لهاث إسرائيل وراء هجرة يهود أميركا
منذ بداية تفشّي جائحة كورونا في إسرائيل، تتواتر محاولات البحث عن فرص تجييرها لمعالجة الأزمة السلطوية التي تأخذ بخناقها، ولتحيين سياستها الإقليمية والدولية المرتبطة في حبل سرتها بقضية فلسطين، وكذلك لتكريسها "دولة قومية للشعب اليهودي"، كما نصّ على ذلك "قانون القومية" الأساس (دستوري) الذي أقرّ عام 2018. وما يمكن أن يخدم غاية ذلك التكريس يكمن، من بين أمور أخرى، في استجلاب الهجرة اليهودية من أرجاء العالم، مع التركيز بشكل خاص على هجرة اليهود الأميركيين. ويعود هذا التركيز إلى عدة أسباب، أهمها: أولًا، ضخامة حجم الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وأميركا الشمالية. ثانيًا، ما تنطوي عليه الهجرة الجماعية لهؤلاء اليهود من تعزيز لقوة إسرائيل الاقتصادية، وما توصف بأنها "منعتها القومية" في وجه احتمال اختلال الميزان الديمغرافي في فلسطين التاريخية بين اليهود والفلسطينيين.
ومن المعلومات الشحيحة التي يتم تداولها في هذا الشأن، يتبين أن هناك مؤسسات ومنظمات عديدة تعمل على تشجيع هجرة اليهود الأميركيين، بدءًا بوزارة شؤون الدياسبورا وانتهاء بالوكالة اليهودية، مرورًا بمنظمة بني عكيفا (أكبر حركة شبابية صهيونية دينية في العالم) ومنظمة تغليت/ اكتشاف (منظمة تعليمية صهيونية ترعى رحلات مجانية إلى إسرائيل للشباب لتعريفهم على "التراث اليهودي"). وتوضع تحت كل مؤسسة ومنظمة ميزانياتٌ طائلةٌ لتحقيق مبتغاها، فمثلًا تصل قيمة الميزانية السنوية المخصصة لبند علاقة الوكالة اليهودية بيهود الدياسبورا في موازنتها العامة إلى 360 مليون دولار، في حين أن منظمة تغليت صرفت، منذ تأسيسها قبل نحو عقدين، ما مجموعه مليار دولار، لتنظيم تلك الرحلات المجانية التي تأتّى عنها زيارة أكثر من 600 ألف شاب يهودي من أنحاء العالم، معظمهم من أميركا الشمالية، إسرائيل، بغية تعزيز هويتهم اليهودية وفكرهم الصهيوني.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال نسبة هجرة اليهود الأميركيين إلى إسرائيل في أدنى معدلاتها، وقد يكون العامل الاقتصادي الأهم وراء ذلك، فوفقًا لآخر المعطيات، يعادل دخل اليهودي في إسرائيل 40% من دخل اليهودي الأميركي، نظرًا إلى أن معدل الدخل الشهري لهذا الأخير هو ستة آلاف دولار، في حين أن معدل الدخل الشهري للأول لا يتجاوز 2400 دولار. وثمّة جهات سياسية في إسرائيل تعتبر أن تقليص هذه الفجوة يُعدّ بمنزلة التحدّي الأكبر الماثل أمام الحركة الصهيونية في القرن الحادي والعشرين.
يذكّرنا هذا اللهاث بأن إسرائيل "دولة هجرة يهودية"، أولًا. هذا ما كانته إبّان إنشائها على أنقاض الوطن الفلسطيني وأصحابه، وهذا ما ستستمر عليه. ولا معنى لقراءته، الآن وهنا، من دون الالتفات إلى مسألتين: الزيادة "غير الكبيرة" في نسبة السكان اليهود في إسرائيل. وتعزو مصادر رسمية ذلك إلى هبوط عدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل وإلى ازدياد الهجرة منها. وضعية الهوس الديمغرافي التي تمسك بتلابيب المجتمع الإسرائيلي، والتي ارتفعت أو تكاد ترتفع إلى مستوى الأدلجة. وباتت اللازمة التي تتكرّر كلما يدور الحديث حول الهجرة اليهودية وارتباطها المباشر بـ"الأمن القومي"، تتمثل في أنه لولا الهجرة "لما كانت أغلبية يهودية في دولة إسرائيل".
في عام 1948 (كما جاء في إحدى الوثائق الإسرائيلية المرتبطة بـ"مداميك الأمن القومي الإسرائيلي" كان عدد اليهود في إسرائيل نحو 600 ألف. من دون الهجرة اليهودية، ما كان عدد اليهود في إسرائيل ليبلغ ما هو عليه الآن، وهناك شكٌّ كبير فيما إذا كانت الدولة ستبقى موجودة أصلًا. ولولا موجة الهجرة اليهودية الكبيرة من دول "رابطة الشعوب" (الاتحاد السوفييتي السابق) لكانت الأغلبية اليهودية في إسرائيل متآكلة من ناحية جوهرية. ولا يخفي المسؤولون الإسرائيليون أن تطلعهم كان أن يشكل اليهود في إسرائيل، عام 2010، نحو نصف عدد اليهود في العالم. وبعد ذلك، تبدأ "حملة كبرى" من أجل أن تقطن أغلبية اليهود في العالم في إسرائيل، وهو هدفٌ لا يمكن تحقيقه بدون هجرة جماعية من جانب يهود الولايات المتحدة.