لماذا يكرهون الإسلام؟

18 مارس 2019
+ الخط -
قبل سنوات طويلة، انتشر في الغرب سؤال "لماذا يكرهوننا؟". وبعد تفجيرات "11 سبتمبر" في العام 2001، صار اقتران الإسلام والمسلمين بالتطرّف والإرهاب مسلّمة لا جدال فيها. ودخل العالم الإسلامي في حالة دفاعٍ عن النفس، لا تزال قائمة في بعض الدول العربية والإسلامية. غير أن عقدة الذنب التي أصابت بعض حكومات الدول الإسلامية، ومحاولاتها الدؤوبة للتبرؤ من الإرهاب والتطرّف، لم تمنع استهداف الإسلام والمسلمين. لسبب بسيط، أن الاستهداف ليس رد فعل حتى يمكن تجنبه بالدفاع عن النفس، وتجنب التطرف الفكري والسلوكي لدى الشعوب الإسلامية، فقد أثبتت الأحداث أن التربص السياسي والإعلامي الغربي بالمسلمين لا يرتبط بحوادث العنف أو الإرهاب التي تنسب إلى المسلمين، أي ليس رد فعل طبيعي على ما يقوم به المسلمون تجاه الغرب، بدليل أن عمليات العنف والاستهداف التي تجري بحق المسلمين لا ترتبط، زمنياً ولا موضوعياً، بوقائع عنف أو سلوك تطرّفي عنيف يمكن نسبه إلى الإسلام أو المسلمين. 
إذن، كان سؤال "لماذا يكرهوننا؟" مجرد تورية وسلوكا انعكاسيا لحالة الكراهية الكامنة لدى الغرب ضد الإسلام والمسلمين، عبر ادّعاء أن المسلمين يكرهون الحضارة الغربية المتقدمة صاحبة القيم والمبادئ الأخلاقية. وهو المنطق المعكوس نفسه الذي يتّبعه المتطرّفون اليمينيون في الغرب حالياً، حيث يعتبرون أن المهاجرين الأجانب، المسلمين خصوصاً، هم سبب كل المشكلات المجتمعية، بل وأحياناً الاقتصادية، في بلدانهم. وبالطبع، لا يعترف هؤلاء بأن توجيه تلك الاتهامات الزائفة إلى الآخرين هو عملية إسقاط مكشوفة، وتحايل على العيوب ومفاسد عبر إلصاقها بالآخرين.
يبدو أن أفكاراً كالتي طرحها الرئيس الأميركي الأسبق، ريتشارد نيكسون، عن العدو القادم (الإسلام) وصموئيل هنتنغتون "صراع الحضارات" لم تكن تحذيراً من الإسلام والمسلمين، بقدر ما كانت إشارة إلى الاستعداء والاستهداف. والمقتلة التي ارتكبها الإرهابي الأسترالي، برينتون تارانت، ليست سوى تعبير دقيق عن تغلغل النزعة اليمينية والعنصرية لدى قطاعاتٍ واسعة من المجتمعات غير المسلمة، وهي غير مقصورة على المجتمعات الغربية، بدليل الاضطهاد الممنهج والعنصرية ضد مسلمي الروهينغيا في ميانمار والإيغور في الصين.
لكنْ ثمة خلط يحدث، عمداً أو سهواً، بين مواقف الحكومات والأحزاب والساسة وتحركاتهم، وتوجهات الأفراد والمجتمعات، فقد ظل العالم العربي والإسلامي، سنوات، يوجه اهتمامه إلى المستوى الرسمي، ثم ثبت أن الحكومات والأحزاب المتطرّفة والساسة الشعبويين ليسوا إلا إفرازاً منطقياً لتطرّف مُجتمعي مُتجذر، يزداد انتشاراً ورسوخاً بشكل ملحوظ، فعشرات الحوادث التي وقعت، خلال السنوات الماضية، ضد العرب والمسلمين في الغرب، قام بها أفراد من فئات اجتماعية متنوعة، من دون انتماء سياسي أو تنظيمي معين. فقط لأنهم مهجوسون بعداوة وكراهية الأغيار (كل من ليس منهم)، خصوصاً المسلمين ودينهم الإسلام. هي عنصرية تلقائية، تمتزج فيها الفاشية القومية مع النرجسية العرقية، إلى جانب راديكالية التفسيرات الدينية المتطرّفة التي تعتبر كل الأديان الأخرى كفرا بواحا.
هذا المزيج العنصري قائم أيضاً لدى أفراد وجماعاتٍ بعينها داخل الشعوب العربية والإسلامية، لكنه أكثر انتشاراً ووضوحاً لدى الغرب، مجتمعاتٍ وحكومات، بل هناك تفسيرات موضوعية يمكن رصدها لوجود متطرّفين في مجتمعات فقيرة مقموعة، لا تملك بدائيات الحياة الإنسانية. فيما لا حجة ولا تفسيراً موضوعياً لانتشار التطرّف القومي والعنصرية في مجتمعاتٍ متقدمةٍ وديمقراطية، يفترض أنها متحضرة، وتدعو إلى قيم التسامح والتعايش!
وحين تعلن رئيسة وزراء نيوزيلندا أن قوانين حيازة السلاح في بلادها ستخضع للتعديل، فهي تخطئ الطريق نحو التخلص من التطرّف والعنف، إذ تستهدف العرض لا المرض. ولن يعدم المتطرّفون والعنصريون وسيلة الحصول على الأسلحة، وما لم يتم استئصال جذور الفكر المتطرّف والنظرة العنصرية من الثقافة المجتمعية، سيظل التطرف والإرهاب يستهدفان أبرياء من كل الجنسيات ومن كل الأديان، وفي مقدمتها الإسلام والمسلمون. وإلى أن يحدث ذلك، فإن السؤال الأجدر بالطرح هو "لماذا يكرهون الإسلام؟".
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.