كشفت المعلومات الأمنية أن كمية ضخمة من مادة "نترات الأمونيوم" كانت موجودة منذ سنوات عدة في مستودع، سبّبت انفجاراً مدوياً في مرفأ المدينة، الثلاثاء، والذي أدى إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى، وسبّب أضراراً مادية كبيرة. أمام هول الفاجعة، يتساءل كثيرون عن خطورة هذه المادة الكيميائية وآثارها السلبية على الصحة العامة.
وتشير الباحثة في مجال تلوث الهواء، الأستاذة في مادة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتورة نجاة صليبا، إلى أن الدخان الناتج من الانفجار يحتوي على الكثير من الجسيمات والغازات السامة مثل ثاني أكسيد النتروجين (NO2) وبعض الجسيمات الدقيقة التي ستبقى تتفاعل في الهواء لفترة من الوقت.
وتقول صليبا لـ "العربي الجديد"، إن المضاعفات الصحية لهذه المواد ترتكز على صعوبة في التنفس، وتهيج في العين والجلد. ويعتبر الأطفال وكبار السن الأكثر عرضة لهذه الآثار. وتنصح صليبا باتخاذ بعض الإجراءات الوقائية، ومنها: غسل اليدين والوجه والجلد المكشوف بالماء والصابون عدة مرات خلال النهار، تنظيف جميع الأسطح الداخلية في المنزل باستخدام مناشف مبللة لإزالة الجزيئيات وعدم تشتتها في الهواء، ثم تجفيف هذه الأسطح، إذ إن مادة ثاني أكسيد النتروجين تتفاعل مع الأسطح الرطبة، ارتداء أقنعة خاصة عند تنظيف الغبار والخروج من المنزل، ارتداء قفازات سميكة لحماية اليدين من رذاذ الزجاج، ورشّ الشرفات بالمياه، ما يساعد على ترسّب الجسيمات بشكل أسرع، كذلك توصي بأهمية انتقال المسنين والأطفال إلى مكان بعيد عن موقع الانفجار، وباستخدام مزيل الرطوبة في المنازل للحد من إمكانية تكوّن مادة حمض النيتريك في الداخل، واستخدام المكنسة الكهربائية وليس المكنسة العادية لإزالة الغبار وقطع الزجاج.
من جهة أخرى، يشرح مدير المختبرات في معهد البحوث الصناعية، الدكتور جوزف متى، لـ"العربي الجديد" أن مادة نترات الأمونيوم تستخدم في المجال الصناعي، وأن انفجار هذه المادة يولّد مواد ملوثة ومكونات كيميائية في الهواء. وتؤثر هذه المواد في العين والجلد، وتسبب مشاكل في الرئة، وخصوصاً عند الأشخاص الذين يعانون من مشاكل تنفسية والربو. ويضيف أنه لا تتوافر حتى الآن معطيات عن كثافة هذه المواد في الهواء في لبنان وتمركزها، ولا يمكن تحديد مواقعها، غير أنّ من المؤكد أنها موجودة في الهواء.
لذا، ينصح المتحدث المواطنين ببعض الإجراءات الوقائية، ومنها ارتداء الكمامة التي تحدّ من اختراق هذه الغازات للشخص، والتزام المنازل من دون إثارة حالات الذعر والريبة، وعدم التجول إلا في الحالات الضرورية. ويشير متى إلى أن اللجوء إلى تشغيل المكيفات في المنازل يساعد في الحد من دخول هذه المواد وفلترتها، مع أهمية إقفال الشبابيك والأبواب.
من جهته، يقول الباحث في الفيزياء وتكنولوجيا النانو في المعهد العالي للفيزياء بباريس، الدكتور وسيم جابر، إنّ لمادة نترات الأمونيوم استخدامات عدة، ومنها أسمدة للزراعة، إذ إنها غنية بمادة النيتروجين، ويمكن أن تستخدم في صناعة المتفجرات. ويسبب انفجار هذه المادة تكوّن سحب تحتوي على مواد كيميائية منبعثة، مثل نترات الصوديوم وحمض النيتريك، تضر بصحة الرئتين في حال استنشاقها، لكونها مواد حارقة وسامة.
ويشير جابر في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى وجود احتمال ضئيل بتساقط أمطار حمضية ناجمة عن هذه المواد الكيميائية المنبعثة في حال توافر العوامل المناخية. وفي حال حصول ذلك، يجب عدم التعرض لهذه الأمطار والابتعاد عنها لخطورتها واحتوائها على مواد سامة. ويشدد جابر على ضرورة وضع الكمامات للحد من تنشق المواد الكيميائية وعدم التعرض لها، والابتعاد قدر الإمكان عن موقع الانفجار للوقاية من المضاعفات الصحية لهذه المواد الكيميائية.
أما عن الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى تفجير مادة نترات الأمونيوم، فيذكر جابر سببين: إما تعرض هذه المادة لدرجة حرارة تفوق 210 درجات حرارة مئوية ما يؤدي إلى تفككها وتحللها، أو تعرضها لصدمة انفجارية ناجمة عن ضغط حراري عالٍ. تفجير 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم يوازي تفجير 687 طناً من مادة TNT من حيث قوة الانفجار.
ويشير الخبير في تلوث الهواء بجامعة القديس يوسف، وهبة فرح، إلى أن الأجهزة المحمولة لقياس ملوثات الهواء التي تمتلكها الجامعة سجلت بعض المقاييس في ضواحي مدينة بيروت، وليس في المدينة، وتشير النتائج إلى أن المعدل بالساعة لمادة "NO2" هو أقل من المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية، أما المعدل السنوي لهذه المادة فهو أعلى من المسموح به.
وأضاف فرح أن "الغيمة الناجمة عن الانفجار تحتوي على مواد ملوثة، وتجب دراسة اتجاه حركة الهواء لمعرفة مسار هذه المواد، وستتلاشى هذه الملوثات بعد فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز أياماً، وأنصح المواطنين بارتداء الكمامات. أجهزة قياس تلوث الهواء التابعة لوزارة البيئة معطلة، وكان يمكن الاستفادة منها لقياس دقيق على مدار الساعة لتلوث الهواء في منطقة بيروت وضواحيها".