31 أكتوبر 2024
لهذه الأسباب .. ساعدوا إيران
"كورونا" مرة أخرى، وهذه المرّة من قريب، من عقر الدار ووسط البلد، فما كنا نعتقد أنه بعيد عنا قبل أسبوع واحد فقط أصبح قريبا جدا، ما يعني مرة أخرى أننا نحن البشر محكومون بالتعاون في ما بيننا، لكي نستمر على قيد الحياة على هذه الأرض التي نتشارك العيش فيها، ونتقاسم مواردها، وإنْ بغير عدل ولا قسطاس، ففيروس كورونا الذي اكتشف أولا في الصين، قبل شهرين تقريبا، سرعان ما عبر البحار والأنهار والأجواء إلى مختلف بقاع الدنيا تقريبا، وها هو يحطّ رحاله في بلداننا الخليجية التي أعلنت أربعة منها، حتى اللحظة، أن مواطنين منها قد أصيبوا به، والعدد كما يبدو من الأخبار المتواترة في ازياد، خصوصا أن تقارير منظمة الصحة العالمية لا تبشر بخير أبدا، على الرغم من أن الوضع لم يصبح وباءً بعد، وفقا للمعايير العالمية. ولكن هذا ليس بعيدا في ظل عدم وجود أي لقاح لمقاومته أو للوقاية منه.
عندما كتبت مقال "الإنسانية في زمن كورونا" (العربي الجديد 13 /2 /2020)، كان الفيروس بعيدا عنا جغرافيا، ولم يكن قد اقترب منا، لكنه الأن اقترب كثيرا، حتى أصبح التحدّي الإنساني لنا بشأنه مباشرا وسريعا. وإذا كان العالم كله تقريبا قد تنادى لمساعدة الصين في محنتها المرضية، بغض النظر عن المواقف السياسية منها، فإن أوضاعنا الخليجية الآن تحتم علينا التنادي لمساعدة إيران أيضا، وبشكل أكبر، خصوصا أن الفيروس قد تمكّن منها كما يبدو لنا، على الرغم من عدم وضوح سياسة الحكومة الإيرانية، كما نلاحظ في التعامل مع المرض وتداعياته، فعدد الحالات الخليجية المكتشفة وكلها لمواطنين خليجيين قادمين من إيران يدل، إحصائيا، على أن الأعداد التي تعلنها إيران بشأن "كورونا"، سواء ما يخص أعداد المصابين أو الذين توفّاهم الله إثر الإصابة، غير دقيقة، وأن الوضع هناك أخطر بكثير من المعلن عنه رسميا. ولا ندري ما غرض الحكومة الإيرانية إن تعمدت إخفاء الأعداد الحقيقية. ولكننا نعلم تماما أن الشفافية الإعلامية في حالة التعامل مع كوارث الأمراض، المعدية تحديدا، هي مفتاح الوقاية لبقية الناس، وبداية الحل لمن أصيبوا بالفعل. فعلى سبيل المثال، لو أن إيران أعلنت، منذ البداية، وبوضوح وحزم، عن وجود فيروس كورونا، والعدد الحقيقي للمصابين به، في مدنها، وخصوصا التي تعتبر وجهات مفضلة لبعض الخليجيين، لما تورّط كثيرون من هؤلاء، وغيرهم من بلدان أخرى، في السفر إليها والتقاط الفيروس. ولكن بما أن الفأس قد وقعت في الرأس فعلا، وبما أن الوضع أصبح يتفاقم في إيران، وهي أكبر البلدان المبتلاة بـ"كورونا"، والقريبة منا جغرافيا، فقد صار لزاما على العالم كله، ودول الخليج بالذات، تنحية الخلافات والاختلافات السياسية معها جانبا، ومد يد المساعدات الطبية والإنسانية لها، خصوصا في ظل معاناتها من الحصار الأميركي الواضح أنه تسبب في إضعاف بنيتها الصحية في السنوات الأخيرة كثيرا. ذلك أن أي تفاقم إضافي لوضع "كورونا" في إيران قد يحوّله الى وباء حقيقي عابر للخليج، بحرا أو جوا، وساعتها لن تكفينا كل احتياطاتنا المتخذة لدفعه عنا. وإذا كانت مساعدة دول الخليج إيران على هذا الصعيد هي بالضرورة حماية ذاتية لهذه الدول ومواطنيها بشكل غير مباشر، فإنها أيضا مساعدة ضرورية لإيران، لأسباب أخلاقية وإنسانية، بعيدا عن احتمالات انتقال الفيروس إلينا، فقدرنا، نحن البشر على هذا الكوكب، أن نتعاون في حماية بشريتنا، إن أردنا البقاء فيه، على الرغم من اختلافنا وخلافاتنا.