مائة متر من "اللادولة"

08 اغسطس 2016
المعوّقون محرومون من الدمج (رمزي حيدر/ فرانس برس)
+ الخط -
بين مبنى وزارة الداخلية اللبنانية وحديقة الصنائع المُجدّدة أخيراً، رصيف صغير. يكاد يكون هذا الرصيف أعرض أرصفة العاصمة بيروت. لا يمكن للسائر في شوارع هذه المدينة أن يستلم رصيفاً من أوّله ويمشيه إلى نهاية الشارع، فالمعوّقات عديدة.. من تعديات أصحاب المطاعم والمقاهي إلى "الإجراءات الأمنية" التي تستبيح الأرصفة والشوارع ككل. وهذه أزمة لن تجد ـ على الأرجح ـ طريقها إلى جدول أعمال المجلس البلدي المُنتخب حديثاً.

على ذلك الرصيف أمام وزارة الداخلية، دفع الشاب المُقعد نفسه إلى زاوية المفرق علّه يجد منحدراً يصعد منه إلى الرصيف لاستكمال السير، لكن عبثاً. الإجراءات الأمنية أمام الوزارة أغلقت زاوية الرصيف، وزنّرته بقواطع وسلاسل حديدية.

دفع نفسه تحت حرّ الشمس إلى حافة الطريق وانطلق جنباً إلى جنب مع السيارات. حاول السائقون تجنّبه في الزحمة لأنّه بطيء. بدا وكأنّه يسبح بعكس التيار، ولم يمنحه الجهد المضاعف الذي بذلته ذراعاه أيّ سرعة إضافية تقيه استهجان السائقين من مزاحمته، أو حرارة الشمس التي خلّفت قطرات عرق على رأسه وذراعَيه.

اجتاز الشاب مسافة غير قصيرة ووصل إلى النقطة التي تتوزع فيها فتحات تصريف المياه. يعرف كلّ سائقي الدراجات النارية في بيروت هذه الفتحات التي تتحوّل بسهولة إلى فخاخ تلتهم دواليب دراجاتهم، أو تُقصّر من عمرها على أقلّ تقدير. لم تشهد أغطية هذه الفتحات أي صيانة منذ تركيبها، وباتت كالكمّاشة تنتظر صاحب الحظ السيّئ. حاول الشاب المناورة بكرسيه المتحرّك من دون أن ينجح. استخدم يده اليمنى لتحريك إحدى عجلات الكرسي، فكاد أن يصطدم بسيارة أجرة على يساره. توقّف في زحمة السير بانتظار أي فرصة لتجاوز الفتحات واستكمال طريقه. استخدم منديلاً لمسح العرق وتوقّف. في تلك اللحظة تحديداً، فتحت شابة باب سيارة الأجرة وكاد الباب أن يرتطم به.

الشابة فتحت باب السيارة بقوّة لتهرب من زحمة السير ومن حديث السائق المُملّ غالباً، فيما الشاب عالق على دولابَين بين عقبات لا يمكن تجاوزها ونظرات الشابة المشمئزة. حاول الشاب أن يرجع كرسيه إلى الوراء ليُفسح لها المجال، من دون فائدة. طوت نفسها ونزلت بسرعة.

انطلقت إلى وجهتها وبقي هو عالقاً هناك، بين إهمال الدولة وعدم تعاطف الناس. لم يكن المشهد استنثنائيا أبداً، فالمعوّقون في لبنان محرومون من الدمج التقني والاجتماعي في محيطهم. والكلّ يتذكّر مشاهد حمل ذوي الإعاقة وكبار السنّ لإيصالهم إلى مراكز الاقتراع في بيروت والبقاع وجبل لبنان، خلال الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت أخيراً. أتى ذلك، على الرغم من توجيهات وزارة الداخلية بتسهيل انتخاب الأشخاص المعوّقين، فيما ننتظر تطبيق قانون اُقرّ قبل 16 عاماً.

دلالات
المساهمون