23 مايو 2017
لماذا لن يُهزم داعش العراق؟
اعتادت أميركا على كنس أخطائها بأيدي الآخرين. تُدمر، تهدم، تقتل، وعلى بقية العالم الشروع في تنظيف آثار الجريمة، ثم التصفيق لها على فعلتها، لأنها لم تهدف من ورائها، سوى لإحلال الديمقراطية مكان الديكتاتورية، أما النفط، والموقع الجغرافي، والسطو على خيرات الشعوب، فهي لا تُمثل مطمعاً للعقل الاستعماري.
بعد احداث "11 سبتمبر"، بادرت أميركا بالتحضير "للحرب على الإرهاب"، وعلى من سمتهم بالأعداء، فرسمت في مخيلتها، كما سعت إلى زرعها في عقول العالم، بأن ثمة دولا تُمثل "محور الشر"، تلك الدول التي لا تتوافق مع سياستها، والتي يجب محاربتها وتغيير أنظمتها. سارعت الولايات المتحدة، بغية الانتقام لهيبتها التي فقدتها بعد الهجمات، لشن حروبٍ تحت مبرراتٍ واهية، عن طريق مجموعة صور ورسومات، تم عرضها بشكل هوليوودي في مجلس الأمن، محاولة ربط القاعدة، التنظيم الجهادي الذي تبنى الهجوم بالعراق، لكن تلك الصور لم تنطو على أحد، باستثناء أصدقاء المستعمر، وزبانيته طبعاً، الذين جعل منهم حكاماً على "العراق الجديد".
كان غزو العراق لحظةً مفصليةً في تاريخ المنطقة، فقد سمح انهيار العراق للأمم القريبة والغريبة بالولوج إلى الساحة العربية، من بوابة بغداد، تحت شعاراتٍ مختلفة. لكن الأهم في عملية الغزو الأهداف السياسية التي سعى إلى تحقيقها، فكما يعلم الجميع، باشرت القوات الغازية للانتقام من عروبة العراق بتدمير مؤسسات الدولة الوطنية، وبفرض نظام طائفي يديره مجموعة من السرّاق، وفي مقدمتها المؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث اتهمها الغازي وعملاءه، بأنها قوات "صدام حسين"، في مساعٍ خبيثة إلى ربط جميع ما يمت لدولة العراق، بشخص الرئيس صدام حسين، بحيث يتحول تهديم الدولة العراقية لهدفٍ مشروع، في سبيل القضاء على الديكتاتور، في حين أن القاصي والداني يعلمان الغرض الحقيقي، من ما يُسمى في العقيدة الأميركية "بالصفحة البيضاء"، أي إعادة تشكيل هوية المجتمع والدولة العراقية على أسسٍ لا تمت لعروبته وأمته بصلة. تماماً، كما يخطّطون لسورية الآن، من خلال الدستور الذي يجري النقاش حوله بين أميركا والروس، والذي لا يمكن إلا أن يكون على شاكلة أنظمة العراق ولبنان، أي بتقسيم المجتمع إلى جماعاتٍ أهليةٍ متناحرة ومتنافرة، وكأننا أمةٌ لا تتحدث إلا بلسان مذهبي.
بعد ثلاثة عشر عاماً على احتلال العراق، يتسمّر العالم أمام شاشات التلفاز، لمشاهدة مشاهد
الخراب والدمار والدماء، وهي تطفح فوق شوارع بغداد، وضواحيها، وأعلام داعش السود تجوب طرقات الموصل والفلوجة، وخطب توعدية لزعيم داعش، وهو يهدّد العالم بالانتقام "لأمته". ظنت أميركا أن الاحتلال سوف يُستقبل بالورود والزغاريد، فما لبثت أن تفجرت المقاومة في وجهها بشعاراتٍ مختلفةٍ ومتناقضةٍ في بعض الأحيان، فمقتدى الصدر كان يقاوم الاحتلال، قبل أن يتم تطويعه، جنباً إلى جنب مع بعض القوى "السُنية"، لكن الثابت الوحيد أن العملية السياسية التي فرضها المحتل فشلت في إيجاد أرضية لدولةٍ وطنيةٍ، تشمل جميع مكونات الشعب العراقي.
تحتشد اليوم الحشود على أبواب الفلوجة، بغرض محاربة داعش، وقد يكون التنظيم الإرهابي المسيطر على الفلوجة فعلاً، لكن المعركة أثارت خلافاتٍ كثيرة بين الحلفاء الذين يهاجمون المدينة، بما فيهم أميركا وإيران، أعداء الأمس، والقوى العراقية المهيمنة على السلطة. هل يشارك الحشد الشعبي في المعركة، أم يبقى خارج حدود الفلوجة، لكي لا يثير حساسية طائفية في المنطقة المشتعلة بحروبها المذهبية. هذا الخلاف، وهذه الانتقادات التي طالت الهجوم على المدنية، لم تكن لتظهر على السطح، لو كانت القوى السياسية المنخرطة في العملية السياسية وطنية، فالحشد الشعبي، لا يخفى على أحد كيف تشكل، وفي أي ظرف، بعد فتوى المرجع الشيعي الأكبر في العراق، علي السيستاني، بما يضفي عليه صبغة مذهبية، بغض النظر عن أهدافه، كما أن تباهيه برموزه المذهبية وتفاخره بانتمائه الطائفي ليست سراً، فضلاً عن ممارسات بعض فصائله الانتقامية. إذن، إذا كانت الخوذة التي تضعها على رأسك طائفيةً، فلا يمكن أن تتوقع من الناس النظر لك قوى تحرير وطني.
هذا الانخراط الأميركي الإيراني في المعركة، وصورة قائد فيلق القدس قاسم سليماني برفقة هادي العامري، لا يمكن إلا أن تثير حساسية الطرف المقابل، وتنزع عن هذه المعركة صفتها الوطنية، فتحوّلها إلى مواجهة إقليمية. المستفز في الموضوع أكثر، أنه لا أمل لمستقبل العراق، ولا حلول سياسية خارج تجاذبات مصالح القوى الكبرى، فأميركا لا تريد الحشد الشعبي أن يشارك في تحرير الفلوجة، ولا الموصل، ليس لأنه يثير حساسية "السنة" في المنطقة، فهذا آخر هموم أميركا، لكن عدم مشاركة الحشد تحرم إيران من وضع أقدامها في هذه المناطق، وهي مناطق مهمة لوصل طهران دمشق بيروت. على الجانب المقابل، لن تسمح إيران بتحرير الفلوجة أو الموصل، من دون مشاركة الحشد الشعبي، ولو "اضطرت إيران لدعم داعش في الموصل بالسلاح ومنع هزيمته"، بحسب أحد العارفين بالعقل الإيراني، وذلك لضمان عدم تقسيم العراق إلى مناطق سنية وأخرى شيعية، وبالتالي، فتح باب التقسيم في المنطقة على مصراعيه، فمن شأن هذا التقسيم، إن حصل، أن يحفز الأقليات على "النضال"، "وقد لا تكون إيران في منأى عنه".
منذ اليوم الأول، لعب داعش على التناقضات المحلية والدولية، للبقاء والتمدّد في العراق، فما دامت النخب التي تحكم بغداد تفتقر للحس الوطني، والتحالفات الإقليمية باقية على حالها، فإن داعش لن يهزم قريباً.
بعد احداث "11 سبتمبر"، بادرت أميركا بالتحضير "للحرب على الإرهاب"، وعلى من سمتهم بالأعداء، فرسمت في مخيلتها، كما سعت إلى زرعها في عقول العالم، بأن ثمة دولا تُمثل "محور الشر"، تلك الدول التي لا تتوافق مع سياستها، والتي يجب محاربتها وتغيير أنظمتها. سارعت الولايات المتحدة، بغية الانتقام لهيبتها التي فقدتها بعد الهجمات، لشن حروبٍ تحت مبرراتٍ واهية، عن طريق مجموعة صور ورسومات، تم عرضها بشكل هوليوودي في مجلس الأمن، محاولة ربط القاعدة، التنظيم الجهادي الذي تبنى الهجوم بالعراق، لكن تلك الصور لم تنطو على أحد، باستثناء أصدقاء المستعمر، وزبانيته طبعاً، الذين جعل منهم حكاماً على "العراق الجديد".
كان غزو العراق لحظةً مفصليةً في تاريخ المنطقة، فقد سمح انهيار العراق للأمم القريبة والغريبة بالولوج إلى الساحة العربية، من بوابة بغداد، تحت شعاراتٍ مختلفة. لكن الأهم في عملية الغزو الأهداف السياسية التي سعى إلى تحقيقها، فكما يعلم الجميع، باشرت القوات الغازية للانتقام من عروبة العراق بتدمير مؤسسات الدولة الوطنية، وبفرض نظام طائفي يديره مجموعة من السرّاق، وفي مقدمتها المؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث اتهمها الغازي وعملاءه، بأنها قوات "صدام حسين"، في مساعٍ خبيثة إلى ربط جميع ما يمت لدولة العراق، بشخص الرئيس صدام حسين، بحيث يتحول تهديم الدولة العراقية لهدفٍ مشروع، في سبيل القضاء على الديكتاتور، في حين أن القاصي والداني يعلمان الغرض الحقيقي، من ما يُسمى في العقيدة الأميركية "بالصفحة البيضاء"، أي إعادة تشكيل هوية المجتمع والدولة العراقية على أسسٍ لا تمت لعروبته وأمته بصلة. تماماً، كما يخطّطون لسورية الآن، من خلال الدستور الذي يجري النقاش حوله بين أميركا والروس، والذي لا يمكن إلا أن يكون على شاكلة أنظمة العراق ولبنان، أي بتقسيم المجتمع إلى جماعاتٍ أهليةٍ متناحرة ومتنافرة، وكأننا أمةٌ لا تتحدث إلا بلسان مذهبي.
بعد ثلاثة عشر عاماً على احتلال العراق، يتسمّر العالم أمام شاشات التلفاز، لمشاهدة مشاهد
تحتشد اليوم الحشود على أبواب الفلوجة، بغرض محاربة داعش، وقد يكون التنظيم الإرهابي المسيطر على الفلوجة فعلاً، لكن المعركة أثارت خلافاتٍ كثيرة بين الحلفاء الذين يهاجمون المدينة، بما فيهم أميركا وإيران، أعداء الأمس، والقوى العراقية المهيمنة على السلطة. هل يشارك الحشد الشعبي في المعركة، أم يبقى خارج حدود الفلوجة، لكي لا يثير حساسية طائفية في المنطقة المشتعلة بحروبها المذهبية. هذا الخلاف، وهذه الانتقادات التي طالت الهجوم على المدنية، لم تكن لتظهر على السطح، لو كانت القوى السياسية المنخرطة في العملية السياسية وطنية، فالحشد الشعبي، لا يخفى على أحد كيف تشكل، وفي أي ظرف، بعد فتوى المرجع الشيعي الأكبر في العراق، علي السيستاني، بما يضفي عليه صبغة مذهبية، بغض النظر عن أهدافه، كما أن تباهيه برموزه المذهبية وتفاخره بانتمائه الطائفي ليست سراً، فضلاً عن ممارسات بعض فصائله الانتقامية. إذن، إذا كانت الخوذة التي تضعها على رأسك طائفيةً، فلا يمكن أن تتوقع من الناس النظر لك قوى تحرير وطني.
هذا الانخراط الأميركي الإيراني في المعركة، وصورة قائد فيلق القدس قاسم سليماني برفقة هادي العامري، لا يمكن إلا أن تثير حساسية الطرف المقابل، وتنزع عن هذه المعركة صفتها الوطنية، فتحوّلها إلى مواجهة إقليمية. المستفز في الموضوع أكثر، أنه لا أمل لمستقبل العراق، ولا حلول سياسية خارج تجاذبات مصالح القوى الكبرى، فأميركا لا تريد الحشد الشعبي أن يشارك في تحرير الفلوجة، ولا الموصل، ليس لأنه يثير حساسية "السنة" في المنطقة، فهذا آخر هموم أميركا، لكن عدم مشاركة الحشد تحرم إيران من وضع أقدامها في هذه المناطق، وهي مناطق مهمة لوصل طهران دمشق بيروت. على الجانب المقابل، لن تسمح إيران بتحرير الفلوجة أو الموصل، من دون مشاركة الحشد الشعبي، ولو "اضطرت إيران لدعم داعش في الموصل بالسلاح ومنع هزيمته"، بحسب أحد العارفين بالعقل الإيراني، وذلك لضمان عدم تقسيم العراق إلى مناطق سنية وأخرى شيعية، وبالتالي، فتح باب التقسيم في المنطقة على مصراعيه، فمن شأن هذا التقسيم، إن حصل، أن يحفز الأقليات على "النضال"، "وقد لا تكون إيران في منأى عنه".
منذ اليوم الأول، لعب داعش على التناقضات المحلية والدولية، للبقاء والتمدّد في العراق، فما دامت النخب التي تحكم بغداد تفتقر للحس الوطني، والتحالفات الإقليمية باقية على حالها، فإن داعش لن يهزم قريباً.