وتعرضت قطر لحصار من دول السعودية والإمارات والبحرين، إلى جانب مصر، منذ حوالي السنة والنصف، وتحديداً منذ الخامس من حزيران/ يونيو 2017.
وقال: "لقد شهد الاقتصاد العالمي عام 2017 انتعاشا اقتصاديا شمل معظم الدول والتجمعات الإقليمية والاقتصادية، بما في ذلك الدول المتقدمة ومنها الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان. إلا أن هذا التحسن لم يشمل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودول مجلس التعاون، بما في ذلك دولة قطر".
وأضاف في كلمة نقلتها وكالة الأنباء القطرية (قنا): "لكن النمو في قطر كان الأقل تضررا. كما إن انخفاض الناتج المحلي الهيدروكربوني لدينا، صاحبه نمو الناتج المحلي من المصادر الأخرى بحوالي 4%، ما يعكس دور التنوع الاقتصادي كمكون هام للنمو".
مؤشرات اقتصادية إيجابية
ولفت أمير قطر إلى ارتفاع الصادرات بنسبة بلغت 18%، ما أدى إلى تحسن ملموس في الموازنة العامة والميزان التجاري والحساب الجاري. واسترجع الجهاز المصرفي، في أقل من عشرة أشهر، مستوى المؤشرات التي كانت سائدة قبل الحصار وتحسن مستوى بعضها.
كذلك "استعاد مصرف قطر المركزي مستوى احتياطاته، وحافظ الريال القطري على قيمته وحرية تداوله، واستمرت الدولة في توفير التمويل اللازم لمشاريع كأس العالم دون المساس بالمشاريع التي يتطلبها تحقيق الرؤية الوطنية".
وأشار أمير قطر إلى أن عدد المصانع العاملة في الدولة ازداد عما كان عليه قبل الحصار بنحو 14%، وتمكنت هذه المصانع من تحقيق قدر كبير من الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الغذائية وبعض المستلزمات الاستهلاكية. ولفت إلى أن "الدور الذي لعبه القطاع الخاص في تحقيق هذه النتائج كان محوريا من حيث تفاعله مع متطلبات هذه المرحلة. وما زلنا نتوقع منه استعدادا أكبر للاستثمار المباشر ومبادرات أكثر جرأة".
الأمن المائي والغذائي والطاقوي
وقال الأمير، في كلمته، إن قطر تسير بخطى ثابتة لتحقيق الأمن المائي والغذائي وتأمين
طاقة كهربائية كافية لدفع عجلة التنمية والوفاء بمتطلباتها؛ فتم تدشين المرحلة الأولى من مشروع مخزون المياه الاستراتيجي وجارٍ العمل على تدشين باقي المراحل مع نهاية هذا العام بزيادة قدرها 155% عن مخزون المياه العذبة الحالي.
كما باشرت محطة أم الحول في المنطقة الاقتصادية العمل وسيتم افتتاحها رسميا، في وقت لاحق. وسيرفع هذا المشروع العملاق الطاقة الإنتاجية لقطر من الكهرباء بنحو 30% ومن المياه المحلاة بنحو 40%.
وشرح أمير قطر أن الدولة اتبعت سياسة مالية محافظة، لتخفيض الإنفاق أملاها التراجع الحاد في أسعار النفط والغاز الذي بدأ نهاية عام 2014، "وكان علينا أن نوازن بين تقليص المصروفات المفيد أيضا لمؤسسات الدولة والمجتمع، ومتطلبات الإنفاق التي تمليها مواصلة الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع الرئيسية لعملية التنمية ومشاريع التحضير لكأس العالم، ولم يكن هذا بالأمر السهل".
واعتبر أن من جرّاء تكاتف الجهود والتعاون بين جميع الجهات الحكومية النقدية والمالية والاستثمارية والاقتصادية، ظهرت بوادر نجاح هذه السياسة؛ فقد انخفض الإنفاق الحكومي للاستهلاك خلال هذا العام بنحو 20% عن العام السابق، بينما ازداد الإنفاق الأسري بنحو 4%. ويتوقع أن تؤدي هذه السياسة إلى فائض في الموازنة العامة لهذا العام وأن يرتفع هذا الفائض في السنوات المقبلة.
تجاوز آثار الحصار
ولفت الأمير إلى أن دولة قطر "تمكنت إلى حد بعيد من تجاوز آثار الحصار. وتشاركنا المؤسسات الاقتصادية والأسواق المالية التفاؤل، إذ يتوقع البنك الدولي أن يصل معدل النمو الاقتصادي في قطر إلى 2,8% عام 2018 وأن يرتفع إلى نحو 3% في الأعوام التي تليه".
وأضاف: "كما عدلت مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية نظرتها المستقبلية عن الاقتصاد القطري من سلبية بعد الحصار مباشرة إلى مستقرة حاليا، ما يعكس تحسن توقعاتها عن الأداء المالي والاقتصادي لدولة قطر في المستقبل".
وتابع: "ظهرت ثقة المؤسسات المالية العالمية بمستقبل أداء الاقتصاد القطري عند طرح سندات سيادية قطرية بقيمة 12 مليار دولار في أسواق المال العالمية، حيث وصل حجم الاكتتاب إلى 53 مليار دولار وبأسعار فائدة معتدلة".
وقال إن "أهداف رؤية قطر الوطنية بتحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط والغاز لا تعني أبدا، إهمال قطاع النفط والغاز، مصدر ثروتنا الأساسي".
تطوير التنويع الاقتصادي
ولفت أمير قطر إلى أن "التنويع الاقتصادي يهدف إلى تحقيق النمو دون التأثر بالتغيرات في
أسعار هذين المصدرين، ولكن لا بد من تطويرهما باستمرار والحفاظ على الثروة لنا ولأجيالنا المقبلة، وتنميتها".
وأشار إلى بعض التطورات الهامة في هذا القطاع، منها الانتهاء من الدراسات المبدئية لتطوير مشروع ضخم لإنتاج الغاز الطبيعي المسال من حقل الشمال، وبهذا ستحافظ قطر على مركزها كأكبر مصدر للغاز المسال في العالم لسنوات عديدة مقبلة.
كذا، جرى دمج شركة قطر غاز وشركة رأس غاز، كي يصبح إنتاج الغاز وتسييله وتسويقه حصرا في شركة واحدة. وكان الهدف من هذا الدمج توحيد الموارد والقدرات المتميزة للشركتين، وخلق مشغل للطاقة فريد من نوعه من حيث الحجم والكفاءة والمركزية، وتخفيض النفقات التشغيلية السنوية حيث يوفر الدمج نحو ملياري ريال قطري سنويا.
ولفت إلى أن قطر للبترول تتجه نحو العالمية، عن طريق المشاركة في استكشاف وإنتاج النفط والغاز خارج قطر؛ فقد عقدت اتفاقيات استكشاف وإنتاج في سلطنة عمان والبرازيل والمكسيك والأرجنتين وجنوب أفريقيا بالمشاركة مع شركات النفط العالمية ومع بعض الشركات الخليجية.
وأضاف: "لم تتأثر صادراتنا من النفط بالحصار، فقد حرصت الدولة على تنفيذ التزاماتها كافة بموجب العقود القائمة، وأبرمت عدة عقود طويلة المدى آخرها مع بتروشاينا تمد من خلالها قطر مناطق متعددة في الصين بحوالي 3,4 ملايين طن من الغاز المسال سنويا، وتمتد هذه الاتفاقية حتى عـام 2040".
وشرح أنه "في مجال تنفيذ استراتيجياتنا المتعاقبة لتحقيق رؤية قطر الوطنية، دخلت استراتيجية التنمية الوطنية الثانية 2018-2022 مرحلة التنفيذ في بداية العام الجاري. وشـرعت كافة الوزارات والأجهزة الحكومية بتفعيل برامج هذه الاستراتيجية".
ولفت إلى أن ذلك تم من خلال الاستمرار في تطوير البنية التحتية وتعزيز التنويع الاقتصادي وتنمية القطاع الخاص والإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية، مع الحفاظ على البيئة وحمايتها ومواصلة العمل لتعزيز التنمية البشرية من خلال إيجاد نظام رعاية صحية شامل ومتكامل.
وكذا، تطبيق أنظمة الجودة في التعليم، وبناء قوة عمل كفؤة وملتزمة، كما تهدف إلى تطوير التنمية الاجتماعية من خلال مراعاة العدالة وتوفير الأمن والسلامة لجميع المواطنين والمقيمين والعمل على الإثراء الثقافي والتميز الرياضي.
خطط تنموية محورها الإنسان
وتابع أمير قطر: "يبقى الإنسان موضوع خطط التنمية ومحورها وهدفها. فارتفاع مستوى معيشة المواطن يجب أن يواكبه تطور قيمي وثقافي واهتمام بالأخلاق، وإلا فقد ينشأ احتمال أن تتحول الرفاهية إلى حالة من الإفساد الاجتماعي القائم على الثقافة الاستهلاكية غير المنتجة والمتذمرة باستمرار، وشعور بالاستحقاق لا يقوم على العمل والكفاءة. وهذا ما يفترض أن يحذر منه الأهلُ أبناءهم، والمعلمون تلامذتهم، والقادة شعوبهم".
وأضاف: "لقد نشأ في قطر مجتمع حديث ودولة عصرية واقتصاد متطور وحولنا اقتصاد النفط والغاز إلى صناعة متطورة. ولكي نكون قادرين على مواصلة التطور وتحقيق الاستدامة، ولا ننزلق في مهاوي اقتصاد الاستهلاك وثقافة الاتكالية واللامبالاة، لا بد من تأكيد العمل وأخلاقياته".
وقال: "لقد حققنا تقدما كبيرا وسريعا في بناء الوطن وفي مستوى المعيشة وكذلك في التنمية البشرية من صحة وتعليم، وما زال أمامنا الكثير من التحديات في هذه المجالات وعلينا التأكد من الالتزام بأخلاق العمل في الوظيفة، والعطاء للمجتمع. وفي هذا السياق، نؤكد أيضا أهمية الخدمة الوطنية ودورها في بناء شباب هذا الوطن".