02 نوفمبر 2024
ترامب... عنفية الخيار الأميركي
هل رأيتم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الأسابيع الأخيرة؟ هل رأيتم كيف جال في الشرق الأوسط وأوروبا، قبل إعلان انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، الموقّعة عام 2015؟ فعل كما يفعل أي رجل أعمال. جاء إلى الشرق الأوسط. باع منتجاته. مرّ على أوروبا، مبعداً بطريقة عنيفة رئيس وزراء مونتينيغرو، دوسكو ماركوفيتش، من أمامه. وكآتٍ من شوارع هارلم والبرونكس في ولاية نيويورك، توجّه إلى زعماء وقادة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بالقول "أنتم لا تفعلون اللازم. ادفعوا ما عليكم لجعل الأطلسي أقوى". ولم يكد يعود إلى بلاده، حتى أعلن عن "مشاركة" الولايات المتحدة في تأجيج الاحتباس الحراري، بالانسحاب من اتفاقة المناخ. لا يكترث ترامب في تأمين بدائل للطاقة، ولا يبالي بالحدّ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، ويهتم باحتواء الاحترار العالمي إلى أقل من درجتين.
يدرك هذا الرجل أنه لن يُنتخب ثانية، فما فعله في أقلّ من خمسة أشهر في عهده، لم يفعله قط أي رئيس أميركي سابق. لن تكون الولاية الثانية متاحة حتى الآن. ربما قد لا يكمل الأولى. "عفويته"، إن جاز التعبير، قاتلة، وتؤكد أن دور الولايات المتحدة، باعتبارها دولة عظمى، مخيف. وسبق أن قال أحد أبرز الناقدين الاجتماعيين، الكوميدي الراحل، جورج كارلين، إنه "في الولايات المتحدة، أي أحد بوسعه أن يكون رئيساً. هذه هي المشكلة". أي أحد يملك المال يمكنه التقدّم إلى الصفوف الرئاسية في البلاد والسكن في البيت الأبيض. لكن، هل يكفي ذلك؟
يقول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن "ترامب يسير في تيار السياسة الأميركية التقليدية". يُعتبر هذا القول مدخلاً لتأويلاتٍ عدة: هل أن ترامب يطبّق ما يريده حماة هذا التيار، على الرغم من "عفويته" واستقلاليته؟ وهل يعني ذلك أن منافسته، هيلاري كلينتون، أو حتى منافسها بيرني ساندرز، كانا سيخضعان لهذا التيار بالذات؟ وفي حال أن الأمر كان كذلك، هل يعني هذا أن حرّاس السياسة التقليدية باشروا عملية انتقالية عنيفة، تدفع الولايات المتحدة إلى تبنّي خيارات معيّنة، غير شعبية محلياً وعالمياً، وتمّ توكيل أمر تنفيذ هذه المهمة إلى شخصٍ يدرك أنّ لا شيء لديه ليخسره، ولا يعنيه مستقبلٌ ما، بقدر ما تعنيه الشهرة والأضواء، كترامب؟ وإذا أدرجنا هذا الأمر في سياق "نظرية المؤامرة" أو "السيناريوهات الخيالية"، لماذا تتمّ الموافقة الضمنية على خيارات الرئيس الأميركي، في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وتأخير خطوات محاسبة ساكن البيت الأبيض؟ هل يندرج ذلك في إطار "تأمين المرحلة الانتقالية، قبل المحاسبة، على أن يكون ترامب فقط كبش محرقة، من دون الرجوع عن الخيارات المتبنّاة"؟
في كل تلك الحالات، بتنا فعلياً أمام أميركا جديدة، قد لا تكون عظيمةً وفق مفهومنا، لكنها مختلفة ومتغيّرة، فأي محاولةٍ لاحقة لتغيير ما فعله ويفعله وسيفعله ترامب ستتطلّب مدى زمنياً واسعاً. ما يعني أن كل ما يقوم به حالياً يخدم سياق العملية الانتقالية للخيارات. ولا يعني هذا أن دور الولايات المتحدة سيتراجع أو سيأفل، ذلك لأن البلاد القائمة أساساً على نظامٍ صلبٍ مالياً وسياسياً، والمدعوم بسياسة عسكرية متصاعدة، لن تُهزم أو تضعف سوى بضرب أسس هذا النظام، لا بإبعاد ترامب، وهو أمرٌ صعبٌ للغاية. بالتالي، فإن كل ما يمكن تمنّيه أن يُسرع الكونغرس بإجراءات إقالة ترامب، أو كبح جماحه في الاتفاقيات العالمية والمحلية، سواء في دفعه إلى التراجع عن الانسحاب من اتفاقية المناخ، أو في إنهاء ملف منع التأشيرات عن مواطني ست دول إسلامية. فلا يُمكن إسقاط ترامب سوى من الداخل، لا من الخارج. وكل ما يمكن لأوروبا والعالم فعله هو الانتظار والضغط فقط. فأميركا قوية، بترامب ومن دونه. والأهم أن كل المسارات الاستراتيجية الأميركية، على الرغم من الضجيج الداخلي المحدود، مؤيدة لترامب حتى الآن.
يدرك هذا الرجل أنه لن يُنتخب ثانية، فما فعله في أقلّ من خمسة أشهر في عهده، لم يفعله قط أي رئيس أميركي سابق. لن تكون الولاية الثانية متاحة حتى الآن. ربما قد لا يكمل الأولى. "عفويته"، إن جاز التعبير، قاتلة، وتؤكد أن دور الولايات المتحدة، باعتبارها دولة عظمى، مخيف. وسبق أن قال أحد أبرز الناقدين الاجتماعيين، الكوميدي الراحل، جورج كارلين، إنه "في الولايات المتحدة، أي أحد بوسعه أن يكون رئيساً. هذه هي المشكلة". أي أحد يملك المال يمكنه التقدّم إلى الصفوف الرئاسية في البلاد والسكن في البيت الأبيض. لكن، هل يكفي ذلك؟
يقول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن "ترامب يسير في تيار السياسة الأميركية التقليدية". يُعتبر هذا القول مدخلاً لتأويلاتٍ عدة: هل أن ترامب يطبّق ما يريده حماة هذا التيار، على الرغم من "عفويته" واستقلاليته؟ وهل يعني ذلك أن منافسته، هيلاري كلينتون، أو حتى منافسها بيرني ساندرز، كانا سيخضعان لهذا التيار بالذات؟ وفي حال أن الأمر كان كذلك، هل يعني هذا أن حرّاس السياسة التقليدية باشروا عملية انتقالية عنيفة، تدفع الولايات المتحدة إلى تبنّي خيارات معيّنة، غير شعبية محلياً وعالمياً، وتمّ توكيل أمر تنفيذ هذه المهمة إلى شخصٍ يدرك أنّ لا شيء لديه ليخسره، ولا يعنيه مستقبلٌ ما، بقدر ما تعنيه الشهرة والأضواء، كترامب؟ وإذا أدرجنا هذا الأمر في سياق "نظرية المؤامرة" أو "السيناريوهات الخيالية"، لماذا تتمّ الموافقة الضمنية على خيارات الرئيس الأميركي، في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وتأخير خطوات محاسبة ساكن البيت الأبيض؟ هل يندرج ذلك في إطار "تأمين المرحلة الانتقالية، قبل المحاسبة، على أن يكون ترامب فقط كبش محرقة، من دون الرجوع عن الخيارات المتبنّاة"؟
في كل تلك الحالات، بتنا فعلياً أمام أميركا جديدة، قد لا تكون عظيمةً وفق مفهومنا، لكنها مختلفة ومتغيّرة، فأي محاولةٍ لاحقة لتغيير ما فعله ويفعله وسيفعله ترامب ستتطلّب مدى زمنياً واسعاً. ما يعني أن كل ما يقوم به حالياً يخدم سياق العملية الانتقالية للخيارات. ولا يعني هذا أن دور الولايات المتحدة سيتراجع أو سيأفل، ذلك لأن البلاد القائمة أساساً على نظامٍ صلبٍ مالياً وسياسياً، والمدعوم بسياسة عسكرية متصاعدة، لن تُهزم أو تضعف سوى بضرب أسس هذا النظام، لا بإبعاد ترامب، وهو أمرٌ صعبٌ للغاية. بالتالي، فإن كل ما يمكن تمنّيه أن يُسرع الكونغرس بإجراءات إقالة ترامب، أو كبح جماحه في الاتفاقيات العالمية والمحلية، سواء في دفعه إلى التراجع عن الانسحاب من اتفاقية المناخ، أو في إنهاء ملف منع التأشيرات عن مواطني ست دول إسلامية. فلا يُمكن إسقاط ترامب سوى من الداخل، لا من الخارج. وكل ما يمكن لأوروبا والعالم فعله هو الانتظار والضغط فقط. فأميركا قوية، بترامب ومن دونه. والأهم أن كل المسارات الاستراتيجية الأميركية، على الرغم من الضجيج الداخلي المحدود، مؤيدة لترامب حتى الآن.