22 نوفمبر 2024
لماذا يدعم ترامب بن سلمان؟
يثير الدعم الكامل وغير المشروط الذي يقدمه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لوليِّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، كثيراً من الحيرة والتساؤلات بشأن دوافعه وأغراضه، بل وحكمته، خصوصاً أن الأجهزة الاستخباراتية الأميركية خلصت إلى أن بن سلمان متورّط مباشرة في اغتيال الصحافي، جمال خاشقجي، في حين يَضُجُّ الكونغرس والإعلام الأميركيان بالغضب على السعودية وسياساتها في الشرق الأوسط. وتكمن المفارقة هنا في ثلاثة أبعاد. الأول، أن رئيساً أميركياً يخالف تقويم الأجهزة الاستخباراتية لبلاده، أو على الأقل يسفهها ويتجاوزها، من أجل زعيم أجنبي، هو محط شَزَرِ العالم كله اليوم. والثاني، أن دعم بن سلمان أصبح أمراً ذا كلفة سياسية عالية أميركياً، ذلك أن الكونغرس، بأغلبيته، ومن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، متفقٌ على ضرورة معاقبة بن سلمان، وكبح جماح نظامه، سواء في ما يتعلق بسياساته السعودية الداخلية، أم بسياساته الرعناء والكارثية في الإقليم، وهو التوصيف الأكثر أدباً الذي يتناول السياسات السعودية اليوم، سياسياً وإعلامياً، في الولايات المتحدة. أما البعد الثالث فهو مرتبط مباشرة بالثاني، ذلك أن تداعيات السياسات السعودية الكارثية في المنطقة تمسّ بالمصالح والأمن القومي الأميركيين مباشرة. من ذلك، مثلاً، أن السعودية، بممارستها المنفلتة من عقال المنطق والفاعلية، تحولت إلى عبء على الجهود الأميركية لاحتواء نفوذ إيران المتصاعد في المنطقة، وذلك كما في الفشل السعودي الذريع في حرب اليمن التي دمرته، ووضعت شعبه على أعتاب كارثة إنسانية، من دون أن تهزم الحوثيين.
إذن، التقويم الأميركي العام أن بن سلمان عبء، لا ذخر للاستراتيجية الأميركية الكلية في منطقة الشرق الأوسط. كما أن السعودية، المتورّطة في حروب استنزافٍ كثيرة في المنطقة، لا تملك المال الكافي لإنفاقه في الولايات المتحدة، استثمارياً وعسكرياً، كما سبق أن تعهد محمد بن سلمان من قبل. والدليل هنا أنه من أصل مئات من المليارات من الدولارات (400 مليار دولار على مدى عشر سنوات) التي قال ترامب إن السعودية ستنفقها في أميركا، وستحرّك عجلة الاقتصاد الأميركي، لم يصل إلى اليوم إلا النزر اليسير على شكل استثماراتٍ وعقود تسليح. المفارقة الأكبر هنا أن أغلب تلك الصفقات إما قديمة، أي أنها تمت تحت إدارات سابقة، وتحديدا إدارة باراك أوباما، أو أنها وعودٌ لم تتحقق بعد. ويكفي أن نشير هنا إلى أنه، منذ أصبح ترامب رئيساً، لم تنجز الولايات المتحدة والسعودية إلا صفقاتٍ عسكرية بحدود أربعة مليارات دولار.
أمام ذلك كله، نعود إلى ما بدأنا به عن أسباب مغامرة ترامب ودوافعها في دعم بن سلمان، على الرغم مما يعنيه ذلك من اصطدام بأجهزة دولته الاستخبارية، فضلا عن الكونغرس والإعلام. يمكن تقديم ثلاث فرضيات هنا، تشكل، في الغالب، إطاراً واحداً متماسكاً يفسر، إلى حد كبير، موقف ترامب من موضوع استمرار دعم بن سلمان ولياً للعهد، هي:
أولا، البعد الشخصي. معروفٌ عن ترامب أنه لا يحب الاعتراف بالفشل، أو على الأقل يرفض أن يتحمل مسؤولية أي فشلٍ يترتب على سياساته وأفعاله، في حال ما كان من الصعب إخفاؤه. منذ بدأت دائرة ضيقة ضمن إدارة ترامب، مطلع العام الماضي، وتحديدا، صهره ومستشاره، جاريد كوشنر، تسويق بن سلمان، ودعمه أميركياً، كان ثمة قلق كبير داخل وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، فضلا عن وكالة الاستخبارات (سي آي إيه) من الأمر. ومعلوم أن "سي آي إيه" كان لديها تحفظات على دعم تصعيد بن سلمان ولياً للعهد على حساب ولي العهد السابق، والمقرّب منها، محمد بن نايف. نظرت "سي آي إيه"، ولا زالت، لبن سلمان على أنه أرعن عديم الخبرة. وأيضاً، أبدت وزارتا الخارجية والدفاع تحفظاتٍ كبيرة على إيكال ملف علاقات معقد كالسعودية لكوشنر، خصوصاً بعد أن بدا واضحاً أن العلاقة الشخصية بين كوشنر- بن سلمان لم تكن، ولا زالت، غير خاضعة لبروتوكولات التواصل التقليدية مع زعماء أجانب. وبسبب قلة خبرة كوشنر بالسياسة الخارجية، كان، ولا يزال، ثمّة تخوفٌ في الخارجية والدفاع من أنه يمكن التلاعب به سعودياً. وعلى الرغم من ذلك، تجاوز ترامب كل تلك التحفظات والمخاوف، ومضى في طريق دعم بن سلمان الذي تباهى يوماً بالقول، بعد خلع محمد بن نايف من ولاية العهد، وتنصيب بن سلمان مكانه: "لقد وضعنا رجلنا في القمة". ولذلك من الصعب جداً تخيل ترامب معترفاً بالخطأ، بعد أن مضى كل هذه المسافة في دعم رجلٍ ثبت فعلا أنه أرعن وعبء على الولايات المتحدة.
وثمّة جانب آخر للصورة هنا، ويتعلق بعلاقاتٍ تجاريةٍ وماليةٍ شخصيةٍ مفترضة بين ترامب وكوشنر من ناحية وبين السعودية بعد تصعيد بن سلمان إلى ولاية العهد. وتثير هذه العلاقات المفترضة لغطا كثيرا في الولايات المتحدة، وثمّة مطالبات جادة للتحقيق فيها، وهو الأمر الذي تعهدت الأغلبية الديمقراطية المقبلة في مجلس النواب الأميركي بفعله.
ثانياً، البعد التعاقدي الابتزازي. كرجل أعمال، يقارب ترامب السياسة باعتبارها علاقاتٍ تعاقديةٍ تجارية، خذ وأعط. لكن ترامب الذي كان مدركاً، منذ بدء رئاسته، حاجة بن سلمان له في سياق الصراع على العرش في المملكة، تعامل معه بمنطق الابتزاز. من ذلك، أن أول زيارة خارجية لترامب رئيسا كانت للرياض في مايو/ أيار 2017. ولكن ترامب رفض أن يقوم بها قبل أن يحصل على تعهداتٍ بصفقات استثمارية وتسليحية مهولة، وكان له ما أراد، إذ أعلن الطرفان من الرياض عن صفقاتٍ بقيمة أربعمائة مليار دولار. بعد ذلك بشهر، تمت إطاحة بن نايف من ولاية العهد. وعندما جاء بن سلمان إلى واشنطن، والتقى بترامب، في شهر مارس/ آذار الماضي، شاهد العالم كله ترامب يهين ضيفه، عندما عرض رسوماتٍ بيانية توضح حجم تعهدات الإنفاق السعودي في الولايات المتحدة، ومطالباً الأمير بالمزيد. ومنذ اغتيال خاشقجي، قبل شهرين، تصاعدت لغة ترامب الابتزازية للمملكة، وهو يطالبها مراتٍ ومرات بالدفع أكثر، وبتخفيض أسعار النفط عالمياً. وترامب كالقرش الذي يستشعر ضعف ضحيته، ويشم رائحة دمائها في الماء. وقد قدمت جريمة اغتيال خاشقجي له فرصة ذهبية لعصر المملكة أكثر. ومن ثمَّ، لا عجب أن ترامب يبقى يُذَكِّرُ الرأي العام الأميركي أنه لن يضحي بمئات المليارات من الدولارات من أجل جريمة اغتيال صحافي سعودي "لا يحمل الجنسية الأميركية".
ثالثاً، البعد الإسرائيلي. سبقت الإشارة إلى أن كوشنر هو المخوّل عملياً إدارة ملف العلاقة مع السعودية. وكوشنر ليس مكلفاً بصياغة "صفقة سلام" فلسطينية - إسرائيلية فحسب، بل إن هواه وولاءه إسرائيليان أولاً، وهو لا يرى المنطقة إلا من خلال عدسات إسرائيلية. ولعل كل من تابع لقاء كوشنر، قبل أيام قليلة، مع قناة فوكس نيوز، خرج بهذا الانطباع، وذلك عندما سئل عن جريمة قتل خاشقجي، حيث بادر مباشرةً إلى ربطها بـ"السلام" في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكان ترامب نفسه قال بكل وضوح، الشهر الماضي، إن السعودية تحت حكمها الحالي ضرورة لإسرائيل وأمنها، بل وحتى بقائها. ومعروفٌ أن بن سلمان استخدم مساومة موقف بلاده من قضية فلسطين كإحدى أدوات تسويق نفسه لدى ترامب وصهره، والتقارير التي تؤكد ذلك كثيرة جداً في هذا السياق، ولا يمكن التشكيك في دقتها.
باختصار، يرى ترامب، بتحريضٍ من صهره كوشنر، أن بن سلمان يمكن أن يساهم في تحقيق المجد الذي يصبوان إليه، خصوصاً أنه بائسٌ ضعيفٌ اليوم. عقود استثمارية وتجارية ضخمة تعود بالنفع على الاقتصاد الأميركي ستعزّز من فرص ترامب للترشح لدورة رئاسية ثانية. طبعاً، المنفعة الشخصية غير مستبعدة، وهي ستكون محل تحقيق في الكونغرس المقبل. كما يرى الاثنان أن بن سلمان مفيد لإسرائيل، وسيلعب دورا ضاغطاً على الفلسطينيين، وهو أمر سيتردد أي أمير آخر من آل سعود في عمله بتلك الفجاجة. دع عنك أن إحاطة ترامب نفسه بإيديولوجيين متطرّفين، وأحدهم مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، تعزّز من موقف دعم بن سلمان. وبولتون هذا إسرائيلي الهوى أيضا، وبالنسبة له، لن يتردّد بن سلمان في أي استجابة كارثية على بلاده، في سياق الصراع مع إيران. تبقى مسألة أخيرة، ينبغي أن يُشار إليها في فهم طبيعة ترامب. صحيحٌ أن الأخير رجل لا يحب الفشل، لكنه أيضاً لا يحب أن يكون مسؤولاً عنه، ولذلك إذا خرجت الأمور عن السيطرة، خصوصا في حال ما استمرت "سي آي إيه" في تسريباتها المتعمدة عن دور بن سلمان في جريمة اغتيال خاشقجي، حينها ينبغي لبن سلمان القلق. ليس فقط أن ترامب لا يحب أن يكون مسؤولاً عن الفشل، بل إنه لا يتردّد في أن يلقي به على كاهل أقرب الناس إليه والتخلي عنهم، وما مستشاره الأسبق للأمن القومي، مايكل فلين، ومحاميه السابق، مايكل كوهين، إلا نماذج قليلة في سلسلة أطول.
إذن، التقويم الأميركي العام أن بن سلمان عبء، لا ذخر للاستراتيجية الأميركية الكلية في منطقة الشرق الأوسط. كما أن السعودية، المتورّطة في حروب استنزافٍ كثيرة في المنطقة، لا تملك المال الكافي لإنفاقه في الولايات المتحدة، استثمارياً وعسكرياً، كما سبق أن تعهد محمد بن سلمان من قبل. والدليل هنا أنه من أصل مئات من المليارات من الدولارات (400 مليار دولار على مدى عشر سنوات) التي قال ترامب إن السعودية ستنفقها في أميركا، وستحرّك عجلة الاقتصاد الأميركي، لم يصل إلى اليوم إلا النزر اليسير على شكل استثماراتٍ وعقود تسليح. المفارقة الأكبر هنا أن أغلب تلك الصفقات إما قديمة، أي أنها تمت تحت إدارات سابقة، وتحديدا إدارة باراك أوباما، أو أنها وعودٌ لم تتحقق بعد. ويكفي أن نشير هنا إلى أنه، منذ أصبح ترامب رئيساً، لم تنجز الولايات المتحدة والسعودية إلا صفقاتٍ عسكرية بحدود أربعة مليارات دولار.
أمام ذلك كله، نعود إلى ما بدأنا به عن أسباب مغامرة ترامب ودوافعها في دعم بن سلمان، على الرغم مما يعنيه ذلك من اصطدام بأجهزة دولته الاستخبارية، فضلا عن الكونغرس والإعلام. يمكن تقديم ثلاث فرضيات هنا، تشكل، في الغالب، إطاراً واحداً متماسكاً يفسر، إلى حد كبير، موقف ترامب من موضوع استمرار دعم بن سلمان ولياً للعهد، هي:
أولا، البعد الشخصي. معروفٌ عن ترامب أنه لا يحب الاعتراف بالفشل، أو على الأقل يرفض أن يتحمل مسؤولية أي فشلٍ يترتب على سياساته وأفعاله، في حال ما كان من الصعب إخفاؤه. منذ بدأت دائرة ضيقة ضمن إدارة ترامب، مطلع العام الماضي، وتحديدا، صهره ومستشاره، جاريد كوشنر، تسويق بن سلمان، ودعمه أميركياً، كان ثمة قلق كبير داخل وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، فضلا عن وكالة الاستخبارات (سي آي إيه) من الأمر. ومعلوم أن "سي آي إيه" كان لديها تحفظات على دعم تصعيد بن سلمان ولياً للعهد على حساب ولي العهد السابق، والمقرّب منها، محمد بن نايف. نظرت "سي آي إيه"، ولا زالت، لبن سلمان على أنه أرعن عديم الخبرة. وأيضاً، أبدت وزارتا الخارجية والدفاع تحفظاتٍ كبيرة على إيكال ملف علاقات معقد كالسعودية لكوشنر، خصوصاً بعد أن بدا واضحاً أن العلاقة الشخصية بين كوشنر- بن سلمان لم تكن، ولا زالت، غير خاضعة لبروتوكولات التواصل التقليدية مع زعماء أجانب. وبسبب قلة خبرة كوشنر بالسياسة الخارجية، كان، ولا يزال، ثمّة تخوفٌ في الخارجية والدفاع من أنه يمكن التلاعب به سعودياً. وعلى الرغم من ذلك، تجاوز ترامب كل تلك التحفظات والمخاوف، ومضى في طريق دعم بن سلمان الذي تباهى يوماً بالقول، بعد خلع محمد بن نايف من ولاية العهد، وتنصيب بن سلمان مكانه: "لقد وضعنا رجلنا في القمة". ولذلك من الصعب جداً تخيل ترامب معترفاً بالخطأ، بعد أن مضى كل هذه المسافة في دعم رجلٍ ثبت فعلا أنه أرعن وعبء على الولايات المتحدة.
وثمّة جانب آخر للصورة هنا، ويتعلق بعلاقاتٍ تجاريةٍ وماليةٍ شخصيةٍ مفترضة بين ترامب وكوشنر من ناحية وبين السعودية بعد تصعيد بن سلمان إلى ولاية العهد. وتثير هذه العلاقات المفترضة لغطا كثيرا في الولايات المتحدة، وثمّة مطالبات جادة للتحقيق فيها، وهو الأمر الذي تعهدت الأغلبية الديمقراطية المقبلة في مجلس النواب الأميركي بفعله.
ثانياً، البعد التعاقدي الابتزازي. كرجل أعمال، يقارب ترامب السياسة باعتبارها علاقاتٍ تعاقديةٍ تجارية، خذ وأعط. لكن ترامب الذي كان مدركاً، منذ بدء رئاسته، حاجة بن سلمان له في سياق الصراع على العرش في المملكة، تعامل معه بمنطق الابتزاز. من ذلك، أن أول زيارة خارجية لترامب رئيسا كانت للرياض في مايو/ أيار 2017. ولكن ترامب رفض أن يقوم بها قبل أن يحصل على تعهداتٍ بصفقات استثمارية وتسليحية مهولة، وكان له ما أراد، إذ أعلن الطرفان من الرياض عن صفقاتٍ بقيمة أربعمائة مليار دولار. بعد ذلك بشهر، تمت إطاحة بن نايف من ولاية العهد. وعندما جاء بن سلمان إلى واشنطن، والتقى بترامب، في شهر مارس/ آذار الماضي، شاهد العالم كله ترامب يهين ضيفه، عندما عرض رسوماتٍ بيانية توضح حجم تعهدات الإنفاق السعودي في الولايات المتحدة، ومطالباً الأمير بالمزيد. ومنذ اغتيال خاشقجي، قبل شهرين، تصاعدت لغة ترامب الابتزازية للمملكة، وهو يطالبها مراتٍ ومرات بالدفع أكثر، وبتخفيض أسعار النفط عالمياً. وترامب كالقرش الذي يستشعر ضعف ضحيته، ويشم رائحة دمائها في الماء. وقد قدمت جريمة اغتيال خاشقجي له فرصة ذهبية لعصر المملكة أكثر. ومن ثمَّ، لا عجب أن ترامب يبقى يُذَكِّرُ الرأي العام الأميركي أنه لن يضحي بمئات المليارات من الدولارات من أجل جريمة اغتيال صحافي سعودي "لا يحمل الجنسية الأميركية".
ثالثاً، البعد الإسرائيلي. سبقت الإشارة إلى أن كوشنر هو المخوّل عملياً إدارة ملف العلاقة مع السعودية. وكوشنر ليس مكلفاً بصياغة "صفقة سلام" فلسطينية - إسرائيلية فحسب، بل إن هواه وولاءه إسرائيليان أولاً، وهو لا يرى المنطقة إلا من خلال عدسات إسرائيلية. ولعل كل من تابع لقاء كوشنر، قبل أيام قليلة، مع قناة فوكس نيوز، خرج بهذا الانطباع، وذلك عندما سئل عن جريمة قتل خاشقجي، حيث بادر مباشرةً إلى ربطها بـ"السلام" في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكان ترامب نفسه قال بكل وضوح، الشهر الماضي، إن السعودية تحت حكمها الحالي ضرورة لإسرائيل وأمنها، بل وحتى بقائها. ومعروفٌ أن بن سلمان استخدم مساومة موقف بلاده من قضية فلسطين كإحدى أدوات تسويق نفسه لدى ترامب وصهره، والتقارير التي تؤكد ذلك كثيرة جداً في هذا السياق، ولا يمكن التشكيك في دقتها.
باختصار، يرى ترامب، بتحريضٍ من صهره كوشنر، أن بن سلمان يمكن أن يساهم في تحقيق المجد الذي يصبوان إليه، خصوصاً أنه بائسٌ ضعيفٌ اليوم. عقود استثمارية وتجارية ضخمة تعود بالنفع على الاقتصاد الأميركي ستعزّز من فرص ترامب للترشح لدورة رئاسية ثانية. طبعاً، المنفعة الشخصية غير مستبعدة، وهي ستكون محل تحقيق في الكونغرس المقبل. كما يرى الاثنان أن بن سلمان مفيد لإسرائيل، وسيلعب دورا ضاغطاً على الفلسطينيين، وهو أمر سيتردد أي أمير آخر من آل سعود في عمله بتلك الفجاجة. دع عنك أن إحاطة ترامب نفسه بإيديولوجيين متطرّفين، وأحدهم مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، تعزّز من موقف دعم بن سلمان. وبولتون هذا إسرائيلي الهوى أيضا، وبالنسبة له، لن يتردّد بن سلمان في أي استجابة كارثية على بلاده، في سياق الصراع مع إيران. تبقى مسألة أخيرة، ينبغي أن يُشار إليها في فهم طبيعة ترامب. صحيحٌ أن الأخير رجل لا يحب الفشل، لكنه أيضاً لا يحب أن يكون مسؤولاً عنه، ولذلك إذا خرجت الأمور عن السيطرة، خصوصا في حال ما استمرت "سي آي إيه" في تسريباتها المتعمدة عن دور بن سلمان في جريمة اغتيال خاشقجي، حينها ينبغي لبن سلمان القلق. ليس فقط أن ترامب لا يحب أن يكون مسؤولاً عن الفشل، بل إنه لا يتردّد في أن يلقي به على كاهل أقرب الناس إليه والتخلي عنهم، وما مستشاره الأسبق للأمن القومي، مايكل فلين، ومحاميه السابق، مايكل كوهين، إلا نماذج قليلة في سلسلة أطول.