توالت خلال اليومين الماضيين، المواقف السياسية الدولية الداعية إلى التهدئة وتفعيل الحلول السلمية للأزمة الليبية، لا سيما إثر الاجتماعات الروسية - التركية التقنية التي عقدت في أنقرة أخيراً، وذلك على الرغم من بقاء عودة التصعيد العسكري خياراً مطروحاً بقوة، وسط خشية من توجه ليبيا إلى مرحلة الصدام المباشر بين أطراف الحرب الإقليميين والدوليين على محور الجفرة – سرت.
بخلاف التصعيد الكلامي بين فرنسا وتركيا، خرجت اليوم الجمعة، وأمس الخميس، تصريحات أميركية ومصرية وروسية، تعكس الدعوات للتهدئة وأهمية الحل السياسي. في المقابل، صوبت الولايات المتحدة مجدداً على نشاط مرتزقة "فاغنر" الروس في ليبيا، كأداة فاعلة لموسكو لتثبيت نفوذها في هذا البلد، وذلك عبر تقرير جديد للبنتاغون مدعوماً بالصور الجوية، يظهر تعزيز "فاغنر" لترسانتها العسكرية، ونوعها وحجمها، مع تسليط الضوء على الألغام التي تنشرها وسط المناطق المدنية.
وفي هذا الإطار، نشرت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، اليوم الجمعة، بياناً جديداً، معززاً بصور التقطتها الأقمار الصناعية، يظهر أدلة على مواصلة روسيا بناء وتعزيز قدراتها العسكرية في ليبيا، عبر "فاغنر".
وقال نائب مدير الاستخبارات في "أفريكوم"، الجنرال غريغوري هادفيلد، إن الصور تظهر مجالاً واسعاً للتدخل الروسي. إنهم يواصلون تثبيت موطئ قدم لهم في هذا البلد". وأكد مدير عمليات "أفريكوم"، الجنرال برادفورد جيرينغ، أن "حجم ونوع السلاح المنقول إلى فاغنر، يثبت أن الأهداف المبتغاة منه دعم القدرات الهجومية، وليس العمل الإنساني، وأنه مدعوم مباشرة من وزارة الدفاع الروسية".
LIBYA: #Russia & the #Wagner Group continue to be involved in both ground & air operations in #Libya
— US AFRICOM (@USAfricaCommand) July 24, 2020
------
"The type and volume of equipment demonstrates an intent toward sustained offensive combat action capabilities, not humanitarian relief," said Gering.
في غضون ذلك، تواصل الحراك السياسي بشأن الملف الليبي. والتقى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق الوطني" فائز السراج، اليوم الجمعة، بمقر إقامته في إسطنبول التي يوجد فيها، السفير الأميركي لدى تركيا ديفيد ساترفيلد.
وتناول الاجتماع مستجدات الوضع في ليبيا. واتفق الجانبان على الحل السياسي للأزمة الليبية، وضرورة الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2510 ومخرجات مؤتمر برلين. وأكد الاجتماع على الضرورة القصوى لإعادة فتح حقول ومرافئ النفط واستئناف التصدير تحت إدارة المؤسسة الوطنية للنفط.
كما استعرض السراج أوضاع بلاده مع نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
وكان السراج قد شدد على ضرورة أن يكون أي وقف لإطلاق النار في ليبيا مستداماً، وقادراً على لجم اعتداءات مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك في اتصال أجراه أمس مع منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، الذي أعرب عن حرص الاتحاد على العودة للمسار السياسي وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ومخرجات مؤتمر برلين، داعياً للتهدئة على محور سرت - الجفرة.
وفي ما خصّ الحوار الروسي التركي، وبعد تأكيد الطرفين إثر مباحثاتهما التقنية في أنقرة على مواصلة التعاون للبحث عن حل للأزمة، أكدت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، تصميم موسكو على التواصل مع جميع الأطراف الليبيين لوقف الصراع.
ودعت موسكو لوقف العمليات العسكرية في ليبيا، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، بما فيها الأمنية. كما نقل عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تصميمه على مواصلة مناقشة الحلول لوقف الحرب الدائرة في هذا البلد، لا سيما خلال جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل، مشدداً على ضرورة الوقف الفوري لجميع الأعمال العدائية.
من جهتها، أكدت السفارة الأميركية في ليبيا، اليوم الجمعة، عبر "تويتر"، دعوتها للتهدئة في هذا البلد، مشيرة إلى الاتصال الهاتفي الذي أجراه سفيرها في طرابلس ريتشارد نورلاند مع رئيس مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق عقيلة صالح، أمس، حيث أكد له دعم بلاده لسيادة ليبيا والتوصل إلى حل سلمي تفاوضي للأزمة، يبدأ بالتهدئة حول سرت والجفرة. وأكد السفير الأميركي رفض بلاده لجميع التدخلات الأجنبية في ليبيا، ودعمها للحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة.
2/2 وأكّد السفير رفض الولايات المتحدة لكافة التدخلات العسكرية الأجنبية في #ليبيا ودعمها الكامل للحوار الذي تيسّره الأمم المتحدة.
— U.S. Embassy - Libya (@USAEmbassyLibya) July 23, 2020
بدورها أيضاً، واصلت القاهرة خطاب التهدئة، وذلك بعد أيام من موافقة برلمانها على إرسال قوات لمهمات في الخارج، ما اعتبر إشارة أساسية للتحضير لتدخل عسكري مصري مباشر في الأزمة الليبية.
وشدد وزير الخارجية المصري سامح شكري، على أهمية الحفاظ على وحدة ليبيا وأمنها، وذلك من خلال العمل نحو حلّ سياسي للأزمة، ومساندة بناء المؤسسات الوطنية. وجاء كلام شكري، بحسب المتحدث باسم الخارجية أحمد حافظ، خلال اتصاله بنظيره الصيني وانغ يي، وذلك بعد يوم واحد من استعراضه الأزمة الليبية في اتصالات هاتفية شملت بوريل ونظراءه الإيطالي لويجي دي مايو، واليوناني نيكوس دندياس، والمالطي إيفاريست بارتولو.
ونبّه شكري إلى خطورة المشهد في ظل "تصعيد غير مسؤول من خلال عمليات نقل للمقاتلين والإرهابيين إلى ليبيا، بهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة واستهداف الدول العربية وأمنها القومي ومقدرات شعوبها"
إلى ذلك، وفيما طبع يوم أمس بالسجال الفرنسي - التركي العالي النبرة، والتي تعتبر ليبيا أحد أبرز مسبباته، اكتمل الرد التركي، ليلاً، على تصريحات هجومية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منتقداً التدخل التركي في شرق المتوسط، بدعوة المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حامي أقصوي، فرنسا لاتباع سياسات تتصف بالحكمة والعقلانية.
ورد أقصوي خطياً على تصريحات ماكرون، متهماً باريس بـ"فقدانها حيادها وفرصتها في المساهمة بالاستقرار، عبر كل خطوة خاطئة تتخذها في شرق المتوسط".
وفي ما يخص ليبيا، أعرب المتحدث التركي عن أمله في أن تصبح باريس قادرة على التمييز بين الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وبين الطرف "المعتدي الساعي للإطاحة بالحكومة الشرعية من خلال محاولة السيطرة على العاصمة طرابلس منذ أكثر من عام".
وأكد أقصوي أن تصريحات الرئيس الفرنسي "ليست لها أي قيمة بالنسبة لتركيا"، وأنه "لا يمكن لأحد التطاول" ومخاطبة بلاده بلغة التهديدات، مطالباً فرنسا بـ"التخلي عن النظر إلى نفسها في المرآة المكبرة". كما طالبها بالتراجع عما وصفه بـ"دعم الانقلابيين في ليبيا".