ماضي القنطار وحاضره

05 يناير 2016

سمير القنطار يقدم كتاب سيرته إلى بشار الأسد

+ الخط -
في روايته الوثائقية التي دوّنها حسان الزين، معتمداً على مذكرات سمير القنطار في سجنه، يحمِّلُ السرد القنطار كلَّ صفات القائد المغوار التي قرأنا عنها في القصص، وشاهدناها في الأفلام. صبَّ الزين في شخصية الفتى اليافع سمير القنطار خصال الحكمة والجسارة والتفاني وحب الوطن كاملةً، واستغرق هذا المديحُ الروايةَ من بداياتها وحتى يوم تحريره من الأسر، وختام المدونة.
يتمتع الطفل ذو السبعة عشر ربيعاً بإحساسٍ عال، وبديهةٍ حاضرة، فنجده، في وصف عملية نهاريا يتوقع كل حركة يمكن أن يقوم بها العدو، قبل حدوثها، فينبه أصدقاءه في أثناء اقتراب الخطر، ومن يتهور من دون أن يلقي بالاً لتعليمات القنطار تكون نهايته محتومة. يستشرف القنطار من أين سيأتي العدو في كل خطوة، ويتوقع، بسهولة فريدة، خطتهم في حصاره مع زميليه، لكنه يبرر وقوعه بالأسر بحجةٍ تشبه المثل "الكثرة تغلب الشجاعة"، فيُقتاد أسيراً إلى السجن، بعد أن يُبدي دهاء وشجاعة استثنائيين، في أثناء دورات استجوابه.
تتضارب المعلومات عن عدد الإسرائيليين الذين قتلهم سمير ورفاقه في عملية نهاريا في الرواية، مع ما صرّح به هو نفسه على تلفزيونات وصحف لبنانية وإسرائيلية، ليتسق سرد الرواية مع شخصية البطل المغوار الذي يوقع بالعدو أكبر عدد من الضحايا، بينما تبقى الاعترافات الرسمية وأمام الشاشات أمراً آخر. بعد خروجه من المعتقل، في صفقة تبادل أجراها حزب الله مع إسرائيل، عاد ذو السادسة والأربعين عاماً على هيئة جنديٍ وفيٍّ للحزب، وشوهد حاضراً في خطابات عديدة لنصر الله. وعندما اقتضى "الواجب" ذهاب القنطار إلى سورية لقتال "أعداء الله" أسرع إلى هناك، واتخذ من منطقة جرمانا، ذات الأغلبية الدرزية، مركزاً لعملياته الحربية.
تقع جرمانا في الطرف الجنوبي من دمشق، وليس فيها قوى مسلحة باستثناء قوات النظام، لكن القنطار حاول هناك أن يستفيد من خلفيته الدينية، لإقناع إخوته من أبناء بني معروف بالانضمام إلى مليشيا الدفاع الوطني. لم يعرف كثيرٌ منا مكان وجوده بالضبط في سورية، لأنه كثير التنقلات، لكن الطائرة الصهيونية التي قذفت خمس صواريخ، ضمن مهمة محددة، علمت مكان اجتماعه مع قياداتٍ سوريةٍ ومليشياوية طائفية، وأردته معهم قتيلاً خلال دقائق. لم ينفع القنطار حدسُه، هذه المرة، فلم يرصد طائرة العدو!.. ولم يستخدم دهاءه المعتاد، حتى يميز الخبيث من الصالح بين زملائه، ويكتشف الخائن الذي أعلم إسرائيل مكان الاجتماع وزمانه، فقضى نحبه، بعد أن اجتهد في أثناء وجوده في سورية ليسقط كلمة بطل أو شهيد من سيرته الذاتية التي سيكتبها السوريون عنه. وختم حياته الشاقة ببضع تعازٍ، وكلمات خصصها له حسن نصر الله في خطابٍ ظهر فيه هادئاً ورزيناً.
بدأ نصر الله مناسبة النعي بفتح ملفات ملحة، منها ما هو قريب جغرافياً ومنها شاسع البعد، حتى وصل إلى حدود نيجيريا. واختتم الظهور التلفزيوني بفقرة مديدة تحدث فيها عن حصار مالي وإعلامي تحاول أميركا فرضه على كل ما يمت لحزبه (أو لطائفته) بصلة، وطالب حكومة بلاده بالوقوف في وجه الإملاءات الغربية والأميركية. لم ينس "السيد" تذكير مؤيديه بتاريخ الطائفة وشهيدها الأبدي، وبمجرمي التاريخ الذين ماتوا وهم أعداء لله والإنسانية، وفق خطاب طائفي، ينسجم مع هيكلية الحزب الأساسية وطبيعة بنيته. واستغلَّ خطابَه، المخصص لسمير القنطار، ليثبت براءة حليفته إيران من كل ما تُتهم به، ودلل، في طريقه، على نصاعة ملفها النووي، معتمداً على تقارير دولية. لَوَّن علمُ إيران خارطةَ فلسطين الموجودة خلفه في أثناء الخطاب، وتوسطتها صورة المغدور القنطار، لتأكيد الارتباط الوثيق بين المكونات الثلاثة. وبينما تحاشى "السيد" ذكر اسم المدينة التي قُتل فيها القنطار، استعار جملة مكررة لحليفه بشار الأسد، فقال "إن الرد على إسرائيل سيكون في المكان والزمان (وأضاف لهما الطريقة) التي يراها الحزب مناسبة"، في عبارة ممجوجة، طوى بها ملف إنسان كان في عيوننا شهيداً حياً، ومات معتدياً.