التقرير الصادر عن الشركة الاستشارية "كناديان كونسالتينغ غروب" (CCG)، أكد نجاح قطر في استغلال ثرواتها الضخمة من الغاز في استيعاب موجة التأثيرات القطاع المالي، وتأمين إمدادات الغذاء والطرق البحرية والموانئ، لتتخطى بذلك آثار أزمة الحصار وتصبح في وضعها الطبيعي، بعدما حولت أزمتها إلى فرصة استطاعت من خلالها أن تحقق معدلات نمو تجاوزت 2% بنهاية العام الماضي.
ولفت التقرير إلى التوقعات بأن تتجاوز نسبة نمو الاقتصاد القطري 2.9% بنهاية العام الجاري، بفضل تدابير "الاكتفاء الذاتي" التي أطلقتها في كافة مشروعاتها المتعلقة بالسلع الضرورية، إضافة إلى المنتجات التي يعود مصدرها إلى دول الحصار الأربع.
التقرير تناول وضع الاقتصاد القطري بالأرقام على الرغم من الحصار، إذ تجاوزت قيمة تجارة قطر مع دول العالم 90 مليار دولار، بسبب تنوع المنافذ التي تتوزع عليها التجارة، وتطوير البنية تحتية التي أفرزت منها خيارات متعددة لتصدير البضائع واستيرادها.
ووسّعت قطر أخيراً ميناءها البحري الرئيسي، وأنشأت مطاراً بمواصفات عالمية، وهما يعتبران منفذين حيويين لها لتجارتها مع العالم، خاصة بعد أن دشنت الدوحة أخيراً خطاً بحرياً مباشراً مع أكبر تحالف بحري في العالم، يعوضها عن إعادة التصدير من الدول المجاورة.
والظروف الحالية التي تعيشها قطر نتيجة قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها معها ليست المرة الأولى التي تختبر فيها الدوحة قدرتَها على التأقلم مع طوارئ اقتصادية لم تكن طرفاً فيها.
فمن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية خريف 2008، مروراً بالتراجع الحاد في أسعار الطاقة، الذي أعقبتُه أزمة سحب سفيري السعودية والإمارات عام 2014، أثبت الاقتصاد القطري قدرته على التأقلم مع كل التداعيات الاقتصادية لتلك المراحل البارزة من خلال تحقيق معدلات نمو من بين الأعلى عالمياً.
وأمس الثلاثاء، نقلت وكالة "رويترز" عن منتجين قطريين ومحللين اقتصاديين تأكيدهم أن قطر نجحت في زيادة إنتاجها المحلي من المواد الغذائية، لا سيما اللحوم والدواجن والخضروات ومنتجات الألبان، بعد عام من إعلان مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لها.
ويوضح التقرير أن المشاريع القطرية في شتى القطاعات ما زالت متواصلة من دون أي تأخيرات في جدولها الزمني، إذ ما زالت تسيّر المشاريع المرتبطة باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022 وفق جدولها الزمني، التي تقدّر بمئات مليارات الدولارات، على وتيرتها، من دون أن تتأثر بتبعات الخلاف.
وإضافة إلى ذلك، واصلت الدوحة تصدير الغاز والنفط من دون انقطاع. وعسكرياً، وقّعت قطر صفقات شراء أسلحة بعشرات مليارات الدولارات من الولايات المتحدة وأوروبا منذ بداية الأزمة.
وفي السياق ذاته، يقول مدير إدارة البحوث في المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، حمد المجرن، إن عوامل كثيرة حالت دون تأثر الاقتصاد القطري بالأزمة الخليجية، منها حجم الصادرات، خصوصاً الغاز، وتنويع قطاع الطاقة، ومشاريع البنية التحتية المتطورة، بالإضافة إلى تحفيز الحكومة للصناعات المحلية التي شهدت تطوراً لافتاً خلال الأشهر الماضية.
ويضيف المجرن، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن أثر الأزمة على قطر من الناحية الاقتصادية محدود، على الرغم مما تقوم به دول الحصار. فالإمارات سعت منذ اليوم الأول إلى خلق أزمة عدم ثقة بالريال القطري، إذ تحايلت على سندات قطر لإضعاف قيمة الريال عالمياً، لكن سمعة قطر عالمياً أعطت لشركائها العالميين الحقيقة كاملة، ما ساهم في ثبات الاقتصاد القطري.
وضخّت الدوحة عشرات مليارات الدولارات بعد انخفاض الودائع المصرفية في بداية الأزمة، ونجحت في إعادة القطاع المصرفي إلى وضعه الطبيعي. وقالت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" في تقرير حديث أن الأرقام الأخيرة الصادرة في قطر تظهر أن أخطر آثار الأزمة على الاقتصاد انتهت.
في السياق ذاته، يقول زياد عدواني، الخبير في الشؤون الاقتصادية الخليجية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "آثار الأزمة الاقتصادية على دول الخليج، في حال استمرارها، ستنعكس في بعض جوانبها سلباً على الوضع الاقتصادي في كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وهي التي أعلنت مقاطعة الدوحة وفرضت الحصار عليها".
وبيّن أن السعودية التي بلغ عجز موازنتها 50 مليار دولار، فقدت السوق القطرية النشطة، ما أجبرها على الاقتراض بشكل كبير، والاتجاه نحو العراق لتعويض خسائرها مع قطر، لكنها لم تنجح في ذلك لوجود رغبة لدى بغداد في منافسة الرياض على أسواق أخرى كالسوق الباكستاني والهندي.
أما الإمارات فخسائرها كبيرة، إذ إنها استثمرت في قطر بين عامي 2015 و2016 ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار، وحجم طلبها على الغاز سيتضاعف 3 مرات في السنوات الخمس المقبلة، ولا يعرف هل ستستمر قطر في تزويدها بالغاز الذي تحصل عليه بسهولة مقارنة مع التكلفة المرتفعة للبدائل.
والبحرين خاسرة أيضاً بسبب الحصار، لأن اقتصادها يعتمد كثيراً على السعودية التي تتخبّط في أزمة اقتصادية خانقة نتيجة الحروب التي تمولها، وزيادة البطالة التي بلغت مليون عاطل من العمل.