أثار ظهور الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بلباس ميداني، مساء الأحد، وهو يحمل بندقيته في مواجهة المحتجين الذين منعوا من الاقتراب من قصره وسط العاصمة مينسك غضب معظم رواد مواقع التواصل الاجتماعي في بلاده، واستنكروا لغة التهديد والوعيد ضد المتظاهرين السلميين ومن ضمنهم الأطفال.
وفي مشهد غير مألوف، ومع فشل لوكاشينكو في احتكام الشارع لتثبيت شرعيته بعد اتهامات المعارضة بتزوير نتائج الانتخابات في 9 أغسطس/ آب الجاري، نشرت مواقع الأنباء البيلاروسية الحكومية مقاطع فيديو تظهر جولة بطائرة مروحية فوق شارع رئيسي في مدينة مينسك، وطلبه من قائد المروحية الاقتراب أكثر من الشارع حتى يستطيع رؤية المتظاهرين ضد حكمه. وبعدها ظهرت مقاطع فيديو وهو ينزل من المروحية في داخل قصر "الاستقلال" حاملاً بندقية من نوع كلاشنيكوف بيده وهو يرتدي بزة واقية من الرصاص مزودة بمخازن رصاص إضافية. كما يظهر في التسجيل ابنه نيكولاي البالغ من العمر 15 عاماً، وهو يرافقه في جولة لتحية وشكر عناصر الحرس الجمهوري والجيش الذين اصطفوا في حاجز لمنع المتظاهرين من الوصول إلى القصر.
وعمّت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من السخط تعليقاً على مقاطع الفيديو المنشورة على "يوتيوب". وقالت سفيتلانا كيم: "جن جنون لوكاشينكو، أصيب بخرف الشيخوخة... إنه يشهر البندقية ضد الشعب".
وقال البروفيسور في مدرسة الاقتصاد العليا في شيكاغو قنسطنطين سونين إن "ما نراه اليوم في التقارير الواردة من مينسك إسقاط نادر على الواقع الحالي وتظهر نهاية الدكتاتوريات في النصف الثاني من القرن العشرين". وكتب في صفحته على "فيسبوك" إن ما حصل يجعل نهاية لوكاشينكو قريبة. وفي ظل غياب تعليقات رسمية روسية على فيديو لوكاشينكو، أعاد سونين التذكير بموقف الوزير سيرغي لافروف، يوم الأحد، الرافض لإراقة الدماء والذي أشار إلى أن "هناك من يريد جعل مسار الأحداث الطبيعي والسلمي في بيلاروسيا الآن عنيفاً، وإثارة الدماء ودفع كل شيء نحو إعادة السيناريو الأوكراني"، وحض موسكو على لعب دور لوقف إراقة الدماء وفتح حوار مع جميع الأطراف، بعدما خلص إلى أن لوكاشينكو يلوح بالرصاص في وجه شعبه ويرفض الحوار.
وفي إشارة إلى قرب انتهاء حكم لوكاشينكو، أعاد سيرغي كالباكوف نشر مقطع نهاية حكاية "الصرصور" الخيالية للكاتب والشاعر الروسي، كورون جوكوفسكي (1882-1969)، والتي يقول فيها بعد أنه التهم عصفور دوري، الصرصور المرعب لحيوانات الغابة: "أتى والتقط الصرصور.. وهكذا انتهى العملاق... وقُضي على العملاق بحق... ولم يبق له شاربان". ومعلوم أن المعارضة رفعت في تظاهراتها بداية الصيف الحالي شعار "أوقفوا الصرصور" للتقليل من قوة لوكاشينكو في حال تحرك الشعب ضده. ورأى كثيرون أن لوكاشينكو ارتعب من الحراك ولذلك لجأ إلى حمل السلاح لإرهاب المتظاهرين السلميين.
ورأى معلقون أن طول مدة بقائه في الحكم جعلته واثقاً أن البلاد "ملك شخصي له" ويمكن أن يورثها لأبنائه، وانتقدوا "حماقة لوكاشينكو" لأنه اصطحب ابنه الصغير معه في الجولة. وأثار خروج لوكاشينكو بالسلاح حفيظة مؤيديه الذين تمنى كثير منهم الأمن والسلام لبيلاروسيا، ورفضوا فكرة التلويح بالسلاح مقابل الشعارات والتظاهرات السلمية.
وجاء ظهور لوكاشينكو، مساء الأحد، بعد تظاهرة حاشدة للمعارضة شارك فيها مئات الآلاف. وبعد التظاهرة تحرك نحو 30 ألفاً نحو قصر الرئيس لكن قوات الأمن الخاص والجيش والحرس الرئاسي منعتهم من الوصول إلى قصر لوكاشينكو، ونصبت حواجز على الطرق المؤدية للقصر وعلى أطرافه. وفي المقابل لم يستطع أنصار الرئيس حشد أكثر من 20 ألفاً في تظاهرات أمس المؤيدة للوكاشينكو الذي قرر إغلاق جميع المؤسسات التي شلّها الاضراب بدءًا من يوم الاثنين الماضي إلى حين استقرار الأوضاع.
وبدأت التظاهرات منذ مساء 9 أغسطس/لآب الجاري بعد اتهام المعارضة لوكاشينكو تزوير الانتخابات، وطالب المحتجون بإلغاء نتائج الانتخابات، وتنظيم انتخابات رئاسية جديدة شفافة ونزيهة بعد إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، لكن لوكاشينكو رفض إعادة الانتخابات إلا "على جثته" وعرض إجراء تعديلات دستورية في وقت لاحق.