ليست حماس .. إنها فلسطين

15 يوليو 2014

تظاهرة تونسية في ذكرى يوم الأرض (مارس/2013/فرانس برس)

+ الخط -


فلسطين دائمة الحضور، حتى في لحظات الغياب. فشلت كل محاولات تهميشها، حيث بقيت باستمرار قضية أساسية ومركزية لدى العرب، في كل مكان وزمان. نعم، قد يتراجع الاهتمام بها بسبب عوامل كثيرة، بعضها محلي وآخر إقليمي، لكنها لا تتلاشى، وسرعان ما تعود من جديد لتلح بقوة على الضمير الفردي والجماعي، وتفرض نفسها مرة أخرى، لتستعيد موقعها المتقدم على أجندة جميع الأطراف، حتى التي تعمل من أجل دفنها نهائياً.

ليست تونس سوى مثال على ذلك. هي دورة دائمة، لا تتوقف على الرغم من اختلاف الظروف واللاعبين. قبل هذه اللحظات الصعبة، دار جدل في تونس، بسبب القضية الفلسطينية، وبسبب غيرها حول رهان الانتماء، هل يكون نحو أوروبا، أم يبقى مائلا نحو الشرق؟ استمر هذا التنازع فترة داخل صفوف النخبة، وليس خارجها، وإذا بتونس تستفيق ذات صباح، وهي تستقبل المقاتلين الفلسطينيين القادمين من معركة بيروت. وكان استقبالاً تاريخياً حسم نهائياً قضية الانتماء. بقيت فلسطين في الوجدان، واستمرت أوروبا تداعب عقل النخب التونسية. وكان من نتائج هذا الصراع العربي الإسرائيلي أن جامعة الدول العربية انتقلت من القاهرة إلى تونس، لقد عوقبت أم الدنيا، ومنبت الحركة القومية، بسبب زيارة قام بها الرئيس أنور السادات إلى الكنيست الاسرائيلي، وتم، في المقابل، تقديم تونس لتلعب دوراً قيادياً في ظرف استثنائي.

حصل ذلك كله في عهد بورقيبة، الشخصية التاريخية التي شغلت العرب فترة من الزمن، وراهن الغرب عليه كثيراً، ليجعل من تونس دولة نموذجية، تسبح خارج سياقها العربي والإسلامي، فإذا به ينقل القيادة الفلسطينية إلى قلب العاصمة التونسية، ويعطي للزعيم ياسر عرفات مجالاً واسعاً للمناورة. إنها دورة الزمن الحضاري التي لا تأبه بالمعطيات الصغيرة، فالتاريخ، مثل النهر الكبير، يتبع مجراه إلى الآخر.

وعندما حاول زين العابدين بن علي، في لحظة من لحظات غروره، أن يمرر حضور الجزار أرييل شارون في مؤتمر دولي عقد في تونس، لم يتمكن من ذلك، لأن الوجدان التونسي غير مستعد أن يقبل تلك الخطوة، ويرى فيها خيانة لا تغتفر، وهو ما جعل الديكتاتور يتراجع عن استضافة من لا يمكن قبوله.

حدثت الثورة، وانقلبت الأولويات، وتصدّع النسيج المجتمعي، وانقسمت النخبة حول الكبير والصغير من المسائل والأحداث، لكن بوصلتها بقيت مشدودة نحو فلسطين. ليس الجميع مع حركة حماس، وثمة فاعلون سياسيون كثيرون ونشطاء في المجتمع المدني كثيرون أيضاً، يختلفون معها جذرياً، لكنهم يعتبرون ما يجري يتجاوز الخلاف مع هذه الحركة أو تلك. إنهم مع غزة المحاصرة التي هي جزء من فلسطين التي تريد الصهيونية العالمية ابتلاعها. وهذا هو الحس السليم الذي لا تزال تتمتع به الجماهير التونسية، وتحركت النخب، هذه الأيام، لتعبر عنه بوضوح. إحساس يميز بين الجوهر والعرض، وبين الظرفي والاستراتيجي، وبين الاختلاف والعداء، وبين الخصم السياسي والعدو الدائم. وهذا، للأسف، لم تفهمه أطراف عديدة داخل مصر أو خارجها.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس