ماذا لو أُدينت روسيا بإسقاط الطائرة الماليزية؟

20 يوليو 2014
أهالي الضحايا في كولالامبور (خيري صفوان/getty)
+ الخط -

ثمة من يرى في إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية فوق أوكرانيا عملاً مدبراً يهدف إلى تضييق الخناق على روسيا، وحشد قوات أميركية على حدودها مباشرة. لكن إجراءات من هذا القبيل تحتاج إلى إثبات تورط الكرملين في الحادثة.

لا يكفي مجرد الاتهام وحشد الرأي العام العالمي. لكن في ظل وجود حوادث تاريخية مشابهة، استُخدمت فيها القوة دون وجه حق، فان موسكو تبقى في دائرة الاتهام، والطريق إلى الحقيقة يمرّ عبر حلفاء كييف، وأعداء موسكو الافتراضيين، فماذا بيد الكرملين؟

أسئلة بانتظار إجابات

نقلت وكالة "إيتار تاس" أسئلة نائب وزير الدفاع الروسي، أناتولي أنطونوف، التالية:" سلطات أوكرانيا حددت خلال لحظة المسؤولين عن الحادثة، فمن وجهة نظرها الانفصاليون فعلوا ذلك، فما الأساس الكامن وراء هذا الاستنتاج؟

هل يمكن لكييف أن تخبرنا عن تفاصيل استخدام صواريخ "بوك" في منطقة العمليات، ولماذا هذه المنظومات نُشرت هناك طالما ليس لدى المقاتلين طائرات؟ وما هي أسباب عدم تحرك سلطات كييف لتشكيل لجنة دولية، ومتى ستتحرك في هذا المنحى، وهو ما ينتظره المجتمع الدولي برمته؟ ثم، هل الجيش الأوكراني جاهز ليقدّم للخبراء الدوليين وثائق حول استخدام صواريخ جو ـ جو وأرض ـ جو الأوكرانية المسجّلة في وثائق الدفاع الجوّي، يوم الحادثة؟

هذا مهم لمعرفة السلاح الذي أُسقطت به الطائرة. وهل ستقدّم معلومات عن حركة الطيران الأوكراني في منطقة الحادثة؟ وبعد، لماذا سمح مراقبو الطيران الأوكرانيون بانحراف الطائرة باتجاه الشمال، نحو ما يسمى بعملية مكافحة الإرهاب؟ ولماذا لم تُغلق الأجواء أمام الطيران المدني فوق أرض العمليات القتالية؟ ولماذا بدأ مجلس الأمن والدفاع الأوكراني بحث اتصالات مراقبي الطيران دون وجود ممثلين دوليين؟ وأخيراً، هل أُخذت بعين الاعتبار تجربة الطائرة توـ 154 التي أسقطت فوق البحر الأسود، عام 2001، وثبت حينها مسؤولية أوكرانيا عن إسقاطها؟

كثير من المراقبين الروس، يطرحون أسئلة مشابهة لأسئلة معاون وزير الدفاع الروسي، وينتظرون إجابات يبدو أنها لن تأتي. ذلك أن المسألة أعقد من أن تحسم، وربما لأنّها في قلب السياسة، ومؤسسة لسياسات قادمة تبدو شديدة الخطورة.

بانتظار التصعيد

ويذهب خبراء السياسة الروس إلى أقصى الأمور وأسوأ السيناريوهات؛ فيرى بعضهم أن الآتي غامض وخطير، فيما يرى آخرون أنها زوبعة وتمضي؛ فروسيا ليست أفغانستان ولا العراق أو ليبيا حتى يستسهل أحد مهاجمتها أو تضحي أوروبا بمصالحها معها، على الرغم من انقياد أوروبا الأعمى للولايات المتحدة بما يضرّ بمصالحها، ويشكل خطراً استراتيجياً عليها، كما أثبت التعاطي في ملفات الربيع العربي.

ويرى الخبير في معهد "الدول الحديثة العهد"، ستانيسلاف تاراسوف، في صحيفة "فزغلاد"، أنه "سيكون من الصعب على أوكرانيا والولايات المتحدة إثبات مشاركة روسيا في الكارثة؛ فالولايات المتحدة وأوكرانيا نفسهما لا تثقان بالسيناريو المغامر: إعلان روسيا دولة إرهابية، ومحاولة فصلها من الأمم المتحدة، أو إدخال قوات لحلف شمالي الأطلسي إلى أوكرانيا؛ سوف يتحدثون عن ذلك في كييف طويلاً، ولكن ذلك لن يتحقق".

وفي الصحيفة نفسها، يقول سيرغي كاراغانوف، عميد كلية الاقتصاد العالمي والسياسة في مدرسة الاقتصاد العليا، والنائب السابق لرئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع، إنه في حال جرّم المجتمع الدولي في غالبيته روسيا، سيعقب ذلك تشديد العقوبات. علماً بأن "معظم الأوروبيين لا يريدون العقوبات. ليس فقط من وجهة نظر اقتصادية إنما وسياسية؛ فهم، بعد ذلك لا يمكن أن يحلموا بالبقاء على هامش الصراع. ما يدور الآن هو حرب، وفي هذه الظروف من غير الممكن عملياً توقع الأحداث". ويضيف مذكّراً بمكمن خطر قابل للتفجر في أرض المعركة "هناك الآن مشكلة 15 مفاعلاً نووياً، معظمها قريب جداً من منطقة العمليات العسكرية".

سلّم الخاسرين

وفي حين تشكّل أوكرانيا جزءاً من القارة الأوروبية المنقادة إلى السياسات الأميركية، وتدور المعارك القابلة للانتشار إلى الجوار على أرضها، فإن الولايات المتحدة بمنأى عن أية مضاعفات سلبية للأزمة الأوكرانية. قد يكون مطلوباً رأس روسيا، لكن أوروبا ستكون بين أول الخاسرين من تصعيد الأحداث. وعلى وعي هذه المسألة، يراهن بعض خبراء السياسة الروس، فيما يتوقف بعضهم الآخر عند صراع بالوكالة يدور داخل أوكرانيا، حتى بين مكونات السلطة الجديدة نفسها المتآلفة على عداء موسكو.

ويقول كاراغانوف "إذا أدينت أوكرانيا، فذلك سيكون ضربة للنظام الأوكراني المشكوك بشرعيته إلى الآن"، والمتناقض من الداخل. فيما يؤكّد تاراسوف أنّ "الولايات المتحدة تعرف جيداً أن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو لا يتحكم تماماً بالجيش والأمن الأوكرانيين. فالرئيس الأوكراني الجديد لا يتحكم بمنطقة دنيبروبتروفسك، حيث لدى حاكم المقاطعة الملياردير إيغور كولومويسكي قواته الخاصة؛ فالأخير يمكن أن يشتري أي سلاح في أي بلد محايد". والحديث يدور على أن كولومويسكي يدير لعبته الخاصة في منافسة وربما صراع خفي مع بوروشينكو. وهكذا، فلا يستبعد تاراسوف أن يتحول إسقاط طائرة الركاب إلى ضربة للسلطة الأوكرانية الجديدة، إذا تم التثبت من مسؤولية كييف عنها". وفي هذه الحالة أيضاً ستخرج الولايات المتحدة رابحة؛ فكارثة الطائرة ستفتح مجالاً للمناورة أمام الولايات المتحدة، نحو مصالحها.

ماذا تفعل موسكو أمام الحرب؟ 

يقول فياتشيسلاف نيكونوف، نائب في الدوما، وعميد كلية الإدارة الحكومية في جامعة موسكو الحكومية، في "موسكوفسكي كومسوموليتس": "لن تطفو الحقيقة على السطح أبداً. النتائج يمكن أن تكون سيئة جداً لروسيا وللمقاومين الشعبيين. سؤال من صاحب المصلحة يجب أن يطرح في البداية، لكنّه اليوم في الغرب غير مطروح أبداً. مع أن المستفيد في هذه الحالة كييف وواشنطن. فيما دونيتسك ولوغانسك وموسكو غير مستفيدة على الإطلاق".

ويضيف أنّه "في حال أُدينت روسيا، ستكون النتيجة إدانة أخلاقية لموسكو وتعميق عزلتها. مما سيدفع الاتحاد الأوروبي نحو عقوبات أشد. نتجه مباشرة إلى الحرب. وهناك أمل في القيادة الروسية؛ فأفضل ما يمكن أن نفعله في هذه الحالة هو مساعدة المجتمع الدولي لكشف حقيقة ما جرى".

ورغم أن المدير العام لوكالة "الاتصالات السياسية والاقتصادية"، ديمتري أرلوف، يستبعد إمكانية تطور المواجهة إلى حرب عالمية ثالثة، غير أنه يضعها في قائمة الاحتمالات، ويقول "أظن أن إمكانية نشوب حرب عالمية ضئيلة للغاية. لأن التصعيد إلى مستوى حرب عالمية يقتضي نضوج عوامل الحرب بين أميركا وروسيا، وليس هناك مثل هذه العوامل اليوم".

في المقابل، يستبعد رئيس مجلس إدارة مركز "التقانات السياسية"، بوريس ماكارينكو، في صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس"، إمكانية نشوب حرب مباشرة وحتى محدودة مع الغرب، قائلاً إن "الحرب الأهلية تدور الآن. هناك كثير من الإثباتات غير المباشرة لدور روسي فيها. ولكن حرباً مباشرة مع الغرب غير ممكنة".

لكن تبقى في يد موسكو ورقة شديدة الخطورة قابلة للتفجير في الجانب الآخر من أوكرانيا، هي بريدنيستروفيه المنفصلة واقعياً عن مولدوفا نحو روسيا، خاصة وأن موسكو تعد الآن إجراءات للتضييق على كيشينيوف؛ فالتصعيد ضد موسكو قد يعني توسيع دائرة الحرب.

الأطلسي قادم

وعن احتمال إدخال قوات حلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا، يقول مدير المعهد الأوكراني لتحليل وإدارة السياسات، رسلان بورتنيك، على "موقع الصحافة الحرة": "نعم يمكن أن تكون الحادثة أساساً لذلك. ولكن الأكثر ترجيحاً إدخال قوات من بعض بلدان حلف الأطلسي. فإلى ذلك، يدعو الآن بعض السياسيين. ويجب أن نفهم أن إدخال قوات إلى أوكرانيا سيؤدي إلى تقسيم أوكرانيا؛ فظهور قوات أجنبية سيطلق يد الكرملين. وهو يمكن أن يرسل قواته ردّاً على ذلك، وبذلك نحصل على أوكرانيا مقسمة بين روسيا والغرب. كما حصل في الماضي حين قسموا بولونيا".

ويرى الاستاذ في العلوم التاريخية، في معهد الأبحاث السياسية، سيرغي ماركوف، أن ما حصل عملية مدبرة، ويقول: "تابعت المواقع الالكترونية الأوكرانية، أهمها موقع " أوكراينسكايا برافدا". شيء مدهش. في اللحظة التي أسقطت فيها الطائرة، وقبل أن يعلن عن ذلك في وسائل الإعلام، يظهر خبران في هذا الموقع: الأول إعلان مجلس الأمن والدفاع الأوكراني عن ظهور سلاح يسمح بضرب طائرات على ارتفاع عال عند المقاتلين؛ والثاني، بعد ساعة من معرفة الاختصاصيين بسقوط البوينغ يظهر خبر عن محادثة هاتفية يناقش فيها المقاتلون إسقاط الطائرة". ويتساءل عن سر كفاءة الأجهزة الأوكرانية في اكتشاف مثل هذه المعلومات الدقيقة والخطيرة بهذه السرعة المذهلة.

وفي السياق، تُثير وسائل إعلامية معلومات نُشرت على موقع البيت الأبيض الرسمي حول أنّ الولايات المتحدة أعدّت مشروع قانون يسمح بتقديم مساعدة حربية كاملة لأوكرانيا. وتقول إنه تم طرح القانون، قبيل إسقاط الطائرة، في يوم 17 يوليو/تموز نفسه. والحديث هنا يدور عن " قانون تجنب العدوان الروسي"، الذي تم تحويله إلى لجنة العلاقات الخارجية لإعداده قبل اعتماده النهائي. ووفقاً لهذا القانون، تمتلك مولدوفا وجورجيا وأوكرانيا وضعية حلفاء الولايات المتحدة دون أن تصبح عضواً في حلف شمال الأطلسي.

وفي إطار الأسئلة المشككة نفسها، يُثير المراقبون الروس ما نشرته وكالة "أونيان" الأوكرانية، في 17 يوليو/تموز، عن بوروشينكو، حين قال "بناء على أوامري، تخطط القيادة العليا الآن لإعادة نشر القوات. نحن نغير التكتيك. مما يسمح لنا بالعمل بفعالية في ظروف استدعاء قوات دولة أجنبية".

المساهمون