لماذا نكذب؟!

04 فبراير 2018
+ الخط -
لماذا ترتاح الشعوب لظاهرة الكذب؟!.. كل شخص منا يظن نفسه أصدق من الآخرين حتى وهو يكذب! وفي هذه الحالة لن يفضي المرء لأحد أو لنفسه بحقيقة كونه كاذباً..

تلفتني ظاهرة الكذب بأبعادها النفسية والاجتماعية، من دون أن أرمي بنفسي خارج هذه المنظومة حتى لو لم أمارس الكذب بشكل فعلي، إذ عندما تُحاط بمنظومة مبرمجة على الزيف ومعتادة على الكذب بنوعيه "الأبيض غير المؤذي، والأسود" ستصبح صدى صادقا لهذه المنظومة من دون أن تمثل رفضا قاطعا لها..


إن الشخص الصادق سيتعب كثيرا عندما يهدف لبناء شيء حقيقي من خلال عالم يبتلعه الزيف. كُلنا يسمع عبارة: لا يوجد أحد لا يكذب، والحياة تسير على هذه الشاكلة، مثلما يقال: الجميع يكذب على الجميع.

الناس يكذبون لكي يشبهوا بعضهم أكثر من قبل، لأن الاختلاف مغامرة وأمر جدير. بالنسبة للناس، الكذب أسهل من مواجهة تسبب لك عقبات، مواجهة الذات أو مواجهة أحدهم، وبالتالي كذبة صغيرة ستنوب عن تفاصيل كثيرة ربما تكون متعبة ومعقدة مع أحدهم، بينما يجتاحك إحساس داخلي مستقر يقول لك إنك تحوز الرضى عندما تشبه الآخرين بكل ما يقولون ويفعلون..

الإنسان يشعر بالحماية عندما يكون ضمن مجموعة، والحماية لا يؤمنها الوجود الجسدي وحسب، وإنما التشابه في كثير من صفات تلك المجموعة. ولكن الناس في بعض الأحيان والمواقف يشعرون بالأمان عند الكذب، لأنه أيضا يرتبط ارتباطا وثيقا بوهم داخلي يبعث على الأمان.

ما من شك، ثمة فرق جلي بين الكذب والوهم، لأن الوهم تعاط جدي وضخم وشديد الخصوصية مع احتياجات الذات ودوافعها، إذ إن الإنسان بطبعه يحتاج لوهم صغير يدفعه إلى الأمام.

الواقعية الصرفة في أوج ذروتها تتبدل إلى حالة مملة ومحدودية في الخيال، بينما يكون الأمر مختلفا عندما تتخلله خيوط رقيقة من الوهم اللذيذ -جميعنا لدينا وهمنا الخاص والسري-.

كنت أظن في السابق أن ظاهرة الكذب حكر على المجتمعات النامية التي تفتقد الأمان بمعناه السياسي المجتمعي الاقتصادي، لكن الأمر لا يختلف كثيرا في المجتمعات الأوروبية المتقدمة.. قابلت الكثير من الشبان الأجانب الذين يكذبون بنفس طريقة نظرائهم في أماكن أخرى.. بالفعل الكذب هو خوف دائم من الآخرين.
دلالات
42BBA522-1BE8-4B0B-9E9A-074B55E2BCB4
معتز نادر

كاتب صحافي وشاعر.يقول: من المخزي أن ينسف طارئ نفسي أو عقلي معين كل ما أنجزته تجربة الذاكرة عبر سنواتها الطويلة.. إن هذا يؤدي إلى الحديث عن الموهبة الممزوجة بالصدق والنقاء، إذ برأيي ستكون أقصى ما يمكن أن يصل إليه المرء من كفاءة وروعة.وليس ثمة قضية أهم من مواجهة الإنسان لوحدته.. إن هذا العالم نهض على الأغلب من أشياء تافهة وغير ملفتة، وهذا ما يمنح الإغراء للبحث عن حياة نقية وأكثر نضارة.

مدونات أخرى