مأساة اليمن المستمرة

22 مارس 2019
+ الخط -
كنت، وما أزال، وسأبقى، مؤمناً بأنه لا يوجد أي مركز قبلي أو حزبي، على مستوى الجمهورية اليمنية، يتجاوز، بما قد يمتلكه من مختلف الأسلحة، ترسانة سلاح قوى "الهضبة الزيدية".
من المسلَّمات أن مافيا "الهضبة الزيدية" لا تزال تتحكم في مصير شعب أعزل، يبحث عن حقوقه المشروعة، في بناء دولة خالية من الاستبداد، بعد أن كانوا قد عايشوا أحلامها واقعاً ملموساً، بـ"دولة المواطنة المتساوية"، التي أسسها قبل 42 عاماً، رجل القيم الوطنية والمبادئ الإنسانية، إبراهيم الحمدي، رحمة الله عليه، ثلاث سنوات ذهبية، لتحل مكانها "سلطة العسكر" الانقلابية التي اغتالت مستقبل وطن برمّته، وتنكّرت لنضالات الحركات الوطنية التي قدمت  دماء كثيرة، في سبيل عزة الشعب اليمني ورفعته، عبر مسيرة طويلة من التضحيات، لتزداد أحزان اليمنيين. فيوم السابع عشر من يوليو/ تموز 1978 هو اليوم الأسود، والأكثر سواداً، في ذاكرة هذا الشعب، إذ جاء بـ"الشاويش العفاشي" علي عبد الله صالح، حاكماً، كأبرز أدوات السعودية المخلصين، وأحد المشاركين غدراً، في تصفية "الحمدي" وشقيقه، المقدم عبد الله، قائد لواء العمالقة، في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 1977، وبإشراف سعودي مباشر. حيث تمكّن المخلوع، آنذاك، من إحكام القبضة على كل مفاصل الدولة، واغتيال رموز وطنية كثيرة مناهضة له، فأخلص ولاءً لترجمة أجندة "السعودية" على ما يلبي سياساتها العدائية لليمن، والممتدة منذ عقود، لتستمر هذه السياسة الشيطانية لبلادنا، وطنٍا فاقدا القرار السياسي، كلما ارتفعت الأصوات الوطنية، للمطالبة بيمن خال من الفوضى والفساد، في عهده، كلما توسع نفوذ القبيلة، في تجاوزها "قانون الدولة"، كسياسة، لا تزال تلقي بظلالها على الوطن حتى هذه اللحظة. فالوطن لا يزال يرزح تحت قبضتهم، إذ صارا يساندان كليهما الآخر: عبثاً، وإفراطاً هستيرياً، بخيرات البلد ومقدراته، ومن يحاسب من؟ وأي عقابٍ طاول مسؤولاً إبان سلطة "النظام العفاشي" أصلاً؟ نتحدّى، للمرة المائة، إثبات أنه تم استجواب مسؤول واحد، على الأقل، للمساءلة. والأفظع أن مسؤولين حكوميين دينوا رسمياً بارتكاب عشرات من جرائم الفساد المالي والسياسي، فضلاً عن تورّطهم في نهب مليارات المال العام، فتمت ترقيتهم إلى مناصب عليا؟
أمام فجائع مسلسل هذا الدمار الشامل، انتهج النظام السابق، منذ اعتلائه كرسي السلطة، سياسة اللامبالاة، في عدم معالجته انهيارات البلد المتراكمة، والتي أودت به، في نهاية المطاف، إلى مطالبة الشعب برحيله. وقبلاً، لم يحدث أن شاهدنا فاسداً واحداً، قط، تم استجوابه، إبّان فترة سلطة الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام)، والذي لم ينتفض أعضاؤه مرة واحدة، مذ تأسيسه، ولم يخرجوا إلى الساحات، انتصاراً للناس، للقانون، ورفضاً للظلم، للفساد، للغلاء؟! بل إن سياسة زعيم حزبهم ازدادت تسلطاً وإجراماً.
يقال إن الضغط يولّد الانفجار، فبعد 33 عاماً من الطغيان، اندلعت ثورة الربيع اليمني - العربي، في 11 فبراير/ شباط 2011، لتهتف رفضاً لبقاء النظام السابق "إرحل.. إرحل يا عفاش"، لتعلن للعالم أن الشعب، كل الشعب، هو "مصدر السلطات"، وعلى نظام الاستبداد الرحيل.
هذه الثورة السلمية، المغضوب عليها من بعض دول الخليج، خلعت صالح. وفي المقابل، منحته فرصا ذهبية كثيرة، ليبقى رمزاً مكرماً، لكنه أبى، واستكبر استكبارا، وتحالف مع "الشيطان" بقصد الانتقام من الثورة، ليكشف أكثر عن مدى دمويته، يوم أطلق عبارته المشهودة "ليس المهم التوقيع ولكن المهم حسن النوايا".
ومن سخريات الزمن أن نسمع ونقرأ لصحافيين يمتدحون عفاشاً حتى اليوم، وهم من كانوا أمس من أشد منتقدي سياسته الإجرامية، ليتحول اليوم إلى "مانديلا اليمن"، وحزبه في نظرهم الحامل الأوحد لـ "المشروع الوطني". لغة تشي عن سياسة احتواء، مارستها أجنحة النظام السابق في حق كتاب وصحافيين ومعارضين لها كثيرين في مقابل أموال تدفع لهم من خيرات الشعب أيضاً، وليس مستبعدا أن بعض هذه الأقلام انحرفت طوعاً بدافع المصلحة الشخصية. وإذ لا يزال يتجلى المشهد المأسوي، في عدم مغادرة هذه الأجنحة عقلية الاستبداد، فلا تزال تُصرُّ على أنها الأولى بحكم 27 مليون نسمة، في وقوفها ضد "شرعية" الحوار الوطني الشامل التي أجمع عليها المتحاورون، برعاية دولية، فيجهل العفاشيون أنهم بذلك يلعبون بالنار.
ما يقود بالمجمل إلى أن الحوثيين الانقلابيين ليسوا أكثر خطورة على الوطن من طارق عفاش وبقية الأذرع العفاشية، فحسب، بل العكس هو الصواب. وما مآسينا هذه إلا نتاج "السياسات العفاشية" الدموية، حيث إنه، وعلى مدى التاريخ، وفي إشارة إلى دموية مراكز قوى ما بات يعرف بـ "المركز المقدس".
CC0DC3C8-4680-47DD-A1E2-F3B4DFCE532B
CC0DC3C8-4680-47DD-A1E2-F3B4DFCE532B
محمد الصهباني (اليمن)
محمد الصهباني (اليمن)