة على الأرض الفلسطينية المحتلة في عام 1967 إلى إسرائيل، قال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إنه لن يقف مكتوف اليدين إذا ما نفّذت إسرائيل عملية الضم، وحدّد الخطوات التي سيتخذها، وهي أنه سيعتبر جميع الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل والولايات المتحدة "ملغاة كلياً". ينطوي هذا التصريح الرئاسي على مفاجأتين: تتعلق الأولى بالكشف، أول مرة (في حدود علمي) عن أن هناك اتفاقيات مع الولايات المتحدة، وتتعلق الثانية بعلم الرئيس عباس أن الضم وكأنه سيحدث في المستقبل، ولا يعلم أن الضم حصل منذ سنوات بعيدة، ولا سيما حين طرح الوزير الإسرائيلي، إيغال آلون، خطته في يوليو/ تموز 1967، وكانت الأغوار عماد تلك الخطة، وقد بدأ الضم منذئذٍ.
بشأن احتمال إلغاء الجانب الفلسطيني الاتفاقيات الموقعة مع الولايات المتحدة، سبقت التصريح في هذا الأمر المفاجأة الأهم، وهي ما ورد في خطاب الرئيس محمود عباس أمام مجلس الأمن (الدولي)، حين أعلن أن السلطة الفلسطينية قد وقعت "بروتوكولات مع 83 دولة"، ومن هذه الدول الولايات المتحدة. ويبدو أن موضوع هذه البروتوكولات هو ترتيبات أمنية، لأنه قالها، في معرض تمسّكه بمحاربة الإرهاب، ومن ثمّ على حسن سلوك السلطة الوطنية، (وكالة وفا 11/2/2020). وربما كان من المهم إيراد ملاحظتين على هذه المفاجأة، أُولاهما تتعلق
بالسرّية التي أحيطت بهذه العملية، ذلك أنه لم يصدر تصريح أو بيان رسمي، في وقت توقيع البروتوكولات، يشرح فيها الأسباب الموجبة لتوقيع هذه الاتفاقيات وماهية المواضيع التي تتضمنها. كذلك فإنه ليس واضحاً مَن الذي اتخذ القرار بالتوقيع، أهو الحكومة الفلسطينية أم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أم الرئاسة؟ وإذا كانت الأخيرة، فمن أين استمدت صلاحية التوقيع؟ ليس واضحاً في المؤسسة الفلسطينية من هو صاحب الولاية العامة. وتتعلق الملاحظة الثانية بحق الفلسطينيين أن يسألوا عن الالتزامات التي ترتبت عن التوقيع، وما الفوائد أو العوائد المتوقع أن تعود على الفلسطينيين من هذه الاتفاقيات. ظاهر الأمور يجيب عن الأسئلة بالنفي. ذلك أن الاستيطان لم يتوقف، وتزداد سرقة المصادر الطبيعية من مياه ومقالع وأراضٍ وغاز من ساحل غزة والبحر الميت، بكل ما فيه من أملاح وطين، شراسة، أي إننا نقدم خدمة في محاربة الإرهاب (بغضّ النظر عن تعريفه)، من دون أن يعود ذلك بالفائدة على القضية الوطنية.
أما إلغاء الاتفاقيات مع اسرائيل، فهو أمرٌ أشبه بقصة جدّاتنا وإبريق الزيت. فهي تهديداتٌ أدرك الإسرائيليون والأميركيون بالممارسة عدم جدّيتها، فهذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها الرئيس بإلغاء الاتفاقيات، وإن تنوعت الصيغ التي كانت تصدر فيها، فمرّة يهدّد الرئيس بحل السلطة (11 يوليو/ تموز 2006؛ و5 ديسمبر/ كانون الأول 2010، على سبيل المثال)، ومرّة ثانية يهدّد بالاستقالة وعدم الترشح للرئاسة (6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، على سبيل المثال)، وفي مرّة ثالثة، يُعلَن أن "جميع الخيارات مفتوحة" (1 يناير/ كانون الثاني 2012)، ولكنه يعود ويعلن أن خيار حل السلطة غير مطروح إطلاقاً (11 نوفمبر/ تشرين الثاني2011)، بل وارتقى بالأمر في إحدى مقابلاته
إلى أن التنسيق الأمني مع إسرائيل عمل "مقدّس" (لقاء مع شخصيات اقتصادية وأكاديمية في 28 مايو/ أيار2014). وهكذا تتذبذب مواقف الرئاسة بشأن الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وأدرك الخصم أن هذه التهديدات ليست جديّة، وأنها نوع من الحرب النفسية. وقد سئلت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، عن آثار ذلك التهديد، فقالت إن الولايات المتحدة تستطيع أن تتعامل مع أي رئيس جديد. وسئل نتنياهو عن رأيه في هذه التهديدات، فأجاب بأنها "مناورة". وبعد هذه السلسلة من المواقف المتردّدة، لماذا ستأخذ إسرائيل أو الولايات المتحدة تهديدات الرئيس محمود عباس هذه المرّة بجديّة؟!.
المفاجأة الكبرى الثانية أننا "نكتشف" أن إسرائيل "سوف" تضم الأغوار والمستوطنات، وكأن الأمر جاء فجأة ومن دون مقدمات. من الثابت والمعلوم أن من الوسائل التقليدية التي تتبعها إسرائيل في الضم والتوسع أنها تمدّ نطاق تطبيق قوانينها خارج حدودها المبينة في تلك الفترة، من دون أن تعلن صراحة أو ضمناً أنها تتوسع وتستعمر أراضي جديدة. وأفضل مثال على ذلك أنه بعد احتلالها القدس في أعقاب عدوان يونيو/ حزيران 1967، مدّت إسرائيل نطاق تطبيق قوانينها على منطقة القدس الشرقية، وذلك من دون أن تسمي ذلك "ضمّاً" أو "توسّعاً"، وأصدر البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) في 27/6/1967 "تعديلاً" لقانون إسرائيلي كان قد صدر في عام 1948 عدّل بموجبه المادة 11/ أ، بحيث نص التعديل على أنه "يسري قانون الدولة [الإسرائيلية]... على كل مساحة من أرض إسرائيل حدّدتها الحكومة في مرسوم"، من دون أن يعلن أنه يتوسع أو يضم، ومن دون أن يأتي على ذكر القدس. لكن "المرسوم" المذكور صدر بتوسيع حدود بلدية القدس الشرقية، وأصبحت القوانين الإسرائيلية نافذة في
المناطق التي حدّدها المرسوم. واتبعت هذه الطريقة في مناطق عديدة أخرى، وكانت تسمّى في الأدبيات القانونية والإعلامية غير الرسمية "الضم الفعلي" أو الواقعي. وحين يُعتاد ابتلاع المناطق الجديدة، تنتقل الحكومة إلى "الضم القانوني"، بحيث تصبح جزءاً من السيادة الإسرائيلية، كما حصل في القدس الشرقية، بحيث صدر قانون إسرائيلي، أخيراً، باعتبارها "عاصمة" للدولة في 30 يوليو/ تموز1980. (اتبعت إسرائيل هذا الأسلوب حين ضمّت المناطق المنزوعة السلاح طبقاً لاتفاقيات الهدنة، ولهضبة الجولان).
تنطبق هذه التطورات على ما جرى ويجري في منطقة الأغوار التي أخرجتها اتفاقيات أوسلو التي وقعها الرئيس محمود عباس من المنطقتين "A" و"B"، وظلت الأغوار التي تشكل نحو 30% من الضفة الغربية، في المنطقة "C" التي تكون تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل. وهي تضم 31 مستوطنة وسبع نقاط استيطانية. وكان عدد سكان الأغوار قبل الاحتلال يبلغ نحو 300 ألف، وعددهم حالياً 58 ألفاً، يعيش في وسطهم نحو 15 ألف مستوطن، يحميهم الجيش، ويسيطر هؤلاء على أهم مخزون مائي في الضفة الغربية، وهو المعروف بـ"الحوض الشرقي"، وتصل مقدرته إلى 180 مليون متر مكعب. والمستوطنون الذين هم الآن جزء من "السكان الأصليين"، حسب محكمة العدل العليا الإسرائيلية، يستنزفون ضعف ما يستنزفه المستوطن في مناطق أخرى خارج منطقة الأغوار، وذلك لأنهم يتوسعون في المزارع التي سرقوها من المزارعين الفلسطينيين تحت حماية الجيش، فما هي الأغوار التي اكتشفنا الآن أنها ستؤدي إلى إلغاء كل الاتفاقيات؟ لا جدال في أن إلغاء هذه الاتفاقيات خطوة مهمة وبداية موفقة، ولكن كان يجب أن يكون الإلغاء قد حصل قبل عشرين عاماً أو أكثر، أي حين ثبت للقيادة الفلسطينيين أن الإسرائيليين يتفاوضون بسوء نية، وأي مفاوضات تقوم على سوء نيّة، أي من الطرفين، مدعاة للانسحاب منها، مهما كانت النتائج.
ليس مؤكّداً أن تلغي القيادة الفلسطينية اتفاقياتها، لا مع إسرائيل ولا مع الولايات المتحدة، ذلك أنه كان من الأوْلى أن تتخذ القيادة الفلسطينية مثل هذه الخطوة، حين مارست الولايات المتحدة قرصنة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقلت سفارتها تأكيداً لاستخفافها بالقيادة الفلسطينية. لا بل كان الأوْلى بالقيادة إلغاء الاتفاقيات، حين سنّت إسرائيل قانون القومية الذي أعلن إلغاء فلسطين والفلسطينيين، ودشّن مرحلة تاريخية جديدة تؤسس لنظام الأبارتايد، تمارسه ليس على فلسطينيي الداخل فقط، بل كذلك على فلسطينيي الخارج. لا بل كان الأوْلى بالقيادة أن تتخذ خطواتٍ حاسمة، يوم أعلن شيخ الإمبريالية العالمية صفقة القرن التي لم تأتِ على ذكر "حقوق" الشعب الفلسطيني، ولو مرة واحدة، بل كان إعلان استباحة مطلق لكل ما يتعلق بفلسطين، أرضاً وشعباً.
لقد أذنت ساعة الحقيقة، وعلى القيادة الفلسطينية أن تمارس الشجاعة التي تتمثل في اتخاذ الموقف الحاسم، ومؤدّاه إن لم تكن قادرة على اتخاذ الموقف الصلب في الخروج من نفق اتفاقيات أوسلو والبروتوكولات المشبوهة، فعليها التنحّي وفسح المجال لقيادة منتخبة تعبّر عن طموح شعبٍ لا يزال يعشق النضال.
أما إلغاء الاتفاقيات مع اسرائيل، فهو أمرٌ أشبه بقصة جدّاتنا وإبريق الزيت. فهي تهديداتٌ أدرك الإسرائيليون والأميركيون بالممارسة عدم جدّيتها، فهذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها الرئيس بإلغاء الاتفاقيات، وإن تنوعت الصيغ التي كانت تصدر فيها، فمرّة يهدّد الرئيس بحل السلطة (11 يوليو/ تموز 2006؛ و5 ديسمبر/ كانون الأول 2010، على سبيل المثال)، ومرّة ثانية يهدّد بالاستقالة وعدم الترشح للرئاسة (6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، على سبيل المثال)، وفي مرّة ثالثة، يُعلَن أن "جميع الخيارات مفتوحة" (1 يناير/ كانون الثاني 2012)، ولكنه يعود ويعلن أن خيار حل السلطة غير مطروح إطلاقاً (11 نوفمبر/ تشرين الثاني2011)، بل وارتقى بالأمر في إحدى مقابلاته
المفاجأة الكبرى الثانية أننا "نكتشف" أن إسرائيل "سوف" تضم الأغوار والمستوطنات، وكأن الأمر جاء فجأة ومن دون مقدمات. من الثابت والمعلوم أن من الوسائل التقليدية التي تتبعها إسرائيل في الضم والتوسع أنها تمدّ نطاق تطبيق قوانينها خارج حدودها المبينة في تلك الفترة، من دون أن تعلن صراحة أو ضمناً أنها تتوسع وتستعمر أراضي جديدة. وأفضل مثال على ذلك أنه بعد احتلالها القدس في أعقاب عدوان يونيو/ حزيران 1967، مدّت إسرائيل نطاق تطبيق قوانينها على منطقة القدس الشرقية، وذلك من دون أن تسمي ذلك "ضمّاً" أو "توسّعاً"، وأصدر البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) في 27/6/1967 "تعديلاً" لقانون إسرائيلي كان قد صدر في عام 1948 عدّل بموجبه المادة 11/ أ، بحيث نص التعديل على أنه "يسري قانون الدولة [الإسرائيلية]... على كل مساحة من أرض إسرائيل حدّدتها الحكومة في مرسوم"، من دون أن يعلن أنه يتوسع أو يضم، ومن دون أن يأتي على ذكر القدس. لكن "المرسوم" المذكور صدر بتوسيع حدود بلدية القدس الشرقية، وأصبحت القوانين الإسرائيلية نافذة في
تنطبق هذه التطورات على ما جرى ويجري في منطقة الأغوار التي أخرجتها اتفاقيات أوسلو التي وقعها الرئيس محمود عباس من المنطقتين "A" و"B"، وظلت الأغوار التي تشكل نحو 30% من الضفة الغربية، في المنطقة "C" التي تكون تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل. وهي تضم 31 مستوطنة وسبع نقاط استيطانية. وكان عدد سكان الأغوار قبل الاحتلال يبلغ نحو 300 ألف، وعددهم حالياً 58 ألفاً، يعيش في وسطهم نحو 15 ألف مستوطن، يحميهم الجيش، ويسيطر هؤلاء على أهم مخزون مائي في الضفة الغربية، وهو المعروف بـ"الحوض الشرقي"، وتصل مقدرته إلى 180 مليون متر مكعب. والمستوطنون الذين هم الآن جزء من "السكان الأصليين"، حسب محكمة العدل العليا الإسرائيلية، يستنزفون ضعف ما يستنزفه المستوطن في مناطق أخرى خارج منطقة الأغوار، وذلك لأنهم يتوسعون في المزارع التي سرقوها من المزارعين الفلسطينيين تحت حماية الجيش، فما هي الأغوار التي اكتشفنا الآن أنها ستؤدي إلى إلغاء كل الاتفاقيات؟ لا جدال في أن إلغاء هذه الاتفاقيات خطوة مهمة وبداية موفقة، ولكن كان يجب أن يكون الإلغاء قد حصل قبل عشرين عاماً أو أكثر، أي حين ثبت للقيادة الفلسطينيين أن الإسرائيليين يتفاوضون بسوء نية، وأي مفاوضات تقوم على سوء نيّة، أي من الطرفين، مدعاة للانسحاب منها، مهما كانت النتائج.
ليس مؤكّداً أن تلغي القيادة الفلسطينية اتفاقياتها، لا مع إسرائيل ولا مع الولايات المتحدة، ذلك أنه كان من الأوْلى أن تتخذ القيادة الفلسطينية مثل هذه الخطوة، حين مارست الولايات المتحدة قرصنة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقلت سفارتها تأكيداً لاستخفافها بالقيادة الفلسطينية. لا بل كان الأوْلى بالقيادة إلغاء الاتفاقيات، حين سنّت إسرائيل قانون القومية الذي أعلن إلغاء فلسطين والفلسطينيين، ودشّن مرحلة تاريخية جديدة تؤسس لنظام الأبارتايد، تمارسه ليس على فلسطينيي الداخل فقط، بل كذلك على فلسطينيي الخارج. لا بل كان الأوْلى بالقيادة أن تتخذ خطواتٍ حاسمة، يوم أعلن شيخ الإمبريالية العالمية صفقة القرن التي لم تأتِ على ذكر "حقوق" الشعب الفلسطيني، ولو مرة واحدة، بل كان إعلان استباحة مطلق لكل ما يتعلق بفلسطين، أرضاً وشعباً.
لقد أذنت ساعة الحقيقة، وعلى القيادة الفلسطينية أن تمارس الشجاعة التي تتمثل في اتخاذ الموقف الحاسم، ومؤدّاه إن لم تكن قادرة على اتخاذ الموقف الصلب في الخروج من نفق اتفاقيات أوسلو والبروتوكولات المشبوهة، فعليها التنحّي وفسح المجال لقيادة منتخبة تعبّر عن طموح شعبٍ لا يزال يعشق النضال.
أنيس فوزي قاسم
خبير فلسطيني في القانون الدولي، دكتوراة من جامعة جورج واشنطن، رئيس مجلس إدارة صندوق العون القانوني للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين
أنيس فوزي قاسم
مقالات أخرى
23 يونيو 2024
09 مايو 2024
06 ابريل 2024