لم ينتظر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طويلاً بعد إعلان نظيره الأميركي دونالد ترامب، ليل أمس الخميس، انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ، ليرد عليه بسرعة في خطاب نقلته القنوات الفرنسية والعالمية مباشرة من قصر الإليزيه. وسبق ذلك، اتصال هاتفي مع ترامب، وصف مقربون من ماكرون أن الحوار خلاله كان "مباشراً" و"صريحاً".
ماكرون ألقى خطابه بالفرنسية وأيضا بالانكليزية في بادرة دبلوماسية لا سابق لها، وكان موجها في الدرجة الأولى إلى ترامب، ثم إلى بقية العالم والدول الـ194 التي وقعت على اتفاقية باريس.
وبدأ خطابه بتقييم سلبي وقاس لقرار ترامب، بالتراجع عن مقررات قمة المناخ، وقال "أعتبر أن ترامب ارتكب خطاً في حق مستقبل كوكبنا. نحن نتقاسم جميعا المسؤولية نفسها لنحافظ على عظمة كوكبنا"، معيدا بذلك صياغة شعار ترامب الانتخابي الشهير "لنحافظ على عظمة أميركا".
وكانت الرسالة الأولى في خطاب ماكرون، قراءة سياسية في خطاب ترامب باعتباره قرارا بالتراجع عن دور الريادة الأميركية للعالم، وتدشينا لعهد انعزالي أميركي، ذلك أن قضية المناخ ومحاربة الاحتباس الحراري قضية سياسية بالدرجة الأولى، وتهم كل بلدان العالم الصغيرة والكبيرة والقوية والضعيفة، لكونها قضية مصيرية تتعلق بمستقبل البشرية وليست فقط حزمة من الإجراءات البيئية والاقتصادية.
غير أن النقطة الجوهرية في خطاب ماكرون، هي الرسالة الحازمة التي وجهها إلى ترامب قائلا "ليست هناك خطة باء بديلة عن مقررات قمة باريس للمناخ، ولن تكون هناك أي مفاوضات حولها"، بمعنى أن فرنسا لن تتراجع أبدا عن مقررات قمة المناخ، ولن تتفاوض حولها حسب ما يرغب في ذلك ترامب، الذي دعا في خطابه إلى إقرار معاهدة جديدة "تصب في مصلحة أميركا".
وهذه رسالة موجهة أيضاً لكل الدول التي وقعت على اتفاقية المناخ، بعد جهود عسيرة لكي تبقى على التزاماتها ولا تسير على خطى واشنطن.
وبالفعل، وصلت الرسالة بسرعة، وبعد وقتٍ قصير من نهاية خطاب ماكرون، انضمت ألمانيا وإيطاليا إلى فرنسا إلى الموقف الفرنسي، ليتبلور بذلك موقف أوروبي موحد ضد القرار الأميركي.
واقتنص ماكرون فرصة الانسحاب الأميركي من التزامات قمة باريس للمناخ، ليواصل فرض نفسه في استعراض قوة مفاجئ في الساحة الدبلوماسية الدولية، كمحاور أساسي لا يتردد في أخذ زمام المبادرة بسرعة.
ولم يخف على المراقبين أن خطابي ترامب وماكرون بديا كلقطتين متتاليتين في مشهد واحد يجمع بين الرجلين، ففي معرض تبريره لقرار التراجع عن قمة باريس، قال ترامب "لقد انتُخِبتُ لتمثيل سكان مدينة بيتسبورغ وليس باريس"، وكأنه يخاطب ماكرون، الذي استخدم في المقابل شعار ترامب الانتخابي وأفرغه من محتواه.
واللافت أن صحيفة "واشنطن بوست" كشفت، اليوم الجمعة، أن قرار ترامب بالانسحاب من قمة باريس للمناخ، قد يكون مرده بكل بساطة إلى المصافحة "العنيفة" مع ماكرون خلال لقائهما الأول في قمة بركسيل، والتي أبقى خلالها ماكرون على قبضته مشدودة في يد ترامب ضاغطا عليها، ما جعل هذا الأخير يشعر بامتعاض شديد، حسب الصحيفة الأميركية.
وبعيدا عن ذلك، يبقى أن حرص ماكرون على الدفاع بهذه الشراسة عن قمة باريس للمناخ ومقرراتها، يندرج أيضا في إطار الدفاع عن فرنسا التي جاهدت خلال سنوات طويلة من أجل إنجاح هذه القمة، وسعت بكل قواها رغم الصعاب الكبيرة، إلى التوصل إلى حد أدنى من التفاهمات من أجل صيانة الكرة الأرضية، واحتواء التلوث البيئي والاحتباس الحراري في العقود القادمة.
وقد تكون هذه القمة هي الإنجاز الوحيد الذي حققه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، الذي خرج عن الصمت السياسي ونشر بيانا مقتضباً، ليل الخميس، اعتبر فيه أن "ترامب تخلى عن المستقبل" وأن قراره "كارثي"، داعيًا بلدان العالم إلى التمسك بقرارات قمة المناخ.