تتكئ لويزة إيغيل أحريز على عكازها المعدني، وهي في طريقها إلى حيّ القصبة العتيق وسط الجزائر العاصمة حيث قضت طفولتها. فتمرّ بالأحياء الشعبيّة وتعرّج على سيدي عبد الرحمان وأزقة القصبة السفلى.
هذه المناضلة التي حُفر اسمها إلى جانب مناضلات أخريات في ذاكرة ثورة تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، تُبقي على تواصلها الدائم مع الناس البسطاء ونبض الشارع.
بتاريخ 20 يونيو/حزيران عام 2000، تحدّثت أحريز لصحيفة "لوموند" الفرنسيّة عن العنف الذي تعرّضت له على أيدي جنود الفرقة العاشرة بقيادة الجنرال جاك ماسو في إحدى الثكنات، في الفترة الممتدة ما بين سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول 1957. لكن المناضلة التي تقاوم اليوم على طريقتها وجعاً زرعه ضباط المحتلّ في جسدها المتعب، لم تكتفِ بهذه التصريحات الصحافيّة. فوضعت - بالاشتراك مع الكاتبة الفرنسيّة آن نيفا - مؤلّفها "جزائريّة" (منشورات فايار 2001) حول التعذيب والاغتصاب اللذَين تعرضت لهما عندما كانت شابة يافعة ضعيفة. بذلك، تكون أوّل مجاهدة وامرأة تكسر المحرّمات وتكشف عن اغتصابها في مجتمع محافظ.
إلى ذلك، كسبت هذه المجاهدة دعوى قضائيّة أمام العدالة الفرنسيّة ضد الجنرال موريس شميت وهو ضابط سابق في الجيش الفرنسي في الجزائر وقائد القوات الفرنسيّة خلال حرب الخليج، بعدما كذّب ما تضمّنه كتابها.
وكان المقال الذي نشرته الصحافيّة الفرنسيّة فلورانس بوجيه في ''لوموند'' حول التعذيب الذي مارسه الجيش الفرنسي على الفدائيّين الجزائريّين في خلال حرب التحرير استناداً إلى شهادة لويزة، قد جعل الأخيرة رمزاً. وكان لهذا المقال الذي أتى تحت عنوان "ليلا التي تعرّضت للتعذيب على يد الجيش الفرنسي في الجزائر، تبحث عن الرجل الذي أنقذها"، وقعه على الرأي العام الفرنسي. فالأخير اكتشف للمرّة الأولى فظائع جيشه الوطني في المستعمرات.
في ذلك المقال، اتهمت لويزة شخصيّتَين بارزتَين في الجيش الفرنسي هما الجنرال جاك ماسو والكولونيل مارسيل بيجار، بالإشراف على تعذيبها عندما كانت في العشرين من عمرها قبل أن يُلقى بها في بركة من الدم والأوساخ بهدف التخلّص منها. لكنها بقيت على قيد الحياة بفضل طبيب فرنسي أنقذها وعالجها.
وفي عام 1961، لجأت لويزة إلى الفنان الإسباني بابلو بيكاسو الذي خبأها في منزل العائلة لمدّة 34 يوماً، "بعد فراري من سجن بو الفرنسي قبل سنة من استقلال الجزائر في عام 1962. وأهداني وشاحاً، ما زلت أحتفظ به حتى يومنا هذا".
وتبدأ قصّة لويزة عندما أبصرت النور في بلدة وُجدة المغربيّة عام 1936 "بسبب طبيعة عمل والدي. وفي عام 1948 استقرّت العائلة في الجزائر العاصمة. كان والدي يخدم في الجيش الفرنسي معتقداً أنه سيحرّر بلاده من النازيّة، لكنه أدرك حقيقة المستعمر وأطماعه ودرّبنا جميعاً على المقاومة". جدّها كان مقاتلاً، "ولم يكن غريباً أن يرث والدي الحسّ الوطني عن والده. فقد تربينا إخوتي وأنا على الوطنيّة. ولم تكن من تفرقة بيننا. الفتيات كنّ أكثر عدداً من الفتيان، والأسس موحّدة من دون تمييز أو تفرقة بين الجنسَين".
في تلك الحقبة، كانت لويزة الأولى في صفها، لكنها أحست بعنصريّة تجاهها في مدارس الاستعمار. وسرعان ما انخرطت في المقاومة لتحمل كلّ يوم دمها على كفها وتمضي في ثورة تحرير الجزائر.
في عام 1957، عرفت عائلتها أوقات عصيبة، إذ "والدي كان معتقلاً في سجن بربروس، وقد احتجزت والدتي أيضاً لأنها كانت تنتمي إلى إحدى المجموعات التي كانت تنقل الأدوية والوثائق في ما بين المجاهدين". أما شقيقتها مليكة، فكانت قاذفة قنابل "لأننا في النهاية كنا في حالة دفاع عن النفس. من جهتها، كانت فاطمة تنشط في أحد مراكز التجمّع في حين انتقلت يامنة إلى المغرب حتى تتمكّن من تمويلنا". ولويزة التي كانت ما زالت في المدرسة، كلّفت بمهمة نقل الرسائل وجمع التبرّعات.
وفي شهر أغسطس/آب من العام نفسه، علمت لويزة أن البحث جار عنها. فقرّرت الهروب إلى الجبل في الولاية الرابعة. وفي 28 سبتمبر/أيلول، "اشتبكتُ وتسعة رفاق فدائيّين مع الجيش الفرنسي في منطقة الشبلي. فأصيبت بجروح بليغة، نقلت على أثرها إلى مستشفى مصطفى باشا ومنه إلى مقرّ قيادة الجنرال ماسو حيث حاول نقيب يُدعى غرازياني استنطاقي وقد عذّبني بحضور ماسو شخصياً... كان التعذيب فظيعاً".
وبعد انتهاء كل ذلك، لم يكن سهلاً على لويزة إيغيل أحريز أن تخبر والدتها بأنها اغتُصبت، "لكنني فعلت بعكس مناضلات أخريات فضّلن دفن سرّهنّ مع كثير من صور العذاب".