فمن خطاب "الحرب ضد الإرهاب" وممارساتها التي تم تعميمها وقوننتها ومأسستها في الولايات المتحدة، كما تم تصديرها واستغلالها من أكثر من نظام، إلى الحروب التي شنّتها الولايات المتحدة في سياقها في أفغانستان والعراق. وأدّت الحرب العراقية إلى تفكيك دولة بأكملها ودخولها في حرب أهليّة وعنف لم ينته إلى اليوم، كما خلقت أرضية خصبة للإرهاب، ولكن... بعيداً عن أراضي الولايات المتحدة.
أما داخل الولايات المتحدة نفسها، فقد شهد المجتمع الأميركي "تضخماً" في المؤسسات والدوائر التي تمّ انشاؤها من أجل "محاربة الإرهاب". وجاء ذلك بعد أن تعرّضت أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى انتقادات شديدة، لإخفاقها في توقّع الهجمات أو صدّها.
فتم تأسيس وزارة جديدة للأمن القومي، كما تمّت إعادة هيكلة السياسات والأجهزة المتعلقة بالأمن القومي الأميركي، للتنسيق بشكل أفضل فيما بينها، إضافة إلى إنشاء أكثر من 1200 منظمة حكومية أو متعلقة بالحكومة، وأكثر من 1900 شركة خاصة مرتبطة جميعها بصورة أو بأخرى مع الوزارات الحكومية المختلفة وبرامج مكافحة الإرهاب والأمن القومي الداخلي، بحسب تقرير صحيفة "واشنطن بوست".
وسمحت حالة الاستنفار القصوى وخطاب الحرب على الإرهاب لحكومة الرئيس، جورج بوش الابن، بتقوية أذرع الأجهزة الأمنية والتجسس على مواطنيها بشكل غير مسبوق. إضافة إلى السماح بالتعذيب الممنهج وإنشاء شبكة سجون في دول عدة والسماح بخروقات فاضحة لحقوق الإنسان، وليس سجن غوانتانامو إلّا قمة جبل الجليد فيها.
وجاء غزو أفغانستان بهدف محاربة تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان"، فتمكنت الولايات المتحدة بعد حوال عقد، من دحر نفوذ "القاعدة"، لكنها لم تتمكن من القضاء عليها كليّاً. وها هي اليوم تواجه حركات أخطر وأشرس من "القاعدة" متمثلة في تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهي تسعى إلى حشد تحالف دولي لمحاربة آخر نسخة من الإرهاب.
فما أشبه اليوم بالأمس، إذ لم يخطئ المراقبون الذين حذّروا بعد أحداث 2001 من أن "الحرب على الإرهاب" ستصبح حرباً بلا نهاية. ولم يعد الرأي العام الأميركي في غالبه يدعم قيام الولايات المتحدة بدور "شرطي العالم". الأميركي "العادي"، وخصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008، لم يعد معنيّاً بحروب بلده أو آثارها على شعوب أخرى، كما لا يغضّ النظر عن الممارسات التي تقوم بها حكومته على الصعيد الخارجي فحسب، بل حتى في الداخل.
لا يغضّ الأميركي النظر عن عمليات التنصّت الواسعة في الولايات المتحدة على المقيمين أو المواطنين. ولعلّ آخر مثال على ذلك، كان عملية التجسس الواسعة التي قامت بها شرطة نيويورك ونيوجرسي على العرب والمسلمين. لم تقتصر العمليات على مراقبة المساجد بل وصلت حدّ الاستعانة بتسجيلات عشوائية من محادثات عابرة في الشوارع، لمناطق تسكنها أغلبية عربية ومسلمة، وأُضيف إلى ذلك لوائح "منع الطيران" التي وضعت عليها أسماء مواطنين أميركيين وغيرهم، لأنهم عارضوا الحروب، أو لأسباب غامضة.
والأبرز أن واشنطن مباشرة بعد الهجمات، وصلت رقماً قياسياً في تقديم مشاريع قوانين خلال السنة الأولى منها، وصلت إلى 130 مشروع قانون، تمّ المصادقة على 48 منها. وشملت تلك التشريعات جميع مجالات الحياة.
أما فيما يتعلق بتأشيرات الدخول والإقامة فشهدت السنوات الأولى بعد الهجمات تراجعاً ملحوظاً في أعداد التأشيرات الممنوحة للسياح من دول كباكستان ومصر والمغرب وغيرها من دول الشرق الأوسط، وحتى التأشيرات السياحية لأشخاص من أوروبا انخفضت بنسبة 40 في المائة في السنوات الأولى.
ويفيد تقرير "واشنطن بوست" أن الأمور في هذا الصدد "عادت إلى طبيعتها" فقط في السنوات الأخيرة، حيث سجل قطاع السياحة في عام 2010 أكثر من 60 مليون زائر أجنبي للولايات المتحدة.
وشهدت واشنطن ترحيل نسبة عالية من المقيمين غير القانونيين بعد الهجمات، فاقت نسبة 104 في المائة حتى عام 2010 وفاق عدد المرحّلين في زمن الرئيس، باراك أوباما، أولئك الذين تم ترحيلهم في عهد سلفه بوش.
ورث أوباما عند توليه الحكم للمرة الأولى عام 2009، إرثاً ثقيلاً خلفه بوش على مختلف الأصعدة، ما حداه إلى رفع شعار "التغيير" آنذاك وقدّم الكثير من الوعود، منها إغلاق معتقل غوانتانامو ومحاربة البطالة والقضاء على تنظيم "القاعدة" وسحب قوات بلاده من العراق وأفغانستان.
حقق أوباما ما أراد في مجالات عدة، فقد انسحب من العراق، لكنه لم يغلق معتقل غوانتانامو. وزادت حدة ونطاق برنامج الهجمات التي تنفذها الطائرات من دون طيار في عهده، وسقط مئات الباكستانيين واليمنيين الأبرياء ضحاياها، وبعضهم من الأطفال. لقد نكث أوباما وعوده بإحداث تغيير جذري في سياسات الولايات المتحدة وبإصلاح الأضرار التي خلّفها سلفه على الجبهة الداخليّة وعلى صعيد العلاقات الخارجية.
وتظهر آخر استطلاعات الرأي أن غالبية الأميركيين يساندون قرار ضرب "داعش"، لكنهم، في الوقت ذاته، لا ينظرون بعين الرضى الى أداء أوباما عموماً، وخصوصاً في السياسة الخارجية.
إذ ذكر استطلاع مشترك بين "واشنطن بوست" وشبكة "أي بي سي" أن نصف الأميركيين يعتقدون أن رئاسة أوباما فاشلة و43 في المائة فقط يعتقدون أنه قائد قوي.
ما زالت الولايات المتحدة بعد 13 عاماً من هجمات الحادي عشر من سبتمبر ومن "الحرب على الإرهاب"، تخوض حرباً لا يبدو أنها ستنتهي، على أراضي الآخرين و"عن بُعد"، لكن معظم ضحاياها ليسوا أميركيين. أما على الجبهة الداخلية، فيستذكر المعلقون مقولة رئيس أميركي سابق، بنجامين فرانكلين في وصفه معادلة الأمن والحريّة: "إن الذين يتخلون عن الحريّة مقابل شيء من الأمن المؤقت، سيفقدون الاثنين".