لماذا نكرهكم .. ونسعى إليكم؟

25 يونيو 2015
+ الخط -
في أعقاب عملية 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية في نيويورك وواشنطن، وأسفرت عن آلاف الضحايا ما بين قتلى ومصابين، ودمار هائل وغير مسبوق بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وهي عملية هزت أميركا من العمق، وصدمت أوروبا، وأذهلت العالم، وفي إطار ما تم الكشف عنه من الهويات الإسلامية، لمن قاموا بالتخطيط والتنفيذ، وأيضاً من بعض ردود الأفعال الشعبية، في العالمين، العربي والإسلامي، في أعقاب تلك العملية، خرجت من أميركا أصوات عالية موجهة إلى الشعوب الإسلامية والعربية تسأل: لماذا تكرهوننا؟ ذلك الكره الذي دفع بعضاً منكم إلى ارتكاب هذا الجرم البشع، ودفع بعضا آخر إلى الترحيب بما حدث، بل واعتباره فتحاً. 
وفي الوقت نفسه، انطلقت من الغرب، بقيادة أميركا، أول حرب دولية ضد الإرهاب، وبدأت أكبر عملية خلط أوراق عرفها التاريخ الحديث. اختلطت أوراق الإرهاب وأوراق المقاومة وأوراق المعارضة، كما تم الخلط بين إرهاب الدولة وإرهاب المنظمات والجماعات، وحتى إرهاب الأفراد. واستمر التساؤل: لماذا تكرهوننا؟
ولم يكن السؤال بالطبع مطروحاً على الحكومات والنظم، ولكن، على الناس في الشارع العربي والإسلامي.
تبارت مراكز البحث والتفكير في الإجابة عن السؤال، وبعد دراسات معمقة، قالوا إننا نكرههم لأننا نتاج نظم حكم شمولية، وسلطوية، واستبدادية، ما كان لها أن تقوم وتبقى، من دون دعم أميركا والغرب. ولأننا عانينا كثيرا من قهر تلك النظم، تحولنا إلى مخلوقات متطرفة، لا تحمل سوى مشاعر الحقد والكراهية التي ترجمناها إلى أعمال عنف وقتل وتفجيرات عشوائية، تضرب في كل مكان، وتهدد المصالح الأميركية والغربية، ليس في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة فحسب، بل وصلت إلى قلب تلك المجتمعات.
اختارت أميركا والدول الغربية التعامل مع القضية على مستويين، الأول هو سرعة نقل المعركة خارج أرضها، ومواجهة أهم بؤر الإرهاب، في تقديرها، والتي تمثلت في أفغانستان والعراق، بتوجيه ضربات عسكرية مباشرة، تقضي على نظامي الحكم اللذين كانا قائمين، وتم اعتبارهما حاضنين للإرهاب، ومارقين. وقد كان، وتم غزو كل من الدولتين وإسقاط نظام الحكم الذي كان قائماً فيهما، في عامي 2001 و 2003 على التوالي. وعلى الرغم من أن التكلفة كانت باهظة مادياً ومعنوياً، إلا أنه لا بد من الإقرار بأن الهدف المتمثل في نقل المعركة إلى عقر دارنا في الشرق الأوسط قد تحقق بشكل كبير، مع استمرار الحرب ضد الإرهاب، والتي تحولت إلى حرب مفتوحة.

وكان لا بد من الانتقال إلى المستوى الثاني، وهو خلخلة كل نظم الحكم الاستبدادية في إطار مشروع متكامل للتغيير وإعادة هيكلة المنطقة، ونظمها، بشكل يؤدي إلى تجفيف منابع الإرهاب، والحد من مشاعر الحقد والكراهية، وهو ما يمكن أن يتحقق، بإيجاد مناخ في المنطقة، أقرب ما يكون إلى الديمقراطية والحرية وإعلاء قيم العدل والكرامة وحقوق الإنسان. وكثر الحديث عن ذلك كله على نطاق إعلامي واسع، وبدأت المؤسسات والتنظيمات والمراكز النوعية تنتشر بفروعها في المنطقة، وتعمل بكثافة عالية في المجتمعات، خصوصاً الأوساط الشبابية، تدعو إلى التغيير السياسي عبر الحراك الشعبي.
وعلى مدى قرابة 15عاماً، منذ "11سبتمبر"، وإعلان الحرب العالمية على الإرهاب، وطرح الغرب السؤال الكبير لماذا يكرهوننا؟ شهدت منطقتنا العربية والإسلامية أحداثاً جساماً، وغرقت في بحر من الفوضى، سقطت نظم، ولم تقم نظم بديلة، واشتعلت ثورات شعبية، أحبطتها ثورات مضادة عاتية! الدول التي انهارت فيها النظم الاستبدادية تماماً دخلت في حالة احتراب داخلي على مستويات وبأشكال مختلفة، يعاني منها الناس أكثر من معاناتهم جراء الاستبداد. والدول التي شهدت إرهاصات ثورية شعبية لم تكتمل، حيث انقضت عليها الثورات المضادة، وتشهد حالة من التصدعات المجتمعية الحادة، تجعل كلفة الحياة في ظلها أكثر كثيراً من كلفتها في ظل النظم المستبدة التي تحركت الثورات ضدها. ما دفع كثيرين من أبناء هذه الشعوب إلى السعي إلى حمل جنسيات دول أميركية أو أوروبية، ويحتفظ بأوراق هويتها، باعتبارها ستكون سفينة نجاته، إذا ما تعرض للمخاطر، وهو أمر مؤسف في كل الأحوال.
تزايد الإرهاب وتصاعدت عملياته، وأصبح عابرا للدول، بل بدأ في إقامة دوله ومقاطعاته، كما حدث في العراق وسورية وليبيا واليمن، ويسعى إلى التمدد في المنطقة، وظل سؤال الغرب معلقاً.
لماذا تكرهوننا؟ وفي الوقت نفسه، تسعون إلينا.
الحقيقة التي علينا أن نواجهها بشجاعة، وبعيدا عن العواطف والأوهام، هي أن دوام هذه الأحوال من المحال، لأن الدول التي دخلت في معترك الاحتراب الأهلي لن تجني سوى الخراب والدمار، فمثل تلك الحروب الأهلية لا منتصر فيها ولا مهزوم، والكل خاسر.
أما الدول التي سقطت في بئر التصدعات المجتمعية الصعبة، والاستقطابات الطائفية، والسياسية الحادة، فعلى شعوبها أن تدرك أنه لا مجال لإقصاء أي طائفة أو جماعة، مهما كبرت أو صغرت، وأن التصدعات المجتمعية إذا استمرت فمآلها انهيار البنى الوطنية على رؤوس الجميع، وليس أمامها سوى الحوار الجاد، على قاعدة إعلاء قيم الحق والعدل، والعودة إلى الشعب باعتباره صاحب السيادة الحقيقية، ومصدر كل السلطات، وذلك من دون استعلاء أو وصاية من طرف أي كان.
أما الحقيقة التي على أميركا أن تدركها ومعها الغرب، من دون استكبار أو تعالٍ، فهي أن سؤالها لماذا تكرهوننا الموجه لنا ما زال قائماً، وأن الإجابة واضحة: إذا كنا قد كرهناكم في وقت مضى بسبب دعمكم نظم حكم مستبدة، ولخلطكم الأوراق بين المقاومة والإرهاب، فإنكم ارتكبتم وترتكبون ما هو أكثر جرماً.
أنهار الدم المراق على امتداد العالم الإسلامي والعربي من أفغانستان إلى باكستان، إلى العراق وسورية وليبيا واليمن ومصر وتونس، منها ما أريق بأيديكم مباشرة، ومنها ما أريق بسلاحكم ومباركتكم، ومنها ما أريق بتواطؤ منكم، وموجات النازحين والمهاجرين من المواطنين بالملايين، تحت وطأة الحروب والمعارك، والصراعات متعددة الأطراف، ذات الأهداف المتضاربة، والتي تباركونها كلها، والأمثلة صارخة. لقد سقط تماماً ادعاؤكم مناصرة الشعوب، ودعم تحركها ونضالها من أجل الحرية وحقوق الإنسان، بل وخرجت من عندكم تصريحات تدّعي أننا شعوب وبشر من الدرجة الثانية، لا نستحق الديمقراطية، في اتساق مع ما يردده الطغاة وأذنابهم من مفكري السلطة ومثقفيها، وكل سلطة على امتداد عالمنا العربي.
أعتقد أن إجابة السؤال الذي تطرحه علينا أميركا، ومعها الغرب كله، من سنوات: لماذا نكرهكم؟ وفي الوقت نفسه، نسعى إليكم؟ هي، ببساطة، لأنكم تكرهوننا، ولكن من يحمل هويتكم منا فهو، للأسف، آمن!






2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.