ماذا لو طبّق اتفاق الدوحة النفطي؟

29 فبراير 2016
انخفاض أسعار النفط (Getty)
+ الخط -
توصل وزراء النفط في كل من قطر، السعودية، روسيا وفنزويلا إلى اتفاق أولي في الدوحة لتجميد إنتاجهم من النفط عند مستويات شهر يناير/ كانون الثاني الماضي. في البداية، استجابت أسواق النفط العالمية بشكل إيجابي للأخبار، مع ارتفاع خام غرب تكساس، وبرنت إلى مستوى الـ 30 و34 دولاراً على التوالي. ولكن سرعان ما تحول تركيز الأسواق إلى القيود التي قد تعيق تنفيذ الاتفاق. فلا العراق ولا إيران، وكلاهما منتج رئيسي، أبدى حماسة جدية لاتفاق تجميد الإنتاج، مع خروج تصريحات متناقضة في هذا الإطار. ليصرح وزير النفط السعودي، بعد ذلك، بأن التجميد لا يعني خفض حجم الإنتاج... علاوة على ذلك، فقد رسخ التجميد عند مستويات الإنتاج لشهر يناير/ كانون الثاني الماضي فائضاً بواقع مليون برميل يومياً دون أي تدابير فعالة قادرة على مراقبة الإنتاج، ودون أن يشمل شركات نفط عملاقة في أميركا الشمالية.

انخفاض الأسعار

في ظروف السوق الحالية، قد تخشى معظم البلدان الرئيسية المنتجة للنفط مزيداً من الانخفاض في أسعار النفط الخام أكثر مما تتأمل ارتفاعه، وهو ما دفعها، بما في ذلك إيران، إلى الترحيب بداية برغبة السعوديين في تجميد الإنتاج عند مستويات يناير/كانون الثاني 2016. إذ إن عدداً قليلاً من هذه الدول يملك القدرة على زيادة الإنتاج بشكل يفوق المستويات المتحققة خلال عام 2015. وما لبث أن انقلب الخطاب الإيراني بعد أيام قليلة، ليعتبر وزير النفط الإيراني أن اتفاق التجميد "مزحة"... ولكن هل مصلحة إيران الاقتصادية تتوافق مع التعنت هذا؟ وماذا لو طبق اتفاق الدوحة النفطي؟

تمتلك السعودية والكويت القدرة على إنتاج مليوني برميل، و150 ألف برميل إضافي يومياً، على التوالي، إلا أن إنتاج كل ما تبقى من هذه الدول، تقريباً، قد بلغ مستويات قياسية في عام 2015 سعياً منهم للحد من الأضرار التي لحقت بعائداتها النفطية المتهاوية. تبعاً لذلك، قد تكون هذه الدول في وضع صعب من أجل الحفاظ على قدراتها الإنتاجية العالية على افتراض بأنها ستقوم بتقليص إنفاقها المخصص لصيانة حقول النفط وحفر آبار جديدة بغية توفير التمويل اللازم لاحتياجات أكثر إلحاحاً.
بالنسبة للسعودية، فإن تجميد الإنتاج جاء عند مستوى أعلى بكثير مما كان عليه العام الماضي. ففي السنوات الثلاث التي سبقت عام 2015، بلغ متوسط الإنتاج السعودي نحو 9.4 ملايين برميل يومياً، في حين زاد متوسط الإنتاج إلى 10.2 ملايين برميل يومياً في عام 2015، حيث بلغ ذروته في يونيو/حزيران الماضي عندما تجاوز 10.5 ملايين برميل يومياً. إن هذه الأرقام، والتي تشتمل على مليوني برميل إضافي كطاقة إنتاجية متاحة بسهولة ونحو 800 ألف برميل يومي من الإنتاج الإضافي مقارنة مع سنوات سابقة تضع السعوديين في موقف تفاوضي قوي، وتمنحهم الوسيلة لفرض اتفاق تجميد الإنتاج. في الواقع، إن قدرة السعوديين، إذا لزم الأمر، على رفع الإنتاج فوق مستوى 10.2 ملايين برميل يومياً يمكن أن يكون عاملاً رادعاً قادراً على إلزام الدول المنتجة الأخرى بسقف الإنتاج المتفق عليه، والحد من ارتفاع أسعار النفط الخام، ما يُضعف قدرة هذه الدول على التوسع في الإنتاج.
ينطبق ذلك على روسيا والعراق وإيران. فقد تحتج إيران على قيام السعودية وغيرها من أعضاء أوبك بالسيطرة على حصصها من مبيعات النفط في أوروبا وآسيا بعد أن فرضت الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية عليها في عام 2012، وتأكيدها في أكثر من مناسبة بأنها لن تقبل تجميد إنتاجها إلى أن تستعيد حصتها التي فقدتها في هذه الأسواق. مع ذلك، فمن دون التزام السعوديين بتقييد الإنتاج، سيكون من الصعب على إيران جذب استثمارات كبيرة إليها في المستقبل المنظور.
وفي السياق ذاته، أعلنت شركة "ترانسنفت" الروسية في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، والتي تحتكر خطوط أنابيب النفط الروسي، أنه بناء على أعمال الصيانة المزمع القيام بها على خطوط الأنابيب فإن صادرات النفط الروسية في عام 2016 من المتوقع لها أن تنخفض بواقع 370 ألف برميل يومياً، ما يسمح للسعوديين بضخ المزيد من الإمدادات تعويضاً لهذا النقص.
هذا التناغم النسبي الأخير في العلاقات النفطية الروسية السعودية قد يجعل العراق وبلداناً أخرى أكثر استعداداً من أي وقت مضى لخفض إنتاجهم، اعترافاً منهم بأثره الإيجابي على الأسعار مع مرور الوقت.
إن اتفاق تجميد الإنتاج قد يبدو نقطة انطلاق أساسية، ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي الاتفاق إلى خفض الإنتاج وإعادة بناء الثقة المفقودة بين المنتجين الرئيسيين، ما قد يُسهم في إعادة الاستقرار إلى سوق النفط العالمية.
(محلل اقتصادي أردني)

أقرأ أيضاً:النفط وتخمة المعروض