ليلة تركية طويلة... في المغرب

22 يوليو 2016

تجمع أمام السفارة التركية في الرباط ضد الانقلاب (18يوليو/2016/Getty)

+ الخط -
لم يفشل الانقلاب التركي. فعل ما تفعله المغامرات العسكرتارية المجنونة، عندما تصاب بهوس السلطة السياسية، تسيطر على المواقع الحساسة في الدولة، وتطلق بلاغها الأول المليء بالجمل المجترّة، والنفحة الثورية الكاذبة، المدافعة عن المصلحة العليا والثوابت، تم تستعد للإمساك بزمام الدولة، وإعلان الحكم المطلق.
لم يفشل الانقلاب التركي، فقد كان نموذجياً في خطواته، وفياً للخطوات التقليدية التي ترافق اللحظة الصفر، لزحف العسكر على رقعة السياسة.
ما وقع أن الانقلاب وجد نفسه مواجَهاً، في سرعة قياسية، بهبةٍ شعبيةٍ هائلة، وغير متوقعة، استطاعت دفنه في البدايات. نعم، لعبت المؤسسة العسكرية دوراً مهماً في إفشال الانقلاب، لكن المحدّد الرئيسي كان كذلك هو قدرة المشهد الحزبي التركي على عزل المبادرة الانقلابية التي لم تجد، بالمطلق، أي ظهير سياسي، يستطيع تبييض جريمتها المكتملة الأركان. ويقدر على إعطائها قليلاً من "المعنى"، لذلك، ظلت مختزلةً في حقيقتها الأصلية الأولى: عملية اغتصاب مرفوض للشرعية، وانتهاك واضح للديمقراطية وقواعد التداول السلمي على السلطة، عبر صناديق الاقتراع.
تابع المغاربة تفاصيل "ليلة الكرامة" بطريقة تدعو للدهشة. فعلوا ذلك من خلال القنوات الفضائية التي لم تلتزم جميعا بالحد الأدنى من المعالجة المهنية والموضوعية، مغلبة الانتصار لأمنيات العواصم المشتغلة على أجندتها، تم أساساً من خلال مواقع التواصل الإجتماعي التي تحولت بسرعة إلى فضاءٍ لتقاسم المعلومات والأخبار. وأكثر من ذلك إلى منبر للاصطفافات والمواجهات، وإلى ساحة مفتوحة أمام معركة التدوينات والتعاليق والصور والتصاميم والرموز.
كانت الليلة التركية الطويلة كذلك مناسبةً لإعادة اكتشاف هموم وأسئلة مغربية، ذلك أنه إذا كان عموم المغاربة المتفاعلين مع الحدث قد أعلنوا انحيازهم الواضح للشرعية ضد الانقلاب، فإن اللعبة المغرية لاستدعاء المواقع والمواقف، من الواقعة التركية، كما كنا قد عايشناه في الحالة المصرية، وتنزيلها مباشرةً على الاصطفافات الوطنية، قد جعلت بعضهم يعلن احتفاءه الساذج بالانقلاب، نكاية في خصومٍ محليين، تقمصوا، لأسبابٍ ثقافيةٍ وسياسيةٍ نموذج "العدالة والتنمية" التركي إلى حدود التماهي الرومانسي.
وإذا كانت التحولات الإيديولوجية التي شملت التمثلات السياسية للأجيال الجديدة، قد عرفت خفوتاً حاداً للحساسية العروبية التي تتأسس على نوعٍ من الجفاء النفسي والعاطفي تجاه تجارب الأمم المجاورة للعالم العربي (الترك والفرس)، فإنه يبقى من الغريب التهليل وسط بعض صفوف اليسار لتجربة الانقلاب، على نحوٍ من الاستبطان المثير للمقولات "المجنونة" والسرديات "الغرائبية" لجزءٍ من "النخبة المصرية"، لحظة دعمها انقلاب العسكر على حكم "الإخوان المسلمين".
الانتصار للانقلاب يعني، في العمق، اختيار الحكم المطلق للعسكر على الحكم الديمقراطي للإسلاميين المنتخبين، وهو ما يعني خللاً معيارياً فظيعاً في سلم التفضيلات القيمية، يسمح بقبول اغتصاب كل النظام الديمقراطي، نكاية في الخصوم السياسيين والإيديولوجيين، وهو ما يعد تعبيراً بيّناً عن هشاشة الثقافة الديمقراطية لدى النخب، ذلك أن تقديرات الموقف السياسي تجاه وقائع بهذا الحجم، لا يجب أن تنزاح عن سقف المبدأ. وهذا أمر يدعو إلى القلق، إن لم يكن إلى الخوف.
من دون ذلك، عناصر الأمل أقوى، فالليلة التركية الطويلة التي ستطبع الذاكرة التاريخية والمخيال السياسي لأجيال وأجيال من الشباب، وعموم المواطنين العرب، ستتحول بالتأكيد إلى ما يشبه فكرةً جديدةً وملهمةً للطريق الصعب والشاق نحو ثقافةٍ سياسيةٍ جديدةٍ أكثر إيماناً بالديمقراطية.
ذلك أن لهذه "الليلة من أجل الديمقراطية " دروساً قوية نافذة، أهمها أن إرادة الشعوب لا تهزم، خصوصاً عندما تتملك نخبها الوعي الديمقراطي، وتحرص، خلال المحطات المفصلية الكبرى، على المبدئية السياسية، عوض مجاراة العمى الإيديولوجي.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي