28 أكتوبر 2024
لولا الغيرة
لعلها أول المشاعر التي يختبرها الطفل في مراحل نموه المبكرة، في سياق سعيه الغريزي إلى الإحساس بالأمان، ويذهب الأخصائيون النفسانيون إلى اعتبارها أحاسيس طبيعية، تنتابنا جميعاً بغض النظر عن الجنس أو العمر أو المستوى الثقافي، كونها تدخل ضمن تركيبة النفس البشرية، القائمة على التعقيد والغموض والتناقض، من حيث المبدأ، بل يراها بعضهم صفة إيجابية، ضرورية بمقدار، لغايات تحفيز الطموح والحس التنافسي، وتأجيج الرغبة في إحراز التقدم والنبوغ، طالما ظلت تحت السيطرة، بمعنى أنها لم تمتلك منا الجوارح، ولم تتحول إلى هاجس يقض المضاجع، ويجعل منا أشخاصاً بغيضين، مسكونين بهواجس الحقد والحسد والضغينة والكراهية ولوم الذات وتحقيرها والحط من شأنها، ما يفسد علاقاتنا بالآخرين، ويحرمنا من حلاوة الإحساس بالقناعة والقبول والرضا عن الذات التي تفضي، حكماً، إلى راحة البال. وفي المثل الشعبي: لولا الغيرة ما حبلت الأميرة.
وتتفاوت مشاعر الغيرة في أنواعها وحدتها، من شخص إلى آخر، وقد تتحول إذا زادت عن الحد، ولا سيما في العلاقات العاطفية، إلى شكل خطير من أشكال الأنانية والتملك المرضي والتعدي على خصوصية الآخر، بذريعة الحب والاكتراث. وغالباً ما يقع الشخص، المفرط الغيرة، فريسة سهلة في أنياب الشك والريبة، فتدفعه، في أحيان كثيرة، إلى ارتكاب تصرفاتٍ لا تخلو من طيش ورعونة، قد تصل، في تطرفها، إلى حد ارتكاب أبشع الجرائم وأعنفها. وكما هو معروف، فإن سجل البشرية، ومنذ قابيل وهابيل، حافل بجرائم بشعة كثيرة، ارتكبها أشخاص تحت تأثير مشاعر الغيرة المدمرة، التي تؤدي، بالضرورة، إلى الغضب الشديد والرغبة في الانتقام، ما يجعل المرء فاقداً بالمطلق القدرة على الإدراك والتمييز والتصرف المنطقي السليم.
ويتهم بعضهم النساء بأنهن أكثر تأثراً بمشاعر الغيرة من الرجال، قد يبدو ذلك منطقياً، نظراً لطبيعة تكوين المرأة المرهفة والحساسة والأميل إلى العاطفية، غير أن دراسات عديدة، في هذا السياق، أظهرت أن الرجال لا يقلون غيرة عن النساء، الفارق الوحيد أن المرأة أكثر براعة من الرجل، وأقل ادعاءً في التعبير عن مشاعرها، من دون مكابرة، أو قلق على صورتها أمام الآخرين. وهذه، كما أرى، واحدة من مظاهر القوة والصلابة والصحة النفسية التي تسجل لصالح المرأة، في حين يصر الرجال، في أغلب الحالات، على الإنكار وادعاء التحرر التام من مشاعر الغيرة التي يصفونها بالسخيفة، من منطلق أنهم أكثر قوة وحكمة واتزاناً، ويعزون ذلك إلى تماسكهم النفسي ورباطة جأشهم، وكذلك لشدة ثقتهم بأنفسهم التي تحصنهم من القلق، أو الشعور بالتهديد، إزاء مظهر الآخرين وإنجازاتهم، غير أن نفراً قليلاً من الرجال ممن يمكن اعتبارهم أكثر تصالحاً مع ذواتهم، لا يجد حرجاً في الاعتراف بتلك المشاعر، باعتبارها مسألة غريزية بحته، وليست سلوكاً سيئا مكتسباً، يمكن الخلاص منه بالمران والمثابرة.
أياً كان الأمر، فإن الغيرة واحدة من حقائق الحياة التي ينبغي التعامل مع أعراضها بشيء من الموضوعية والتفهم، في معزل عن أية أحكام أخلاقية جاهزة، ويبقى الخيار المطروح أمام الشخص الغيور مرضياً هو الإقرار بالحالة، خطوة أولى للتخفف من توابعها من مشاعر سلبية، تتمكن من النفس، فتعطل طاقاتها وتحتجزها في أسر المقارنة العقيمة ومقت الذات وتحقيرها، والإحساس بالدونية والرغبة في إلحاق الأذى بمن هم أكثر نجاحاً وتمييزاً، غير أن قلة شجاعة فقط من تفعل ذلك، وتذهب إلى اعتراف تطهري كهذا.
تستثير نماذج إنسانية مبتلاة كهذه، في العادة، غضب الآخرين ونفورهم، غير أنها، في واقع الأمر، تستدعي الرثاء والشفقة بمقدار أكبر.
وتتفاوت مشاعر الغيرة في أنواعها وحدتها، من شخص إلى آخر، وقد تتحول إذا زادت عن الحد، ولا سيما في العلاقات العاطفية، إلى شكل خطير من أشكال الأنانية والتملك المرضي والتعدي على خصوصية الآخر، بذريعة الحب والاكتراث. وغالباً ما يقع الشخص، المفرط الغيرة، فريسة سهلة في أنياب الشك والريبة، فتدفعه، في أحيان كثيرة، إلى ارتكاب تصرفاتٍ لا تخلو من طيش ورعونة، قد تصل، في تطرفها، إلى حد ارتكاب أبشع الجرائم وأعنفها. وكما هو معروف، فإن سجل البشرية، ومنذ قابيل وهابيل، حافل بجرائم بشعة كثيرة، ارتكبها أشخاص تحت تأثير مشاعر الغيرة المدمرة، التي تؤدي، بالضرورة، إلى الغضب الشديد والرغبة في الانتقام، ما يجعل المرء فاقداً بالمطلق القدرة على الإدراك والتمييز والتصرف المنطقي السليم.
ويتهم بعضهم النساء بأنهن أكثر تأثراً بمشاعر الغيرة من الرجال، قد يبدو ذلك منطقياً، نظراً لطبيعة تكوين المرأة المرهفة والحساسة والأميل إلى العاطفية، غير أن دراسات عديدة، في هذا السياق، أظهرت أن الرجال لا يقلون غيرة عن النساء، الفارق الوحيد أن المرأة أكثر براعة من الرجل، وأقل ادعاءً في التعبير عن مشاعرها، من دون مكابرة، أو قلق على صورتها أمام الآخرين. وهذه، كما أرى، واحدة من مظاهر القوة والصلابة والصحة النفسية التي تسجل لصالح المرأة، في حين يصر الرجال، في أغلب الحالات، على الإنكار وادعاء التحرر التام من مشاعر الغيرة التي يصفونها بالسخيفة، من منطلق أنهم أكثر قوة وحكمة واتزاناً، ويعزون ذلك إلى تماسكهم النفسي ورباطة جأشهم، وكذلك لشدة ثقتهم بأنفسهم التي تحصنهم من القلق، أو الشعور بالتهديد، إزاء مظهر الآخرين وإنجازاتهم، غير أن نفراً قليلاً من الرجال ممن يمكن اعتبارهم أكثر تصالحاً مع ذواتهم، لا يجد حرجاً في الاعتراف بتلك المشاعر، باعتبارها مسألة غريزية بحته، وليست سلوكاً سيئا مكتسباً، يمكن الخلاص منه بالمران والمثابرة.
أياً كان الأمر، فإن الغيرة واحدة من حقائق الحياة التي ينبغي التعامل مع أعراضها بشيء من الموضوعية والتفهم، في معزل عن أية أحكام أخلاقية جاهزة، ويبقى الخيار المطروح أمام الشخص الغيور مرضياً هو الإقرار بالحالة، خطوة أولى للتخفف من توابعها من مشاعر سلبية، تتمكن من النفس، فتعطل طاقاتها وتحتجزها في أسر المقارنة العقيمة ومقت الذات وتحقيرها، والإحساس بالدونية والرغبة في إلحاق الأذى بمن هم أكثر نجاحاً وتمييزاً، غير أن قلة شجاعة فقط من تفعل ذلك، وتذهب إلى اعتراف تطهري كهذا.
تستثير نماذج إنسانية مبتلاة كهذه، في العادة، غضب الآخرين ونفورهم، غير أنها، في واقع الأمر، تستدعي الرثاء والشفقة بمقدار أكبر.