23 مايو 2017
السياحة والترفيه في السعودية.. تجريب المجرّب
تتوالى الأخبار، من داخل السعودية، عن أنشطةٍ سياحيةٍ وترفيهيةٍ جديدة، حفلات غنائية عادت إلى صالات الرياض وجدة، بعد انقطاع دام عقوداً، وحزمة من الفعليات الأسبوعية باتت إعلاناتها أسرع من أن تُراقب أو ترصد، لغير المهتمين بالشأن. هذه النقلة النوعية هي أحد عناصر الخطة الاقتصادية التي وعدت بتقليص الاعتماد على النفط، لصالح خياراتٍ بديلة، وهي خطةٌ طموحةٌ، إذا ما جرى العمل على الاستفادة من الزخم السياسي الذي تحظى به، في هندسة نموذجٍ اقتصاديٍّ، قادرٍ على إيجاد توازنٍ بين مداخيل النفط والمداخيل الأخرى.
كثيرة هي الأخبار الاقتصادية التي تداهم المواطن السعودي، فبين فكرة طرح أسهم شركة أرامكو في بورصة لندن، كما نشرت مجلة بلومبرغ، وإنشاء "أكبر" مدينةٍ ثقافيةٍ وترفيهيةٍ في العالم، حيث جرى الإعلان عن مشروع ترفيهي جنوب العاصمة الرياض، على مساحة 334 كيلومتراً مربعاً، وأن المشروع سوف يضم مدينة ملاهٍ أميركية شهيرة أياماً معدودة. كل هذا يجعل الترقب والقلق من سمات المرحلة الحالية التي يُهيمن فيها الانتظار على كبار المستثمرين المحليين في السوق السعودي الذين لم يعودوا يثقون كثيراً بما يتداوله الإعلام المحلي، خصوصاً، مع تزايد استخدامه مصطلحات تفخيمية على مشاريع ما زالت على الورق، في وقتٍ يدخل فيه الاقتصاد السعودي مرحلة ركودٍ لم تعرفها المملكة، منذ مطلع الثمانينيات الميلادية، فكلمتا "أكبر" و"أهم" أصبحتا تعتليان قائمة مفردات الإعلام السعودي الذي اعتاد التهليل للمشاريع قبل إنجازها، لكن المواطن على كل ما يحوي جدول أعماله من هموم معيشية وديون لم ينس قط مرحلة وعود المدن الصناعية التي دفنت تحت رمال الصحراء.
إذاً، ليست مشكلةً في الطموح نحو حياةٍ أفضل، فهذه أحد حوافز الإبداع والتغيير التي تسبق تحقيق المنجزات، لكن بعض التجارب ليست إلا تكراراً لما سبق أن جرّبه الآخرون، ولم يصلوا إلى نتيجةٍ مرضيةٍ، بل في أحيان كثيرة خسروا ثقلهم الاقتصادي، لصالح قوىً صاعدة، أخذت بسبل التقدم والازدهار، من خلال تعزيز الاستثمار في الصناعة المحلية، وجعل المنتجات قادرةً على المنافسة عالمياً، عبر حمايتها وتقديم الدعم الكامل لها. فالمملكة الغنية بالنفط مرّت بطفراتٍ لم تستغل، بل إن عوائده السهلة ساهمت في تبذيرٍ هائل للثروة الوطنية، وكما يقول صاحب كتاب "نقمة النفط"، مايكل روس، يكرّس الاعتماد على مداخيل النفط القضاء على التفكير في بدائل عنه، ويميت التنوع الاقتصادي. فإذا ما جرى التفكير في بدائله، في وقتٍ ما زال يحظى بأهمية عالميةٍ ومحليةٍ، فقد نكون خطوْنا الخطوة الأولى، لكن الأهم من الخطوة مسارها، لكي لا تضيّعنا مسارات شركة ماكينزي، الفاشلة والمكرّرة، فنخسر بذلك فرصةً جديدة. لو كانت استشارات ماكينزي، أو غيره من أدوات، تعين المركز الإمبريالي على شفط فوائض الدول النامية، وضخّها في ما يسميه الاقتصادي اليوناني، يانيس فاروفاكيس "المينوتور العالمي" نافعة، لمَا وصل الاقتصاد البريطاني إلى ما وصل إليه اليوم. أكثر من ذلك، حينما تهاوت المصارف الكبرى في بريطانيا، جمعت الملكة خبراء مدرسة لندن للإدارة والاقتصاد، وسألتهم: لماذا لم تتوقعوا ما حصل؟ فلم ينبس أحدهم بجملة مفيدة.
أكثر ما يثير قلقنا في الخليج مشاهدة لُعاب تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، يسيل على خصخصة قطاع النفط، وطرحها المساعدة في "تمدين الاقتصاد السعودي، ودمج المرأة في السوق المحلي"، فبريطانيا لا بد أن تقبع في آخر قائمة المستشارين الاقتصاديين الذين يمكن الوثوق بهم، ليس فقط لتاريخها الاستعماري الطويل، وتجاربها في امتصاص خيرات الشعوب، كما حدث للشعبين، الهندي والإيراني، من الشركات البريطانية الكبرى، لكن لتجربتها الكارثية في الانتقال من التصنيع إلى اقتصاد الخدمات، حيث يمكن مشاهدة نتائجها في صعود اليمين المتطرّف الذي لم يكن لينجح لولا تضاعف الدين العام، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستوى المعيشة للأسر المتوسطة والفقيرة، لصالح ارتفاع حصة رأس المال من الناتج الإجمالي.
ما تطمح إليه بريطانيا اليوم هو إنقاذ اقتصادها من التدهور، من خلال سياسة ضخ فائض رأس مال الدول النفطية في الأسواق البريطانية، إنْ من خلال صفقات السلاح، التي تؤكدها أرقام بلومبرغ، حيث تستورد السعودية وحدها 40% منها تقريباً، إلى خدمات الاستشارات والعقار، حيث يعيش الاقتصاد البريطاني مرحلةً لا يُحسد عليها، من تراجع العملة إلى القيود التي سوف تفرض عليها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. لذا، يمكننا فهم " تبرّع" الرئيسة بالقدوم، وعرض مساعدة المملكة.
الاهتمام بالسياحة والترفيه يعد عملاً مهماً لمستقبل المملكة التي عانت تصحراً في الأنشطة الثقافية والترفيهية، ولا شك في أن فتح هذا النشاط للاستثمار سوف يدر أموالاً طائلة على الصندوق الاستثماري، وعلى رأس المال الوطني، لكن السياحة لا تنجح من دون حرية، كما أنها لن تغير اعتماد الاقتصاد الكلي على النفط، ولن تشكل بديلاً آمناً عنه.
كثيرة هي الأخبار الاقتصادية التي تداهم المواطن السعودي، فبين فكرة طرح أسهم شركة أرامكو في بورصة لندن، كما نشرت مجلة بلومبرغ، وإنشاء "أكبر" مدينةٍ ثقافيةٍ وترفيهيةٍ في العالم، حيث جرى الإعلان عن مشروع ترفيهي جنوب العاصمة الرياض، على مساحة 334 كيلومتراً مربعاً، وأن المشروع سوف يضم مدينة ملاهٍ أميركية شهيرة أياماً معدودة. كل هذا يجعل الترقب والقلق من سمات المرحلة الحالية التي يُهيمن فيها الانتظار على كبار المستثمرين المحليين في السوق السعودي الذين لم يعودوا يثقون كثيراً بما يتداوله الإعلام المحلي، خصوصاً، مع تزايد استخدامه مصطلحات تفخيمية على مشاريع ما زالت على الورق، في وقتٍ يدخل فيه الاقتصاد السعودي مرحلة ركودٍ لم تعرفها المملكة، منذ مطلع الثمانينيات الميلادية، فكلمتا "أكبر" و"أهم" أصبحتا تعتليان قائمة مفردات الإعلام السعودي الذي اعتاد التهليل للمشاريع قبل إنجازها، لكن المواطن على كل ما يحوي جدول أعماله من هموم معيشية وديون لم ينس قط مرحلة وعود المدن الصناعية التي دفنت تحت رمال الصحراء.
إذاً، ليست مشكلةً في الطموح نحو حياةٍ أفضل، فهذه أحد حوافز الإبداع والتغيير التي تسبق تحقيق المنجزات، لكن بعض التجارب ليست إلا تكراراً لما سبق أن جرّبه الآخرون، ولم يصلوا إلى نتيجةٍ مرضيةٍ، بل في أحيان كثيرة خسروا ثقلهم الاقتصادي، لصالح قوىً صاعدة، أخذت بسبل التقدم والازدهار، من خلال تعزيز الاستثمار في الصناعة المحلية، وجعل المنتجات قادرةً على المنافسة عالمياً، عبر حمايتها وتقديم الدعم الكامل لها. فالمملكة الغنية بالنفط مرّت بطفراتٍ لم تستغل، بل إن عوائده السهلة ساهمت في تبذيرٍ هائل للثروة الوطنية، وكما يقول صاحب كتاب "نقمة النفط"، مايكل روس، يكرّس الاعتماد على مداخيل النفط القضاء على التفكير في بدائل عنه، ويميت التنوع الاقتصادي. فإذا ما جرى التفكير في بدائله، في وقتٍ ما زال يحظى بأهمية عالميةٍ ومحليةٍ، فقد نكون خطوْنا الخطوة الأولى، لكن الأهم من الخطوة مسارها، لكي لا تضيّعنا مسارات شركة ماكينزي، الفاشلة والمكرّرة، فنخسر بذلك فرصةً جديدة. لو كانت استشارات ماكينزي، أو غيره من أدوات، تعين المركز الإمبريالي على شفط فوائض الدول النامية، وضخّها في ما يسميه الاقتصادي اليوناني، يانيس فاروفاكيس "المينوتور العالمي" نافعة، لمَا وصل الاقتصاد البريطاني إلى ما وصل إليه اليوم. أكثر من ذلك، حينما تهاوت المصارف الكبرى في بريطانيا، جمعت الملكة خبراء مدرسة لندن للإدارة والاقتصاد، وسألتهم: لماذا لم تتوقعوا ما حصل؟ فلم ينبس أحدهم بجملة مفيدة.
أكثر ما يثير قلقنا في الخليج مشاهدة لُعاب تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، يسيل على خصخصة قطاع النفط، وطرحها المساعدة في "تمدين الاقتصاد السعودي، ودمج المرأة في السوق المحلي"، فبريطانيا لا بد أن تقبع في آخر قائمة المستشارين الاقتصاديين الذين يمكن الوثوق بهم، ليس فقط لتاريخها الاستعماري الطويل، وتجاربها في امتصاص خيرات الشعوب، كما حدث للشعبين، الهندي والإيراني، من الشركات البريطانية الكبرى، لكن لتجربتها الكارثية في الانتقال من التصنيع إلى اقتصاد الخدمات، حيث يمكن مشاهدة نتائجها في صعود اليمين المتطرّف الذي لم يكن لينجح لولا تضاعف الدين العام، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستوى المعيشة للأسر المتوسطة والفقيرة، لصالح ارتفاع حصة رأس المال من الناتج الإجمالي.
ما تطمح إليه بريطانيا اليوم هو إنقاذ اقتصادها من التدهور، من خلال سياسة ضخ فائض رأس مال الدول النفطية في الأسواق البريطانية، إنْ من خلال صفقات السلاح، التي تؤكدها أرقام بلومبرغ، حيث تستورد السعودية وحدها 40% منها تقريباً، إلى خدمات الاستشارات والعقار، حيث يعيش الاقتصاد البريطاني مرحلةً لا يُحسد عليها، من تراجع العملة إلى القيود التي سوف تفرض عليها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. لذا، يمكننا فهم " تبرّع" الرئيسة بالقدوم، وعرض مساعدة المملكة.
الاهتمام بالسياحة والترفيه يعد عملاً مهماً لمستقبل المملكة التي عانت تصحراً في الأنشطة الثقافية والترفيهية، ولا شك في أن فتح هذا النشاط للاستثمار سوف يدر أموالاً طائلة على الصندوق الاستثماري، وعلى رأس المال الوطني، لكن السياحة لا تنجح من دون حرية، كما أنها لن تغير اعتماد الاقتصاد الكلي على النفط، ولن تشكل بديلاً آمناً عنه.