19 أكتوبر 2019
ماذا بعد انهيار إمارة داعش؟
بعد أربع سنوات من القتل والرعب، تنهار "دولة الخلافة" الهمجية، أكبر وأبشع إمارة إرهابية في تاريخ المنطقة، بل والعالم بأسره. فبعد أن قُذف بالتنظيم خارج الموصل العراقية التي اتخذها عاصمة له، ها هو يُقذف به اليوم خارج معقله الأساسي الثاني، الرّقة السورية. لكن لا يعني سقوط معقل تنظيم داعش أن الأخير انهار، وأن المنطقة تخلصت منه، بل ما يحدث مجرد جولة، وإن كانت حاسمة، من جولات محاربة التطرف العنيف والإرهاب. فضلاً عن الأسئلة الآنية، مثل من يتولى إدارة المدن والمناطق التي طُرد منها "داعش" في انتظار إعادة بسط الدولة مراقبتها وإدارتها عليها، هناك أسئلة مركزية مطروحة، ولا مبالغة في القول إن مستقبل المنطقة مرهون بكيفية الإجابة عليها.
يخص السؤال الأول ماهية "داعش" وكيف أصبح، في ظرفٍ قياسي، فاعلاً غير دولتي أقوى من دول عديدة في المنطقة متأزمة، اقتضت مواجهته تشكيل تحالف دولي الأول من نوعه في التاريخ، كونه تأسس لمواجهة فاعل غير دولتي، أقام شبه دولة، مقتطعاً أراضي من دولتين. وهذا بحد ذاته دلالة على أداء عسكري غير مسبوق. وعلى الرغم من المعلومات المتوفرة والتقارير الاستخباراتية، فإن تكوين التنظيم وسيطرته على أجزاء واسعة من سورية والعراق بحاجة إلى البحث المعمق لفهم الظاهرة، ومحاولة تجنب تكرارها باستخلاص العبر. بالطبع، لا جدال في أن أزمة الدولة في البلدين شكلت أرضية خصبة لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، لكن هناك دولا أخرى، عانت من أزمات مشابهة، لكنها لم تعرف مثل هذه التنظيمات.
السؤال الثاني: أين يذهب وسيذهب مقاتلو "داعش" بعد السقوط المتتالي لمعاقلهم؟ إنها محنة
أمنية بكل المقاييس، ليس فقط لسورية والعراق، بل لدول المنطقة ولأوروبا، نظراً لوجود أعداد هائلة من المقاتلين الأجانب في صفوف "داعش"، فهناك من لقي حتفه في المعارك، وهناك من سيُقتل في المراحل الأخيرة من تحرير الرقة والمناطق الداعشية. لكن ماذا عن البقية، وكم عددهم بالتحديد. بغض النظر عن تضارب الأرقام بشأن مقاتلي "داعش"، ونسبة الأجانب بينهم، فإن جزءاً منهم سيتمكّن من الفرار، وربما فر قبل سقوط الرقة نحو آخر معاقل التنظيم و/أو نحو وجهة أخرى في انتظار مغادرة سورية أو العراق نحو مسارح الجهاد الأخرى، أو نحو أوطانهم الأصلية. وتتخوف الدول الأوروبية من عودة مواطنيها الذين قاتلوا في صفوف "داعش". لذا تفضل صراحة موتهم في المعارك في آخر معاقل التنظيم في المنطقة.
من المرجح أن يتسلل مقاتلو "داعش" من العرب المحليين (من سورية والعراق) في أوساط المدنيين، حتى يخرجوا بسلام من مناطق المعارك. ويعد هذا خطراً أمنياً حقيقياً، لأنهم قد يشكلون خلايا نائمة، وينفذون عمليات إرهابية نوعية بين حين وآخر، ليبقوا على شبح "داعش" حاضراً في المنطقة، لاسيما أن التحالف الظرفي بين مختلف الفواعل ضد "داعش"، ولكن ليس للأهداف نفسها، سينتهي بالتخلص من "داعش" تنظيما له قاعدة جغرافية واضحة. فبمجرد حرمانه من هذه القاعدة، يتحول إلى تنظيم إرهابي تقليدي، يختفي ويتنقل ويتسلل في المجتمع، ما يحول دون تحييده.
السؤال الثالث كيف ستكون خريطة المنطقة، وشبكة التحالفات فيها بعد حرمان "داعش" من إمارته الجغرافية. بنشاطه في المنطقة، خدم "داعش" كل الأطراف الإقليمية والدولية، حيث شكل ذريعةً لتدخل قوى في سورية بشكل غير مباشر أو مباشر، لاسيما عسكريا، ولأنظمة، هي جزئياً مسؤولة على التطرّف في المنطقة العربية، من التمظهر بمحاربته، وتقديم نفسها دولا منخرطة في مكافحة الإرهاب بلا هوادة، ولدول أخرى للحفاظ على أنظمتها التي كانت على المحك، وأخرى بلعب دور المناول الأمني لصالح القوى الخارجية، ولقوى محلية، غير دولتية (الأكراد تحديداً) للانخراط في الحرب على "داعش"، وتوظيفها للحصول على مكاسب عسكرية (أسلحة غربية)، وسياسية تستخدمها للضغط على الحكومة المركزية في بغداد.
يقودنا هذا إلى السؤال الرابع، وهو مصير الوحدة الترابية لكل من سورية والعراق، فالبلدان
يعرفان مطالب كردية انفصالية، لاسيما في العراق، أين يشكل كردستان شبه دولة ونظم أخيرا استفتاءً للاستقلال عن الدولة العراقية. وبما أن القوات الكردية لعبت دوراً أساسياً في ميدان المعركة برياً بدعم جوي من قوات التحالف الدولي، فإنها ستعمل على الحصول على مكاسب سياسية، بل وترابية، مقابل مجهودها الحربي ضد "داعش". فكيف ستكون خريطة العراق وسورية الجغرافية بعد "داعش" إمارة ذات قاعدة جغرافية – شبه دولة – وليس مجرد تنظيم إرهابي. هكذا تساهم أزمة طارئة (داعش والحرب عليه) في تعقيد أزمات بنيوية، مختلفة الحدة، والمتمثلة في المسألة الكردية في البلدين. صحيح أن القوى الدولية، وكلا من تركيا وإيران (المعنيتين بالمسألة الكردية) تقولان بضرورة تسوية هذه المسألة، في إطار الوحدة الترابية للدولة القائمة في العراق وسورية، لكن نعلم أن المصالح تتغير وليست جامدة، ومواقف اليوم ليست بالضرورة مواقف الغد.
يخص السؤال الخامس التربة الخصبة التي سمحت لتنظيم داعش بالنمو والتطور والسيطرة على أجزاء واسعة من سورية والعراق. هل سيعيد البلدان النظر في أدائهما ودورهما ومسؤوليتهما باعتبارهما دولتين: هل ستراجع الدولة العراقية طريقة تعاملها مع أقليتها السنية، وهل ستفعل الدولة السورية الشيء نفسه مع أغلبيتها السنية. المشكلة هنا أن الدولتين تقومان على أساس طائفي، وبالتالي فإعادة النظر في إستراتيجيتهما تعني وضع بنيتهما السلطوية والتسلطية على المحك... عليهما البحث عن سبلٍ جديدة للحوكمة، وإلا فإن الظروف المواتية التي أوجدت "داعش" ستسمح بظهور تنظيمات مماثلة مستقبلاً.
نافل القول إنه مع الانهيار الحالي لإمارة داعش الإرهابية، فإن المنطقة تنتقل من المهم إلى الأهم، أي إلى إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي، وهي مرحلة عسيرة، لأن التحالف والتوافق المصلحي الظرفي إبّان الحرب على "داعش"، سيفقدان مبرّر وجودهما بمجرد نهاية الحرب، فالأخيرة قللت من حدة التوترات في مشهد ترتيب الأعداء والأصدقاء، لكن بعد حسمها ستعود هذه التوترات إلى سابق عهدها بتعقيداتها وصعوباتها. إنها مرحلةٌ حاسمةٌ هي الأخرى، بيد أن الفصل فيها في غاية من التعقيد، ويتطلب وقتا كثيرا لإيجاد أجوبة وحلول مستدامة للأسئلة الخمسة المطروحة.
يخص السؤال الأول ماهية "داعش" وكيف أصبح، في ظرفٍ قياسي، فاعلاً غير دولتي أقوى من دول عديدة في المنطقة متأزمة، اقتضت مواجهته تشكيل تحالف دولي الأول من نوعه في التاريخ، كونه تأسس لمواجهة فاعل غير دولتي، أقام شبه دولة، مقتطعاً أراضي من دولتين. وهذا بحد ذاته دلالة على أداء عسكري غير مسبوق. وعلى الرغم من المعلومات المتوفرة والتقارير الاستخباراتية، فإن تكوين التنظيم وسيطرته على أجزاء واسعة من سورية والعراق بحاجة إلى البحث المعمق لفهم الظاهرة، ومحاولة تجنب تكرارها باستخلاص العبر. بالطبع، لا جدال في أن أزمة الدولة في البلدين شكلت أرضية خصبة لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، لكن هناك دولا أخرى، عانت من أزمات مشابهة، لكنها لم تعرف مثل هذه التنظيمات.
السؤال الثاني: أين يذهب وسيذهب مقاتلو "داعش" بعد السقوط المتتالي لمعاقلهم؟ إنها محنة
من المرجح أن يتسلل مقاتلو "داعش" من العرب المحليين (من سورية والعراق) في أوساط المدنيين، حتى يخرجوا بسلام من مناطق المعارك. ويعد هذا خطراً أمنياً حقيقياً، لأنهم قد يشكلون خلايا نائمة، وينفذون عمليات إرهابية نوعية بين حين وآخر، ليبقوا على شبح "داعش" حاضراً في المنطقة، لاسيما أن التحالف الظرفي بين مختلف الفواعل ضد "داعش"، ولكن ليس للأهداف نفسها، سينتهي بالتخلص من "داعش" تنظيما له قاعدة جغرافية واضحة. فبمجرد حرمانه من هذه القاعدة، يتحول إلى تنظيم إرهابي تقليدي، يختفي ويتنقل ويتسلل في المجتمع، ما يحول دون تحييده.
السؤال الثالث كيف ستكون خريطة المنطقة، وشبكة التحالفات فيها بعد حرمان "داعش" من إمارته الجغرافية. بنشاطه في المنطقة، خدم "داعش" كل الأطراف الإقليمية والدولية، حيث شكل ذريعةً لتدخل قوى في سورية بشكل غير مباشر أو مباشر، لاسيما عسكريا، ولأنظمة، هي جزئياً مسؤولة على التطرّف في المنطقة العربية، من التمظهر بمحاربته، وتقديم نفسها دولا منخرطة في مكافحة الإرهاب بلا هوادة، ولدول أخرى للحفاظ على أنظمتها التي كانت على المحك، وأخرى بلعب دور المناول الأمني لصالح القوى الخارجية، ولقوى محلية، غير دولتية (الأكراد تحديداً) للانخراط في الحرب على "داعش"، وتوظيفها للحصول على مكاسب عسكرية (أسلحة غربية)، وسياسية تستخدمها للضغط على الحكومة المركزية في بغداد.
يقودنا هذا إلى السؤال الرابع، وهو مصير الوحدة الترابية لكل من سورية والعراق، فالبلدان
يخص السؤال الخامس التربة الخصبة التي سمحت لتنظيم داعش بالنمو والتطور والسيطرة على أجزاء واسعة من سورية والعراق. هل سيعيد البلدان النظر في أدائهما ودورهما ومسؤوليتهما باعتبارهما دولتين: هل ستراجع الدولة العراقية طريقة تعاملها مع أقليتها السنية، وهل ستفعل الدولة السورية الشيء نفسه مع أغلبيتها السنية. المشكلة هنا أن الدولتين تقومان على أساس طائفي، وبالتالي فإعادة النظر في إستراتيجيتهما تعني وضع بنيتهما السلطوية والتسلطية على المحك... عليهما البحث عن سبلٍ جديدة للحوكمة، وإلا فإن الظروف المواتية التي أوجدت "داعش" ستسمح بظهور تنظيمات مماثلة مستقبلاً.
نافل القول إنه مع الانهيار الحالي لإمارة داعش الإرهابية، فإن المنطقة تنتقل من المهم إلى الأهم، أي إلى إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي، وهي مرحلة عسيرة، لأن التحالف والتوافق المصلحي الظرفي إبّان الحرب على "داعش"، سيفقدان مبرّر وجودهما بمجرد نهاية الحرب، فالأخيرة قللت من حدة التوترات في مشهد ترتيب الأعداء والأصدقاء، لكن بعد حسمها ستعود هذه التوترات إلى سابق عهدها بتعقيداتها وصعوباتها. إنها مرحلةٌ حاسمةٌ هي الأخرى، بيد أن الفصل فيها في غاية من التعقيد، ويتطلب وقتا كثيرا لإيجاد أجوبة وحلول مستدامة للأسئلة الخمسة المطروحة.