ليس زمن "الإخوان"

16 ابريل 2016
+ الخط -
في عمّان، اتصل أ بصديقه ع، وسأل الأول الثاني: أين أنت؟ فأجابه بأنه في مشرب هيلتون المجاور لمقهى السنترال، والمقابل للمركز العام القديم لجماعة الإخوان المسلمين.
مضت عشرات السنين على المركز القائم في قلب العاصمة، والذي احتفظ بمقرّه هذا، على الرغم من انتقال المقر فعلياً إلى منطقة العبدلي القريبة، وعلى ما يحيطه ويقابله. حتى بات المشهد جزءاً من معالم وسط البلد، وعلى نمط الحياة الاجتماعية العامة التي تزداد محافظةً، لكنها ما زالت تترك هامشاً لتنويعات ثقافية وحضرية.
ضحى الأربعاء 13 إبريل/ نيسان 2016، أغلقت السلطات مقر المركز العام بالشمع الأحمر، بعد مصادرة محتويات المقر.
إنها المرة الأولى في الأردن التي يتم فيها إغلاق المقر الرئيس في العاصمة، ومقرّات فرعية في مدن أخرى، لتنظيم يمارس العمل السياسي، وذلك منذ عودة الحياة النيابية والحزبية إلى هذا البلد، أواخر ثمانينيات القرن الماضي. تم التنفيذ بموجب قرار لمحافظ العاصمة، والمحافظ هو في منزلة حاكم إداري. ولم يتم الأمر نتيجة حكم قضائي، علماً أن هناك منازعات قضائية بين جماعة الإخوان المسلمين بزعامة همام سعيد التي جرى إغلاق مقرّاتها وجمعية جماعة الإخوان المسلمين بزعامة عبدالمجيد ذنيبات، والأخيرة انشقت عن الجماعة الأصلية، وأخذت تنازعها الشرعية، وحازت على ترخيص يمنحها عملياً صفة جماعة الإخوان. وإلى هذه الخطوة الانشقاقية، انضوى، في العامين الماضيين، شطر من الجماعة في صفوف تيار زمزم (المبادرة الأردنية للبناء) بقيادة رْحيّل غرايبة.
في منتصف العام 2014، عقد 180عضواً يمثلون 20 شعبة، تضم قياداتٍ، من بينها عبدالمجيد ذنيبات، اجتماعاً عاماً في إربد شمال البلاد، حملوا فيه على قيادة الجماعة. ثم تشكلت، بعدئذٍ، من صفوف الصقور مبادرة الشراكة والإنقاذ، وضمت عبد اللطيف عربيات، عبد الحميد القضاة، حمزة منصور، إسحق الفرحان، وسالم الفلاحات، وآخرين. خرجت المبادرة الأخيرة من صفوف حزب جبهة العمل السياسي، وليس من داخل الجماعة. إذ يملك "الإخوان" في الأردن وجوداً تنظيمياً مزدوجاً، فهم متمسكون بجماعة الإخوان الأم التي انشئت في العام 1945، ولديهم، في الوقت نفسه، حزب جبهة العمل الإسلامي الذي تشكل بموجب قانون الأحزاب مطلع تسعينيات القرن الماضي.
المداهمة والإغلاق تمّا، حسب السلطات، لرفض "الإخوان" التقدم بطلب ترخيص. يعود عمر
الجماعة الأردنية إلى 71 عاماً، وكانت تنشط، على الدوام، بصورة علنية، ولم يسبق أن عملت بصورة سرية. وكانت على الدوام مرخصة، باعتبارها جمعية خيرية دعوية!. السلطات هي التي أذنت لها بممارسة السياسة، منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي، إبّان الحرب الكونية الباردة، وانعكاسها على المنطقة في حربٍ عربيةٍ باردة. وقف "الإخوان"، آنذاك، ضد الأحزاب القومية واليسارية في الأردن، وضد المد الناصري في المنطقة. منذ ذلك الحين، أصبحت مزاولة النشاط السياسي، في نظر الجماعة، حقاً مكتسباً لها، وكذلك في نظر السلطات.
مع بداية التسعينيات، تموضعت جماعة الإخوان المسلمين في صف النظام السوري (على الرغم من اضطهاده "الإخوان" السوريين) وإيران وحزب الله. وأرسى توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1996، ومعارضة الجماعة لها، طلاقاً سياسياً بين الجماعة والنظام. تزعم "الإخوان" المعارضة نحو 15 عاماً، لكن الصلات الشخصية "الودية" ظلت قائمةً بين أركان الجماعة والمسؤولين الأردنيين. منذ العام 2011، ابتعد "الإخوان" عن دمشق وطهران وحزب الله، على خلفية الموقف من الثورة السورية. وابتعدت عن الجماعة أحزاب قومية ويسارية مالأت نظام دمشق، في حربه على شعبه. وظل الافتراق قائماً مع الدولة، وخصوصاً مع نمو الجماعات السلفية والجهادية التي خرج معظمها من عباءة "الإخوان"، كما تعمق الخلاف بين الجانبين، على خلفية الموقف من حركة حماس.
لاقى الإجراء الذي اتخذ، أخيراً، بحق جماعة الإخوان المسلمين ردود فعل متباينةٍ بين مؤيد ومعترض في صفوف الأحزاب. لا تميل الجماعة نفسها إلى التصعيد، مدركة كما يبدو أن هذا الزمن (هذه الآونة) ليس زمن الإخوان. أدرك النهضويون في تونس ذلك مبكراً، وبحس سياسي مرهف، ونأوا بأنفسهم عن تصدّر المشهد السياسي. تميل الناس، في غالبيتها، إلى التدين، لكنها لا تجنح إلى التحزب. تناصب القوى اليسارية والقومية والعلمانية الجماعة العداء. المجتمع المدني لا يبالي كثيراً بوجود الجماعة. غالبية الأنظمة في المشرق والمغرب تغلق الأبواب، وتفتح السجون في وجه أعضاء الجماعة. حلف إيران ودمشق وحزب الله وبغداد يعتبر الجماعة الممثل السياسي للسنّة الذي يجب إضعافه إلى أقصى حد، إذا لم يكن في الإمكان تصفيته.
ترفض الجماعة نفسها في أثناء ذلك أن تتغير. لا تفكّر، مثلاً، بتغيير الاسم. لم تعد النظر في مواقفها من الأقليات ومن النساء ومن غير المسلمين ومن رابطة العروبة ومن الفنون. الزمن يمضي ودولٌ تدول وإمبراطوريات تتهاوى وأحزاب كبيرة تندثر و"الإخوان" هم كما هم. وينعقد نشاطهم وأهدافهم على ترييف المدن، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي عبر إنشاء مصارف وشركات ومدارس إسلامية، وإقصاء النساء، وإحلال الأناشيد الدعوية ذات اللحن المدرسي الرتيب الواحد، والتمثيليات التاريخية الخطابية، محل جميع أنشطة الآداب والفنون.
على جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، بقيادة همام سعيد، تجديد رخصتها جمعية خيرية دعوية، لا تزاول نشاطاً سياسياً، وأن يكون حزب جبهة العمل الإسلامي الممثل الحزبي والسياسي للحركة الإسلامية. وكذلك الأمر على جمعية جماعة الإخوان، بقيادة عبد المجيد ذنيبات، أن تقصر نشاطها على الدعوة والأعمال الخيرية، وأن يحتكما معاً إلى القضاء مجددا حول من يحق له استخدام الاسم. التيارات الأخرى، مثل "زمزم"، يمكنها التقم بطلب ترخيص إنشاء حزب جديد، علماً أن الخارطة الحزبية تضم حزباً إسلامياً ثانيا هو الوسط الإسلامي. وعلى السلطات أن تسهر على حماية القانون وتطبيقه، وأن تشجع الجميع، بمن فيهم حزب جبهة العمل الإسلامي، على المشاركة النشطة في الانتخابات. يقود الإسلاميون في المغرب الحكومة منذ أربع سنوات، ولم يحدث شيء يخلخل ركائز ذلك البلد، لكن إسلاميي المغرب أكثر انفتاحا من "إخوان" الأردن، وعلى الجماعة الأخيرة تصعيد وجوه شابة ذات دراية العصر، وأكثر ارتباطاً به، وأقل عداء للتنوّع الاجتماعي والثقافي والحضاري في المجتمع.