في يونيو/حزيران من العام الحالي، وقع الاختيار على الدكتور محمد معيط ليكون وزيراً للمالية فيمصر، خلفاً لعمرو الجارحي عضو لجنة سياسات جمال مبارك. ولم يكن معيط غريباً عن الوزارة، حيث كان نائباً لوزير المالية لشؤون الخزانة العامة في الفترة بين عامي 2016 – 2018، كما كان قبلها مساعداً للوزير.
وقبل مضي 3 أشهر على جلوسه في مقعد الرجل الأول في الوزارة، أعلن معيط أن الحكومة ستطبق سياسات واضحة في الأسابيع المقبلة تهدف إلى خفض مستوى الدين العام، مضيفاً أن هذه السياسات تشمل التشجيع على المزيد من الإصلاح الهيكلي، ووضع أهداف للاقتراض الداخلي والخارجي، والاستمرار في العمل على تحقيق معدلات النمو.
ووعد معيط، الذي جاءت تصريحاته متزامنة مع إعلان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء ارتفاع الدين الخارجي بنهاية يونيو/حزيران الماضي إلى أكثر من 92 مليار دولار، بوضع سقف للاقتراض الخارجي خلال الفترة القادمة.
ومع التسليم بأن كل دول العالم لديها مديونيات، فإن المؤشر الحقيقي لدخول هذا الدين في مرحلة الخطر من عدمه يكمن في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها مما تتحصل عليه من إيرادات.
وفي هذه النقطة تحديداً، تبرز أهمية العمل على تخفيض الدين الخارجي، ووضع سقف له، كما ينوي معيط، حيث إن قدرة الدولة المصرية على سداد الديون الخارجية تكاد تكون معدومة، في ظل عجز دائم في ميزان المدفوعات، حتى أننا لم نسدد دولاراً واحداً من الدين الخارجي، إلا وقد اقترضنا أو جددنا أو أطلنا أجل أكثر منه، في كل عامٍ تقريباً من العقد الأخير على أفضل تقدير.
لم تمض ساعات على تصريحات معيط، حتى تم الإعلان عن اتفاق وقعته وزارة البترول والثروة المعدنية، ووزارة الاستثمار والتعاون الدولي، مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، إحدى المؤسسات التابعة للبنك الإسلامي للتنمية، تحصل بمقتضاه مصر على قرض بثلاثة مليارات من الدولارات، بغرض "دعم توفير سلع أساسية للمواطنين".
ثم أعلن بنك الاستثمار الأوروبي أنه بصدد توفير تمويل لعدد من المشروعات بالسوق المحلية، منها على سبيل المثال مشروع تطهير مصرف كتشنر الذي يربط ثلاث محافظات مختلفة وهي الغربية والدقهلية وكفر الشيخ (شمال)، بقيمة إجمالية تصل إلى 589 مليون يورو (أكثر من 683 مليون دولار) بنهاية العام الحالي 2018.
كما وقعت وزارة النقل على اتفاقية مع كوريا الجنوبية (وبعض الشركات الكورية)، وأخرى مع وكالة التنمية الفرنسية للحصول على قروض لتمويل شراء قطارات جديدة لمترو الأنفاق، لزوم تشغيل الخط الثالث، وأيضاً لدعم مشروع توريد وتصنيع عدة قطارات أخرى، بقيمة إجمالية تصل إلى 643 مليون يورو (أكثر من 745 مليون دولار) خلال العام القادم، حتى ظننت أن السقف الذي تحدث عنه معيط يخص الاتفاقات التي تعقدها وزارته فقط، ولا يسري على ما يتم الاتفاق عليه بواسطة الوزارات الأخرى!
في الولايات المتحدة، وضع المُشرع سقفاً لاقتراض الحكومة، تم تحديده كنسبة من الناتج المحلي للدولة، ولا يجوز بأي حال تجاوز هذا السقف. وفي الحالات التي أعلنت وزارة الخزانة وصولها إلى هذا السقف، لم يكن هناك حل إلا موافقة الكونغرس على رفع السقف مؤقتاً للوفاء بالتزامات الدولة.
وفي إحدى المرات، أغلقت الحكومة الأميركية أبوابها لساعات، حتى يستيقظ الرئيس الأميركي دونالد ترامب من نومه، ليوقع على مشروع رفع السقف الذي أقره الكونغرس في وقت متأخر من الليلة الماضية، قبل أن تستطيع وزارة الخزانة استئناف اقتراضها.
أرجو ألا يغيب عن الوزير أن العمل على تخفيض مديونية الدولة ووضع سقف للاقتراض لا يتم بقرار وزير المالية، ولا بخطة وزارته. وإنما يتعين أن تتفق الدولة، بكافة وزاراتها، على توجه عام. فلو نظرنا إلى الدين الخارجي المصري، عند مستواه الحالي، سنجد أن معدل فائدة 4.5%، يضيف إلى رصيده كل عام أكثر من أربعة مليارات دولار.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن ميزان المدفوعات المصري خلال السنوات الأخيرة يعاني من عجز لا يقل عن 15 مليار دولار كل عام، فستكون النتيجة إضافة سنوية إلى الدين الخارجي بما لا يقل عن 19 مليار دولار، وذلك مع افتراض التزامنا بعدم استخدام احتياطي النقد الأجنبي لسداد الديون، ولا أعتقد أن أي خطة لوزارة المالية وحدها ستنجح في خفض الدين حينئذٍ.
خطط تقليص الدين الخارجي لا تكون بالاتفاق على الحصول على المزيد من الديون، ولا تتم عن طريق إطالة أمد القروض أو تجديدها عند استحقاقها، ولا يعد من أساليبها تنويع مصادر الإقراض أو عملة الاقتراض، وبالتأكيد لا تتحمل وزارة المالية وحدها عبء تنفيذ تلك الخطط.
خطط تقليص الدين الخارجي تبدأ خارج وزارة المالية، وتحديداً عند وضع قيود على الواردات، كما يفعل العالم كله الآن، لوضع حد للعجز التجاري الدائم لدينا.
خطط تقليص الدين لا بد أن تشمل الترويج السليم للسياحة في بلادنا، لاستغلال توليفة فريدة حبانا الله بها، تشمل بحرين ونهرا ومناخا معتدلا وأكثر من ثلث آثار العالم وحبا فطريا للأجانب.
خطط تقليص الدين ينبغي أن توفر بيئة استثمارية خصبة، مدعومة بالتشريعات والقوانين التي تسهل حل نزاعات المستثمرين مع الحكومة وتكفل الحقوق وتحدد الواجبات. وأخيراً فإن خطط تقليص الدين لا بد أن تتميز بالشفافية والوضوح، وتسمح بالمشاركة المجتمعية، بعيداً عن المجالس التشريعية الصورية التي يعلم الجميع أنها تخلت عن وظيفتها الأساسية، وهي العمل من أجل من انتخبهم من المواطنين.