حذّر المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، من انتهاء الأثر الدستوري لاتفاق الصخيرات بنهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، وجاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده الثلاثاء الماضي، بمقر الجامعة العربية بالقاهرة، عقب اجتماع جمعه مع أمين الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، وممثل الاتحاد الأفريقي جاكايا كيكويتي.
ونبّه كوبلر إلى أن "اتفاق الصخيرات مرّ عليه قرابة العام، دون دخوله حيّز التنفيذ وسينتهي أثره الدستوري بنهاية كانون الأول/ديسمبر المقبل، إذا لم ينفذ".
وبحسب بنود الاتفاق السياسي فإن أثره الدستوري وصلاحية بنوده المنبثقة عنه تنتهي بعد سنة من توقيعه، ويمكن تمديده لسنة أخرى بالاتفاق بين الأطراف، لكن تمديد الاتفاق غير ممكن، لأن أطرافاً ممثلة في البرلمان وأخيرا بالمؤتمر الذي عاد للواجهة، ترفض الاعتراف به.
وعلى الرغم من أن الاتفاق السياسي أفرز حتى الآن جسمين هما المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة، لكن هذين الجسمين بقيا متعثرين بسبب مماطلة البرلمان في الموافقة على الاتفاق السياسي، كما أن جهود الأمم المتحدة الساعية لفرض تطبيق الاتفاق اصطدمت برغبات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه في البرلمان، المتمثلة برغبته بتبوؤ منصب عسكري ضمن السلطة المنبثقة عن الاتفاق السياسي، ويضاف لذلك تضارب مصالح القوى الدولية بليبيا، الأمر الذي منع تبلور رؤية موحدة بشأن الأزمة الليبية .
ودخلت ليبيا منذ 2011 بحالة انقسام السياسي تمخض عنها وجود حكومتين وبرلمانين وجيشين متنافسين بين طرابلس غرباً وطبرق شرقاً. في ديسمبر/كانون الأول 2015 وقّع ممثلو الأطراف الليبية اتفاقاً سياسياً، بمدينة الصخيرات المغربية، بهدف إنهاء حالة الانقسام، لكن هذا الاتفاق ما يزال يقابل برفض البرلمان.
وقبل نحو أسبوعين، عاد المؤتمر وحكومته إلى خارطة الصراع، معلنين أن من وقع على الاتفاق من جانب المؤتمر لا يمثلون إلا أنفسهم، مما زاد المشهد تعقيداً، وبعد أيام من ذلك أعلن الحرس الرئاسي المكلف بتأمين القصور الرئاسية في العاصمة طرابلس انشقاقه عن مجلس الدولة الداعم لحكومة الوفاق الوطني وانحيازه إلى المؤتمر وحكومته.
واعتبر المؤتمر أن "الاتفاق السياسي لم يكفل للبلاد عودة الاستقرار بل برز المجلس الرئاسي المنبثق عن الاتفاق كطرف في الصراع"، داعياً "لاحترام الإعلان الدستوري لأنه الوحيد الذي يكفل فض النزاعات"، ومعلناً أنه "في حل من الاتفاق السياسي ومخرجاته" .
وبعد مرور أسبوعين من فشل المؤسسات القضائية بتنفيذ أوامر رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، بالقبض على رئيس حكومة الإنقاذ، خليفة الغويل، أعلن المجلس الأعلى للدولة، الخميس الماضي، عن إجراء يعكس عمق الأزمة التي يعيشها المجلس الأعلى، فقد أصدر المجلس بياناً أقال فيه رئيس المؤتمر نوري أبو سهمين و23 عضواً آخرين "بسبب رفضهم للاتفاق السياسي والالتحاق بالمجلس الأعلى للدولة، إذ يقضي اتفاق الصخيرات بأن يلتحق أعضاء المؤتمر الوطني العام بالمجلس الأعلى للدولة الذي يشكل هيئة استشارية عليا لكافة مؤسسات الدولة".
ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي قوله إن "اجتماع سترعاه واشنطن خلال هذا الأسبوع، سيهدف إلى إنهاء حالة الجمود السياسي الذي تشهده ليبيا".
وتأتي هذه التصريحات الأميركية بالتوازي مع إعلان إيطالي على لسان وزير الخارجية باولو جنتيلوني عن بدء مساعيه لإقامة اتصالات بين السراج وحفتر.
وأعلن ممثلو الاجتماع الثلاثي الذي جمع الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، الثلاثاء الماضي، عن تشكيل لجنة ثلاثية لدفع الحوار السياسي في ليبيا وتسهيل تنفيذ اتفاق الصخيرات.
وعلى الصعيد الإقليمي وبعد تراجع الدور المصري، الذي يرى مراقبون أنه ربما انتهى بعد أن نجح حليف القاهرة حفتر بالسيطرة على مرافئ النفط، خصوصاً بعد وعود مسؤولين مقربين من حفتر أنهم سيبيعون النفط الليبي لمصر بالجنيه دعماً لاقتصادها المنهار، نقلت صحيفة "ليبيا هيرالد"، عن مصادرها، أنه من المتوقع أن تأخذ الرياض دوراً مهماً بمساعي حل الأزمة الليبية من خلال حث الأطراف الرافضة للاتفاق السياسي على اعتماده.
وبحسب الصحيفة فإن واشنطن طلبت في وقت سابق من الرياض المساعدة في حل الأزمة الليبية، من خلال استخدام نفوذها في شرق ليبيا حيث يسيطر الطرف المتعنت بقبول الاتفاق السياسي.
ووسط هذه الجهود فإن التصريحات المتضادة من أطراف الصراع في البلاد تجعل مصير الاتفاق السياسي على المحك، لا سيما مع قرب انتهاء أثر الاتفاق الدستوري، وبالتالي فإن الأزمة الليبية ربما تعود لنقطة الصفر مجدداً، ليستمر الصراع السياسي والعسكري من دون أي أفق للحل.