22 نوفمبر 2024
ليبيا.. الانتقال مجدّداً إلى الحرب الأهلية
بينما كان مؤتمر باليرمو، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، يسعى إلى وضع ليبيا على طريق السلام، اتخذت التطورات الدولية والداخلية مساراً آخر، نحو تغيير وجهة الصراع المسلح، ونقله من الشمال إلى الجنوب الليبي، بما يمثل دورة جديدة في الأزمة السياسية، ولمناقشة العوامل وراء اندلاع الحرب في الجنوب، تبدو أهمية الاقتراب من تصوّرات الأمم المتحدة، البعثة الأممية، تجاه المسار السياسي، ومساهمتها في تهدئة الصراع. ولعل الجانب الآخر يتعلق بتلاقي المكونات المحلية وتنافرها وتقلّبها بين تحالفاتٍ هشّة، بحيث يتشكل التحدي الرئيسي في أن استمرار هذه التناقضات سوف يعزّز التوجه نحو الحرب الأهلية، من دون القدرة على وضع نهايةٍ لها.
وقد بدت التقييمات المتفائلة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة (7 يناير/كانون الثاني الجاري)، عندما اعتبر أن الترتيبات الأمنية ووقف إطلاق النار في طرابلس يمكن أن يشكلا أرضية لحل الأزمات الأمنية في مناطق أخرى، على الرغم من أن التوتر المتزايد بين المجموعات المسلحة في المدينة يشكّل معضلة للأمن في ليبيا، فالاتجاهات العامة للتقرير تشير إلى الأشكال المختلفة للانفلات الأمني في الشرق والجنوب الليبيين، فما يشير إليه التقرير هو الإقرار بتماثل التوتر وضعف المؤسسات في كل أنحاء ليبيا، بجانب انهيار الأمن وأعمال التخريب ومنع المؤسسات النفطية من العمل والصراع للسيطرة على المقرّات العسكرية.
ومن جانبه، رأى غسّان سلامة (18 يناير/كانون الثاني الجاري) أن مجلس النواب يتحمّل مسؤولية تأخر الاستفتاء على الدستور، فقد ركّز سلامة على تجاوز هذه المعضلة من خلال التمييز ما بين مسارين: الأول، ينظر إلى الانتخابات التشريعية باعتبارها حلا انتقاليا لتجديد مشروعية السلطة والخروج من الاختناق الدستوري، حيث يعتقد بفكرة إجراء الانتخابات مسارا مستقلا عن الاستفتاء للحفاظ على الحد الملائم من المشروعية القانونية، فيما ربط الانتخابات الرئاسية بالاستفتاء على الدستور. أما المسار الثاني فيرتبط بتطوير "الملتقى الوطني الجامع"، ليكون مظلة لحشد قدرات المجتمع ورافعةً للحل السياسي.
الفلسفة السياسية وراء مقترحات البعثة الأممية تكمن في السعي إلى تأسيس السلطة على قاعدة
توسيع الصيغة التمثيلية للمجتمع، حيث يوفر تكوين السلطة التشريعية الفرصة المتكافئة لتمثيل المناطق المختلفة، فيما أن رئاسة الدولة سوف تخلق مركزيةً سياسيةً تُضعف السلطات الأخرى. ولذلك يصعب إجراؤها بدون نص دستوري يحدّد اختصاصاتها، غير أن نقطة الضعف لهذا التصور تتمثل في احتمال رفض الاستفتاء مشروع الدستور، ما يهدّد مسار الحوار السياسي، ويعزّز الصراع المسلح. غير أن نقطة ضعف هذه الأفكار تكمن في تجاهل مجلس النواب، من جانبي توجّه البعثة الأممية إلى إجراء الانتخابات وفق قانون سابق، ونقل مهمة إعداد قانون الاستفتاء على الدستور إلى المجلس التشريعي المقبل.
ويمكن القول إن استناد التقدّم نحو الانتخابات التشريعية على تجاوز مجلس النواب، والتحيز لحكومة الوفاق، يشكل وصفةً لتنشيط الحرب الأهلية. فمن جانب، يدفع الحكومة المؤقتة إلى تأكيد سلطتها وتوسيع نطاقها، ومن جانب آخر، لم تحرز البعثة الدولية نجاحاً يعتدّ به تجاه الترتيبات الأمنية في طرابلس أو المنطقة الغربية، كما لم تتوفر لديها القدرة على التوسط لوقف المعارك في الجنوب، فعلى خلاف دور البعثة الأممية في التوصل إلى ترتيبات وقف إطلاق النار في طرابلس، في سبتمبر/أيلول الماضي، فقد اكتفت بإصدار بيانات (20 يناير/كانون الثاني) تعبّر عن قلقها من حشد "القوات المسلحة" في جنوب ليبيا، وتزايد احتمالات وقوع نزاع بين أطراف متعدّدة على خلفية تكرار محاولات سيطرة الأهالي على مصادر المياه والنفط، ووجود مجموعات مسلحة عديدة في مناطق مختلفة في الجنوب.
ويظهر ضعف الأمم المتحدة في أنه على الرغم من زيارة رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، الجنوب، ودعم حكومة الوفاق فتح حقل الشرارة النفطي، في ديسمبر/كانون الأول 2018، ظلت المؤسسة الوطنية للنفط تصنّفه تحت حالة القوة القاهرة، بسبب ضعف الترتيبات الأمنية والصراع الأهلي حول المشاركة في الثروة والمشاركة العادلة في العوائد النفطية، ما ترتب عليه إغلاق الحقل، لحرمان حكومة الوفاق من بسط سلطتها على الموارد، وهي حالةٌ سوف تتفاقم مع اندلاع المعارك على نطاق واسع في جنوب ليبيا، حيث لم تقتصر الأزمة على اعتصامات "حراك غضب فزان"، والخلاف حول سيطرة الكتيبة 30 التابعة لحرس المنشآت، ولكن وضع الموارد النفطية والمياه صار واحداً من مفردات الصراع على السلطة بين الحكومة الليبية المؤقتة (البيضا) و"حكومة طرابلس"، ما يجعل السيطرة على الجنوب مسألة أكثر تعقيداً، فقد شهد الجنوب مصادر متعدّدة للصراع، لم تقتصر الأطراف الليبية، لكنه صار مترابطا مع الأزمات في دول الجوار، حيث يساهم ضعف الرقابة على الحدود في الحديث عن مشاركة تنظيماتٍ مسلحةٍ تشادية وسودانية في الحرب الأهلية. وفي الفترة الأخيرة، تبلورت تطلعات المكونات المسلحة غير الليبية في البحث عن مصالح لها داخل ليبيا.
وفي ظل هذه الظروف، شرع "الجيش الليبي" في توسيع انتشاره في الجنوب إلى أبعد من مواقعه السابقة، بحيث تشمل العمليات كل مناطق الجنوب، غير أن دخوله في صراع مع جماعة "التبو" يشكل تحدّياً كبيراً لمدى قدرة الوحدات العسكرية على إعادة انتشارها في مناطق واسعة، وذلك بهدف تأمين النفط والغاز والهجرة غير الشرعية، وهي الأهداف المماثلة للصراع على منطقة الهلال النفطي في الشمال الشرقي.
وبينما ينتشر الجيش الليبي في الجنوب، تدخلت القوات الفرنسية لقصف مجموعات مسلحة تابعة لمجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية (CCMSR)، وهي معارضة تشادية تشكلت في
ليبيا في 2016، لمنعها من دخول الأراضي التشادية. وفي هذا السياق، يمكن تفسير التدخل الفرنسي باعتباره مؤشرا على توجه فرنسا لتطوير دورها السياسي، عبر تسهيل سيطرة خليفة حفتر على الجنوب، وهو ما يمكن اعتباره مساراً بديلاً لتراجع فاعلية المبادرة الفرنسية.
وعلى الرغم من بيانات الجيش الليبي بشأن الوقوف على مسافة واحدة من المكونات الجنوبية، ظهرت شكاوى من إبعاد التبو عن سبها، فيما يتحالف حفتر مع مكوناتٍ أخرى، ما ترتب عليه استقالة قياديين من التبو من المهام الإدارية والعسكرية تحت الحكومة المؤقتة، وهو خلافٌ يرتبط بعاملين؛ تحالف حفتر مع قبيلة أولاد سليمان، ويعمل على نقل تبعية الإدارة المدنية إلى الحكومة المؤقتة، بغرض إعادة هيكلة السلطة والنفوذ، عير أن هذه المحاولة تواجه تعقيداتٍ كثيرة، لا تقتصر فقط على الصراع بين الجماعات الإثنية في الجنوب، لكنها تتوقف أيضاً على تماسك تحالفات حفتر المتغيرة.
وبالنظر إلى تجربة الصراع في بنغازي، من المحتمل استمرار الحرب في الجنوب فترة غير محدودة، فمن المتوقع أن تتفاقم النزاعات المسلحة في مناطق مختلفة، خصوصاً مع اهتزاز الترتيبات الأمنية في طرابلس، فعلى الرغم من أن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار برعاية المجلس الاجتماعي لقبيلة ورفلة، في 18 يناير/كانون الثاني الماضي، يمثل تطوراً مهماً في التعامل مع الحرب الأهلية والمشكلات الأمنية، ظل الانفلات الأمني خارج نطاق الإلزام الاجتماعي وفوق سيطرة حكومة الوفاق، فالتحدّي الأساسي هنا يكمن في زيادة تسارع الصراع المسلح، فيما يزداد الغموض بشأن احتمالية تطور الملتقى الوطني، ومن ثم، يتشكل وضعٌ سوف يؤدي إلى انهيار فكرة الحل السياسي.
وقد بدت التقييمات المتفائلة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة (7 يناير/كانون الثاني الجاري)، عندما اعتبر أن الترتيبات الأمنية ووقف إطلاق النار في طرابلس يمكن أن يشكلا أرضية لحل الأزمات الأمنية في مناطق أخرى، على الرغم من أن التوتر المتزايد بين المجموعات المسلحة في المدينة يشكّل معضلة للأمن في ليبيا، فالاتجاهات العامة للتقرير تشير إلى الأشكال المختلفة للانفلات الأمني في الشرق والجنوب الليبيين، فما يشير إليه التقرير هو الإقرار بتماثل التوتر وضعف المؤسسات في كل أنحاء ليبيا، بجانب انهيار الأمن وأعمال التخريب ومنع المؤسسات النفطية من العمل والصراع للسيطرة على المقرّات العسكرية.
ومن جانبه، رأى غسّان سلامة (18 يناير/كانون الثاني الجاري) أن مجلس النواب يتحمّل مسؤولية تأخر الاستفتاء على الدستور، فقد ركّز سلامة على تجاوز هذه المعضلة من خلال التمييز ما بين مسارين: الأول، ينظر إلى الانتخابات التشريعية باعتبارها حلا انتقاليا لتجديد مشروعية السلطة والخروج من الاختناق الدستوري، حيث يعتقد بفكرة إجراء الانتخابات مسارا مستقلا عن الاستفتاء للحفاظ على الحد الملائم من المشروعية القانونية، فيما ربط الانتخابات الرئاسية بالاستفتاء على الدستور. أما المسار الثاني فيرتبط بتطوير "الملتقى الوطني الجامع"، ليكون مظلة لحشد قدرات المجتمع ورافعةً للحل السياسي.
الفلسفة السياسية وراء مقترحات البعثة الأممية تكمن في السعي إلى تأسيس السلطة على قاعدة
ويمكن القول إن استناد التقدّم نحو الانتخابات التشريعية على تجاوز مجلس النواب، والتحيز لحكومة الوفاق، يشكل وصفةً لتنشيط الحرب الأهلية. فمن جانب، يدفع الحكومة المؤقتة إلى تأكيد سلطتها وتوسيع نطاقها، ومن جانب آخر، لم تحرز البعثة الدولية نجاحاً يعتدّ به تجاه الترتيبات الأمنية في طرابلس أو المنطقة الغربية، كما لم تتوفر لديها القدرة على التوسط لوقف المعارك في الجنوب، فعلى خلاف دور البعثة الأممية في التوصل إلى ترتيبات وقف إطلاق النار في طرابلس، في سبتمبر/أيلول الماضي، فقد اكتفت بإصدار بيانات (20 يناير/كانون الثاني) تعبّر عن قلقها من حشد "القوات المسلحة" في جنوب ليبيا، وتزايد احتمالات وقوع نزاع بين أطراف متعدّدة على خلفية تكرار محاولات سيطرة الأهالي على مصادر المياه والنفط، ووجود مجموعات مسلحة عديدة في مناطق مختلفة في الجنوب.
ويظهر ضعف الأمم المتحدة في أنه على الرغم من زيارة رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، الجنوب، ودعم حكومة الوفاق فتح حقل الشرارة النفطي، في ديسمبر/كانون الأول 2018، ظلت المؤسسة الوطنية للنفط تصنّفه تحت حالة القوة القاهرة، بسبب ضعف الترتيبات الأمنية والصراع الأهلي حول المشاركة في الثروة والمشاركة العادلة في العوائد النفطية، ما ترتب عليه إغلاق الحقل، لحرمان حكومة الوفاق من بسط سلطتها على الموارد، وهي حالةٌ سوف تتفاقم مع اندلاع المعارك على نطاق واسع في جنوب ليبيا، حيث لم تقتصر الأزمة على اعتصامات "حراك غضب فزان"، والخلاف حول سيطرة الكتيبة 30 التابعة لحرس المنشآت، ولكن وضع الموارد النفطية والمياه صار واحداً من مفردات الصراع على السلطة بين الحكومة الليبية المؤقتة (البيضا) و"حكومة طرابلس"، ما يجعل السيطرة على الجنوب مسألة أكثر تعقيداً، فقد شهد الجنوب مصادر متعدّدة للصراع، لم تقتصر الأطراف الليبية، لكنه صار مترابطا مع الأزمات في دول الجوار، حيث يساهم ضعف الرقابة على الحدود في الحديث عن مشاركة تنظيماتٍ مسلحةٍ تشادية وسودانية في الحرب الأهلية. وفي الفترة الأخيرة، تبلورت تطلعات المكونات المسلحة غير الليبية في البحث عن مصالح لها داخل ليبيا.
وفي ظل هذه الظروف، شرع "الجيش الليبي" في توسيع انتشاره في الجنوب إلى أبعد من مواقعه السابقة، بحيث تشمل العمليات كل مناطق الجنوب، غير أن دخوله في صراع مع جماعة "التبو" يشكل تحدّياً كبيراً لمدى قدرة الوحدات العسكرية على إعادة انتشارها في مناطق واسعة، وذلك بهدف تأمين النفط والغاز والهجرة غير الشرعية، وهي الأهداف المماثلة للصراع على منطقة الهلال النفطي في الشمال الشرقي.
وبينما ينتشر الجيش الليبي في الجنوب، تدخلت القوات الفرنسية لقصف مجموعات مسلحة تابعة لمجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية (CCMSR)، وهي معارضة تشادية تشكلت في
وعلى الرغم من بيانات الجيش الليبي بشأن الوقوف على مسافة واحدة من المكونات الجنوبية، ظهرت شكاوى من إبعاد التبو عن سبها، فيما يتحالف حفتر مع مكوناتٍ أخرى، ما ترتب عليه استقالة قياديين من التبو من المهام الإدارية والعسكرية تحت الحكومة المؤقتة، وهو خلافٌ يرتبط بعاملين؛ تحالف حفتر مع قبيلة أولاد سليمان، ويعمل على نقل تبعية الإدارة المدنية إلى الحكومة المؤقتة، بغرض إعادة هيكلة السلطة والنفوذ، عير أن هذه المحاولة تواجه تعقيداتٍ كثيرة، لا تقتصر فقط على الصراع بين الجماعات الإثنية في الجنوب، لكنها تتوقف أيضاً على تماسك تحالفات حفتر المتغيرة.
وبالنظر إلى تجربة الصراع في بنغازي، من المحتمل استمرار الحرب في الجنوب فترة غير محدودة، فمن المتوقع أن تتفاقم النزاعات المسلحة في مناطق مختلفة، خصوصاً مع اهتزاز الترتيبات الأمنية في طرابلس، فعلى الرغم من أن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار برعاية المجلس الاجتماعي لقبيلة ورفلة، في 18 يناير/كانون الثاني الماضي، يمثل تطوراً مهماً في التعامل مع الحرب الأهلية والمشكلات الأمنية، ظل الانفلات الأمني خارج نطاق الإلزام الاجتماعي وفوق سيطرة حكومة الوفاق، فالتحدّي الأساسي هنا يكمن في زيادة تسارع الصراع المسلح، فيما يزداد الغموض بشأن احتمالية تطور الملتقى الوطني، ومن ثم، يتشكل وضعٌ سوف يؤدي إلى انهيار فكرة الحل السياسي.