ماذا لو أعدم المرشد؟

03 يوليو 2014

مرشد "الإخوان" محمد بديع في قفص المحاكمة (يونيو/2014/فرانس برس)

+ الخط -
لا أعرف على وجه الدقة، كم حكم إعدام "حظي" به المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، محمد بديع، والحقيقة أن عدد الأحكام ليس مهماً هنا، لأن تنفيذ حكم واحد يكفي، ولا يمكن بالطبع تطبيق أكثر من حكم إعدام على "متهم" واحد، إلا إذا تم تقسيط الأحكام، بحيث يتم إعدام أجزاء من جسم المرشد على دفعات، وصولاً إلى تخليصه بالكامل من الحياة!
شخصياً، يقشعر بدني حين أسمع أن فلاناً حكم عليه بالإعدام، لأن حق الحياة منحه الخالق لعبيده من البشر، وهو المخوّل فقط باسترداده، ولا أرى أن أي مخلوق في وسعه "استعارة" هذا الحق من الحق جلت قدرته، إلا إذا تعلق الأمر فقط باعتراف قاتلٍ بالتعدّي على حق الله وإزهاق روح مخلوق، ورغبة هذا المتعدي في تطهير روحه من فعلته النكراء، وتخليصها من الحياة. وحتى في هذه الحالة، فلو كان الأمر بيدي لقضيت أياماً طويلة في إقناع أولياء المقتول بالعفو عن القاتل، أي أن يدي سترتجف مليون مرة، قبل أن أوقع على ورقة بإعدام مخلوق، فكيف أتخيل أن ثمة من هو على وجه هذه الأرض كلها يستطيع توقيع إعدام مئاتٍ وفي دقائق معدودة؟

ليس الأمر متعلقاً، هنا، بحكم قضائي قطعاً، فالقضاء، أي قضاء حر ونزيه طبعاً، يقضي أياما طويلة قد تمتد لأشهر وربما سنوات، قبل أن يحكم قطعياً بإزهاق روح إنسان واحد، فكيف بالحكم على مئات؟ هذا يعني، ببساطة، أننا أمام محاكم "ميدانية" لا تراعي معايير العدالة والنزاهة واشتراطات المحاكمة، المتفق عليها دولياً، وهذه المحاكم تحديداً، إذا ما تكرّست في أي مجتمع، لن يكون أحد في منأى عن "منشارها" الذي قد يطال رقبة من وضع نصوصها، أو حكم بمقتضاها. مثل هذه المحاكم تقوّض الأسس التي يقوم عليها أي مجتمع متحضر، وتزرع في وجدانه الجمعي مشاعر الثأر والضغينة والكراهية، وهذه كلها "دمامل" موجعة، تحول دون أي حركة طبيعية، أو نمو صحي لهذا المجتمع، وتنئيه عن أي قيمٍ تتسم بالعدالة والتسامح والديمقراطية، وتحول دونه، ودون كل ما من شأنه أن ينقله إلى مصاف المجتمعات الحية المتحضرة!
إعدام المرشد، وصحبه، بماذا يمكن أن يعود على مصر وأهلها؟ أعدم من قبل سيد قطب، وصحبه، وفي اللحظة التي فارقوا فيها الحياة، تحولوا شهداءَ ورموزاً يُقتدى بهم، وتحولت كلماتهم أيقونات خالدة يرددها شباب وكهول، وإلى ما شاء الله، فهل تحتاج مصر إلى مزيد من الشهداء والرموز والأيقونات؟
لسنوات خلون، كان قضاء مصر أمثولةً يقتدى بها في غير بلد عربي، وكان يضرب به المثل في استعصائه على الاختراق والفساد، فما الذي حلَّ به وحلّ بمصر كلها؟ وأين تقع مصر اليوم التي طالما قيلت فيها الأشعار باعتبارها "أم الدنيا"؟
نشرت منظمة  "Fund For Peace"، أخيراً، لائحتها السنوية لأكثر دول العالم هشاشة، وهي التي تضم الدول المرشحة لتدهور الأوضاع فيها، في العام الماضي، تضمنت اللائحة 178 دولة، وحذفت بلداناً لتقديمها "معلومات غير دقيقة"، بحسب تقرير المنظمة الدولية.  وصنّفت المنظمة الدول إلى 11 قسماً، هي مخاطر عالية جداً، ومخاطر عالية، ومخاطر، وتنبيهٌ عالٍ جداً، وتنبيهٌ عالٍ، وتنبيه، ودول مستقرة قليلاً، ودول مستقرة، ودول مستقرة جداً، ودول ذات استقرار مستدام، ودول ذات استقرار مستدام جداً. وجاءت دولة وحيدة في أعلى تصنيف "دول ذات استقرار مستدام جدا" وهي فنلندا. ولنعرف حال مصر تحديداً، علينا أن نقرأ مجمل الصورة، لمقارنته بحال بقية الأقطار العربية، كما في ترتيب وضع الاستقرار لدى الدول العربية، دول ذات مخاطر عالية جدا: السودان والصومال. دول ذات مخاطر عالية: اليمن والعراق وسورية. دول ذات مخاطر: موريتانيا ومصر. دول ذات تنبيه عالٍ جدا:  ليبيا ولبنان وجيبوتي. دول ذات تنبيه عال: السعودية والأردن والجزائر والمغرب وتونس. دول ذات تنبيه: البحرين. دول مستقرة قليلا: الكويت وعمان. دول مستقرة: قطر والإمارات.
تُرى هل يسهم إعدام المرشد وصحبه، مثلا، في رفع درجة استقرار مصر؟ أو يهيئ  لها ظروفا أفضل، للتطور والنماء والازدهار؟ ألا يعلم من يخطط لمصر ولأهلها، أن الطريق الذي سلكه الانقلابيون سلكه غيرهم، ولم يعد إلا بمزيدٍ من الخراب والعذاب على البلاد والعباد؟
كلما صدر حكم بإعدام ضد رافضي الانقلاب، ناشطين سياسيين أو صحافيين، أو كتاب، اهتزت صورة مصر وتلطخت، ونأت عن الاستقرار والازدهار!