ماذا تفعل إذا قال لك ابنك: إني أكرهك؟

25 يوليو 2016
التعاطف مهارة تربوية ضرورية يمكن اكتسابها (Getty)
+ الخط -
التربية لا تحتاج فقط إلى معارف، وإنما تحتاج أيضا إلى مهارات ومشاعر. وكما نعلم جميعا أن اكتساب المعارف هو أمر يسير، حيث لا يبذل الأب جهدا كبيرا ليتعلم – على سبيل المثال – سمات مرحلة المراهقة أو احتياجات الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، بينما –على الجانب الآخر- نجد أن  اكتساب المهارات أو المشاعر ليس بنفس السهولة، حيث يحتاج كل منهما لتدريب طويل، وتدرج في الاكتساب، ويمر بمراحل صراع مع ما تميل ليه النفس أو ما اعتادت عليه.

فعلى سبيل المثال: عندما تميل نفسك لإلقاء محاضرات طويلة على أبنائك ثم تكتشف أن المحاضرات لا تجدي نفعا وأن عليك اكتساب مهارات جديدة في الحوار مثل الإنصات، فإن هذه المهارة تحتاج إلى تدريب طويل وليس إلى مجرد المعرفة.

مثال آخر: عندما يخطئ ابنك خطأ جسيما، وتجد أن مشاعر الغضب قد سيطرت عليك لتدفعك لضربه أو إيذائه أو إهانته، فإن اكتساب مهارة السيطرة على الغضب واكتساب مشاعر الرحمة تجاه المخطئ هي أمر ليس سهلا.

هذه السلسلة تساعدك على اكتساب بعض المشاعر والمهارات، ومنهجنا في هذه السلسلة هو تفتيت كل مهارة إلى مجموعة من الأسئلة أو الخطوات، وبالتالي فإن المطلوب منك هو التدريب على هذه الخطوات.

ونبدأ بمهارة التعاطف، وذلك من خلال الإجابة عن ثلاثة أسئلة: ما هو ومتى التعاطف؟ لماذا التعاطف؟ كيف نمارسه؟


أولا: ما هو ومتى التعاطف؟

التعاطف يعني ببساطة: "أنا متفهم ومقدر"، وهو مهارة يحتاج لها المربي عند كل ألم أو أزمة أو صراع  يمر بها الابن أو الابنة، على سبيل المثال: إذا ارتكب خطأ فادحا، أو أضاع فرصة عظيمة، أو أصابه الحزن لأمر تافه أو أمر جلل، أو وقع في تقصير ولو للمرة الألف، أو استهتر في تحمل مسؤولية. في كل هذه الحالات يعاني الابن ألما أو صراعا، وهو حينئذ يحتاج لتعاطفك. والتعاطف –كما ذكرنا - يعني "أنا متفهم ومقدر"، وبالتالي فهو لا يعني "الشفقة": "أنا مشفق عليك" لأن الشفقة تؤدي إلى إشعار الطفل أنه ضحية أو مغلوب على أمره أو غير متحمل مسؤوليته. وكما أن التعاطف لا يعني "الموافقة": "أنا موافق وراض عما فعلته"، فأنت فقط تتفهم وتقدر، وهذا لا يعني بالضرورة أنك موافق على السلوك أو تراه صائبا.


والتعاطف أيضا لا يعني "النصيحة"، فالنصيحة هي العدو اللدود للتعاطف، لأن آخر ما يحتاج له الطفل المأزوم هو نصائحك! نعم، إن عليك توجيهه بلا شك، ولكنه لن يقبل منك توجيها إلا إذا مهدت لهذا التوجيه بقدر كبير من التعاطف.

مرة أخرى: التعاطف هو أن أشعر ابني أنني "متفهم ومقدر"، عندما يحصل على درجة منخفضة أو يفشل في مسؤولية مطلوبة منه، أو ابنتك التي تبكي بسبب خلاف بينها وبين صديقتها، أو لأن بعض المال ضاع منها دون قصد أو شعرت بالحب تجاه زميل لها في وقت غير مناسب، أو وقعت في خطأ سبق أن حذرتها منه... في كل الأحوال أنت متفهم ومقدر ثم يأتي أي كلام بعد ذلك.


ثانيا: لماذا التعاطف:

لأن التعاطف هو الأساس الذي ينبني عليه أي تفاعل بين الطفل والمربي، أي أن المربي العاجز عن التعاطف لن يتقبل منه أبناؤه أي توجيه. وبكلمات أخرى: إن غياب التعاطف يحرم الابن من أي استفادة تربوية منك لأنه ببساطة لن يتقبل منك شيئا! وأفضل تشبيه سمعته في هذا الإطار هو أنك لا يمكن أن تجري مكالمة هاتفية لشخص إلا إذا كان هاتفك به خط للاتصال،  عندئذ تستطيع - بعد وجود هذا الخط - أن تقدم ما تشاء من توجيهات أو نصائح أو آراء. التعاطف هو الخط الذي يجب أن يكون موجودا في الأساس، ثم يأتي التوجيه بعد ذلك.

الابن في المواقف الصعبة يعاني صراعا قاسيا، بين الصواب والخطأ، أو بين النجاح والفشل، كما أن أفكاره ومشاعره تكون في حالة فوضى وضياع، وبالتالي فهو يعيش حالة ضعف –

حتى وإن كان يبدو عكس ذلك – وهو في أمسّ الحاجة إلى أن تنحاز إليه، وتؤكد له أنك

تشعر به وتتفهم آلامه، حتى إن أخطأ، وأنك في كل الأحوال معه في نفس الخندق. هو عندئذ سيقدر لك هذا ويطمئن لك ويتقبلك كمصدر للتوجيه.     


ثالثا: كيف نمارس التعاطف:

التعاطف مهارة يتم اكتسابها بالتدريب والممارسة، وهناك خطوات عملية كثيرة ذكرها التربويون لتطبيق التعاطف أو لتطبيق ما يسمونه "المواجدة" و"المواجدة المتقدمة"، ولكننا سنكتفي هنا بأبسط خطوات التعاطف، وهي ثلاث خطوات أساسية نحتاج للتدرب عليها:


الخطوة الأولى: الإصغاء والانتباه التام للابن (الالتفات إليه جسديا، والاستماع إليه بتركيز، وإظهار علامات الانتباه بالوجه والعينين، دون تجهم أو إرهاب).

الخطوة الثانية: الاعتراف "بالمشاعر" وتقبلها بكلمات أو إيماءات واضحة (فليس هناك تعارض بين أن نرفض سلوكا ما وبين أن نعترف ونقدر المشاعر المصاحبة لهذا السلوك).

الخطوة الثالثة: افتح نافذة للمستقبل وللتوجيه.




أمثلة ومواقف عملية:

مثال 1- ابنك حصل على درجة منخفضة في الامتحان:

الأم غير المتعاطفة: هذا مصيرك المتوقع - طالما قلت لك ذاكر  - أنت هكذا دائما تخيب آمالي - أنت تبكي الآن وقد فات وقت الندم.

الأم المتعاطفة: انا أشعر بك وأعلم أنك من داخلك غير سعيد لهذه النتيجة – أنا أعلم أن الموقف صعب جدا – نحتاج أن نجلس معا لنتحدث ما كيف يمكن أن نعالج أوجه الضعف.


مثال 2 : حدثت مشادة بين الأب والابن وقال الابن لأبيه أنه يكرهه.

الأم غير المتعاطفة: أنا فشلت في تربيتك - أنت قليل الأدب.  

الأم المتعاطفة: أنا أعلم أنك مضغوط - ولكننا نحتاج أن نجلس لنتكلم، هل الضغوط تسمح لك أن تقول هذا لأبيك.


مثال 3:  طالبة تقول لأمها أن صديقتها تركتها لتصاحب أخرى.

الأم غير المتعاطفة: انتبهي لمذاكرتك أفضل -ما هذه التفاهة، فلتذهب صديقتك للجحيم، ركزي في مستقبلك.

الأم المتعاطفة :أنا أشعر بك تماما – يا له من  موقف مؤلم – تضمها لتقول: هذا الموضوع لابد أن  نتكلم فيه – الصداقة شيء مهم في حياتنا، نحتاج أن نتعلم كيف نختار وكيف نستمر.

وأخيرا:

هذه الخطوات الثلاث تحتاج إلى تدريب، أحيانا ستنسى وأحيانا ستتذكر، أحيانا سيغلبك الغضب وأحيانا ستكون مهارتك أكبر من الغضب. وتذكر أنك احتجت شهورا لتتعلم مهارة قيادة السيارة على سبيل المثال، فلا تتعجل اكتساب مهارة التعاطف، وأعطها وقتها من التدريب والتمرين النفسي والعقلي والوجداني.                                         


المساهمون